كشفت مصادر مطلعة أن المفاوضات التي تقوم بها الحكومة مع صندوق النقد الدولي تعثرت مؤخرا بسبب شروط صعبة يفرضها الصندوق هذه المرة، وترى الحكومة المصرية أنها ستتسبب في وضع أعباء إضافية ثقيلة على كاهل المواطنين الذين يعانون أصلاً من تبعات الأزمة الحالية، مما قد يدفعهم للانتفاض والثورة التي قد تطيح بالنظام.
وقالت المصادر، إنه “نظراً لتخوف النظام المصري من تبعات القبول بشروط صندوق النقد الدولي على المستوى الشعبي، فإنه يبحث سيناريوهات عدة، من بينها أن تقوم القوات المسلحة بإسناد الاحتياطي النقدي الأجنبي للبنك المركزي، والذي أصبح مهدداً بسبب عجز الموازنة الناتج عن ارتفاع أسعار الحبوب والمواد البترولية عالمياً، وهي السلع التي تستورد منها مصر كميات كبيرة”.
وأكدت المصادر أن “هناك حالة من القلق تسود المؤسسة العسكرية مع تصاعد حدة الأزمة، خوفاً من أن تتحول إلى تظاهرات غضب جماهيرية يصعب التعامل معها، وقد تؤدي إلى انهيار النظام”، كما يرفض عسكريون شرط الصندوق بالكشف عن المعلومات المالية للشركات المملوكة للجيش كجزء من التقارير المطلوبة عن الشركات التي تملكها الدولة، قبل صرف الشطر الثاني من التمويل بموجب برنامج الإقراض الحالي.
تجدر الإشارة الى أن التعاملات المالية للشركات المملوكة للهيئات العسكرية، والتي تنتج في الأساس سلعا مدنية، محجوبة تماما عن الرأي العام، ما يجعلها بيئة خصبة للفساد وتقوّض الرقابة المدنية على تمويل الجيش المصري المسؤول عن انتهاكات خطيرة.
قالت سارة سعدون، باحثة أولى في الأعمال وحقوق الإنسان في هيومن رايتس ووتش: “منذ 2016، وافق صندوق النقد الدولي على إقراض مصر 20 مليار دولار، بهدف ظاهري يتمثل في إجراء الإصلاحات الضرورية على التعاملات المالية الحكومية الغامضة. خلال تلك الفترة، واصلت الشركات العسكرية المتنامية باطراد العمل بسرية، بينما تَسامح الصندوق فعليا مع الشركات المملوكة للجيش لناحية متطلبات الشفافية التي يستوجبها.”
وحسب المصادر، “يشترط صندوق النقد الالتزام بسعر مرن للصرف، ما قد يؤدي لانفلات سعر الدولار بشكل يضر بالملايين، بالإضافة إلى شرط الإسراع في تنفيذ برنامج الخصخصة، وتفكيك الهيئات الاقتصادية الحكومية وإعادة هيكلتها وطرحها للبيع، ما قد يضر بالكثير من الموظفين أيضاً”.
وقالت المصادر إن الحكومة المصرية تخشى أيضاً من اقتناع الكثيرين بأن “سياسة الإصلاح الاقتصادي”، التي وضعها الصندوق وروّج لها النظام المصري الحاكم على مدار السنوات الماضية، أدت إلى زيادة الفقر وسوء توزيع الدخل وانعدام المساواة، على الرغم من محاولات النظام تحسين صورته الشكلية ببرامج اجتماعية مثل “تكافل وكرامة”.
وأضافت المصادر أن “هناك اقتناعاً داخل القوات المسلحة وأجهزة سيادية بالدولة بأن نتيجة القرض الجديد ستكون مزيداً من إفقار المواطنين، لا سيما الطبقة الوسطى منهم والفقراء”.
وأشارت المصادر إلى أن حديث الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال “إفطار الأسرة المصرية” الذي عقد قبل أيام، وشدد خلاله على أن القوات المسلحة صرفت مليار دولار شهرياً لمدة 48 شهراً، “كان الغرض منه تحفيز الدول الخليجية على تقديم مساعدات أكثر لمصر”.
تعثر المفاوضات مع الصندوق
وأكدت المصادر تعثر مفاوضات الحكومة المصرية مع صندوق النقد الدولي بشأن برنامج جديد تقدمت به القاهرة للحصول على قرض جديد خلال الفترة القريبة المقبلة، في محاولة لمواجهة الأزمة الاقتصادية العنيفة التي تضرب الاقتصاد المصري.
وأعلنت الحكومة المصرية، في وقت سابق، أنها قدمت طلباً إلى صندوق النقد الدولي لبدء مشاورات بخصوص برنامج جديد يتضمن تمويلاً إضافياً لصالح مصر. وقالت رئاسة الوزراء المصرية إن البرنامج “يهدف إلى مساندة الدولة المصرية في خططها الخاصة بالإصلاح الاقتصادي الوطني الشامل”.
وقالت المصادر إن “مفاوضات تمهيدية جرت أخيراً، شاركت فيها وزيرة التعاون الدولي المصرية رانيا المشاط، ومسؤولين في الصندوق، تضمنت جوانب متعددة”.
ولفتت إلى أن القاهرة “طلبت إعادة هيكلة ما تبقى من القرض القديم المقدر بـنحو 12 مليار دولار، وتمديده بعد زيادة قيمة الفوائد المستحقة عليه، وهو الأمر الذي لم يُحسم من جانب إدارة الصندوق بعد”، مضيفة أن إدارة الصندوق “اعتبرت أن ذلك يعد مؤشراً سلبياً قبل بدء الحديث عن البرنامج الجديد”.
ووافق المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي، في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، على قرض بقيمة 12 مليار دولار على 3 سنوات، لدعم برنامج الإصلاح الاقتصادي للحكومة المصرية.
وتضمّن البرنامج الخاص بالقرض التزامات على القاهرة، منها تخفيض الدعم الحكومي على عدد من الخدمات المقدمة للمواطنين، وكذلك البدء في إعداد خطة شاملة لإلغاء الدعم عن الوقود، وهي الإجراءات التي تسبّبت في موجة غلاء كبيرة ضربت الأسواق المصرية منذ بدء تنفيذ البرنامج.
وكشفت المصادر أن الوزيرة المصرية فاجأت المسؤولين بالصندوق بشأن تصور مصر لمبلغ القرض الجديد، بعدما أكدت أن القاهرة ترغب في الحصول على 20 مليار دولار ضمن برنامج جديد، مع تعهدها بتنفيذ كافة ملاحظات الصندوق الخاصة بأي إصلاحات اقتصادية يتم طرحها.
ووفقاً للمصادر، فإن المسؤولين في الصندوق أبلغوا الوزيرة باستحالة تقديم مبلغ عشرين مليار دولار، مؤكدين أنه لا يمكن بأي حال تنفيذ هذا المقترح لاعتبارات سياسية واقتصادية كثيرة.
وأوضحت المصادر أن المسؤولين في صندوق النقد الدولي “أكدوا للوزيرة المصرية أن الدراسات الخاصة بهم، التي أجريت حول المطلب المصري المقدم منذ أشهر عدة للحصول على برنامج إصلاح اقتصادي جديد، تتراوح تصوراتها بين ثمانية إلى عشرة مليارات دولار، وهو التصور الذي قالت عنه الوزيرة إنه لا يلبي التطلعات المصرية، والالتزامات التي تفرضها المرحلة الراهنة، وطبيعة الأزمة التي تمر بها القاهرة في الوقت الحالي”.
وأشارت المصادر إلى أنه بعد إطلاع المشاط القيادة السياسية على تفاصيل المحادثات، والتصور المقترح من الصندوق بشأن القرض الجديد، وما دار من نقاشات في هذا الشأن، طُلب منها العودة مجدداً بمقترح بألا يقل القرض الجديد عن قيمة القرض السابق المقدر بـ12 مليار دولار.
وبحسب المصادر، “تفضّل مصر الاقتراض من صندوق النقد الدولي دون غيره من المؤسسات، بحكم انخفاض قيمة فوائده على القروض نسبياً”.
لكن المصادر أشارت، في الوقت ذاته، إلى أن القرض الجديد “قد يكون غير ميسّر، نظراً لضخامة مديونية مصر للصندوق، إذ قد يصل سعر الفائدة عليه إلى 4 في المائة سنوياً، وهو يزيد 5 مرات تقريباً عن سعر الفائدة الأساسي على قروض الصندوق، وعن سعر الفائدة الذي قال وزير المالية محمد معيط إن مصر حصلت عليه في سندات الساموراي اليابانية بـ0.85 في المائة”.
ونتيجة لتداعيات جائحة فيروس كورونا، اضطرت مصر للحصول على قرض بآلية التمويل السريع بقيمة 2.7 مليار دولار. وفي نهاية يونيو/ حزيران 2020، أقر الصندوق خطة مساعدات لمصر مدتها 12 شهراً بقيمة إجمالية بلغت 5.2 مليارات دولار، بينها مليارا دولار حصلت عليها القاهرة في الحال، وذلك لمساعدتها على مواجهة تداعيات الجائحة.
وكشفت المصادر تفاصيل اجتماع جرى بين مسؤولين سياسيين وإدارات الشركات المنفذة عدداً من المشروعات، بينها مشروع قطار “المونوريل” في العاصمة الإدارة الجديدة والقطار الكهربائي، ومن بينها شركة “أوراسكوم” المصرية للصناعات الإنشائية.
وقالت المصادر إن المسؤولين “طالبوا الشركات بدعم الدولة ومواصلة العمل في تنفيذ المشروعات، في ظل تعطل الدفعات المستحقة لها لدى الحكومة المصرية، والاتفاق على جدولتها”.
وأكدت المصادر أن “الأزمة الأكبر التي تواجه النظام حالياً لا تتمثل في استكمال المشروعات، بقدر ما تتمثل في كيفية توريد القطارات اللازمة للمشروعات والمستوردة بالكامل من الخارج”.
وبحسب المصادر، فإن “الشركات الموردة اشترطت الحصول على الدفعات المجدولة مسبقاً ضمن الاتفاق، وهو ما تجد الحكومة المصرية صعوبة في تنفيذه في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية”.
المصدر: الشادوف+العربي الجديد