وصل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان آل سعود، اليوم الأربعاء، إلى العاصمة القطرية الدوحة في أول زيارة رسمية منذ العام 2017 بعد دقائق من مغادرة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للدوحة، فيما قامت السلطات الفرنسية بإطلاق سراح مواطن سعودي بعد يوم من اعتقاله بشبهة انتمائه لمجموعة تتهمها تركيا بقتل خاشقجي .
وتأتي زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان للدوحة ضمن جولة خليجية تشمل سلطنة عمان والبحرين وقطر والإمارات والكويت.
وتُعد زيارة ولي العهد السعودي هي الأولى له بعد المصالحة الخليجية، التي حصلت خلال القمة الخليجية الـ41، في مدينة العلا السعودية، في يناير/كانون الثاني الماضي، وجرى خلالها الإعلان عن اتفاق أنهى الأزمة التي بدأت في يونيو/حزيران 2017، لتستأنف السعودية وقطر فتح المعابر بينهما ويتم استئناف تبادل الزيارات والاتصالات بين المسؤولين في البلدين.
كما تأتي الزيارة قبيل انعقاد القمة الخليجية 42، في الرياض، في 14 ديسمبر/كانون الأول الحالي، حيث تسلم أمير قطر، الأحد الماضي، رسالة خطية من العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، تضمنت دعوة الشيخ تميم بن حمد آل ثاني لحضور القمة.
وتتزامن زيارة ولي العهد السعودي للدوحة مع أخرى يجريها الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، للعاصمة القطرية، مما يطرح تساؤلات حول ما إذا كان التوقيت مقصودا لعقد لقاء بين الرجلين في الدوحة. وأفاد مسؤول تركي وآخر خليجي، مطلعان على خطط الزيارتين، أنه كانت هناك محادثات لعقد لقاء بين إردوغان والأمير محمد بن سلمان في الدوحة.
وقال المسؤول التركي، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، لوكالة رويترز للأنباء إن “الجداول (المخصصة للزيارة) لم تتوافق.. لذا يبدو أنه لن يكون هناك اجتماع شامل هذا الأسبوع”، وأضاف “لكنه من المحتمل أن يجري هذا اللقاء في موعد قريب عندما تتوافق الجداول”، مشيرا إلى “العديد من فرص التعاون” بين البلدين.
تقارب في العلاقات
من ناحيتة، أكد وزير الخارجية القطري أن زيارة الرئيس التركي وولي العهد السعودي إلى الدوحة في الفترة ذاتها، تعد محض صدفة.
السعودية، من جانبها، لم ترد على طلب رويترز التعليق.
وكانت المملكة قد فرضت، العام الماضي، “مقاطعة غير رسمية” على الواردات التركية، بعد أن ساد التوتر بين الدولتين عقب مقتل خاشقجي، لتنعكس آثار تلك القضية على التجارة بين البلدين، وفقا لرويترز.
فبعد مقتل الصحفي السعودي بإسطنبول، في أكتوبر عام 2018، قال إردوغان إن الأمر بقتله أتى “من أعلى المستويات” الحكومة السعودية، رغم أنه لم يطرح اسم ولي العهد السعودي، الذي وجهت بحقه اتهامات مباشرة بالمسؤولية عن مقتل الصحفي، والتي نفى علمه شخصيا بها، إلا أنه أعلن تحمل المسؤولية لأن الحادثة وقعت خلال حكمه.
وأشار تقييم أصدرته الاستخبارات الأميركية، في فبراير الماضي، إلى أن ولي العهد السعودي كان من أصدر الأمر بقتل خاشقجي، في حين نفت المملكة ذلك.
ورغم هذا كله، وخلال الأشهر الماضية، بدا وكأن السعودية وتركيا تحاولان تضميد العلاقة، التي تخللتها أيضا وعلى مدى سنوات اختلافات حول القضايا الإقليمية والإسلام السياسي.
كما تأتي جولة ولي العهد السعودي، بعد لقائه الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في الرياض، السبت، لتصبح تلك أول زيارة يجريها قائد غربي رفيع المستوى إلى المملكة منذ قتل خاشقجي. وقد قامت السلطات الفرنسية اليوم الأربعاء بإطلاق سراح مواطن سعودي بعد يوم من اعتقاله بشبهة انتمائه الى المجموعة التي تتهمها تركيا بقتل خاشقجي.
قال مكتب الادعاء الفرنسي إنه تم إطلاق سراح المواطن السعودي خالد العتيبي الذي ألقي القبض عليه، أمس الثلاثاء، بفرنسا للاشتباه في أنه أحد الضالعين بجريمة قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في 2018.
وقال المدعي العام الفرنسي إن “عمليات التدقيق المعمقة المتعلقة بهوية هذا الشخص أتاحت التوصل إلى أن المذكرة لا تنطبق عليه” و”قد أطلق سراحه”.
ونقلت وكالة رويترز عن مصدر أمني في وقت سابق قوله إن عملية الاعتقال جاءت بسبب تشابه في الأسماء.
وكان بيان للسفارة السعودية في فرنسا قد نفى صحة ما تداولته وسائل إعلام بشأن علاقة مواطن سعودي موقوف في باريس بقضية مقتل خاشقجي.
وقال البيان إن الموقوف لا علاقة له بالقضية، وطالب بإخلاء سبيله فورا، وأكد أن القضاء السعودي اتخذ أحكاما حيال كل من ثبتت مشاركته في قضية خاشقجي.
وكانت إذاعة فرنسا الدولية “آر.تي.إل” (RTL) أفادت أمس الثلاثاء بأنه تم توقيف خالد العتيبي الذي وصفته بأنه أحد من تشتبه تركيا بضلوعهم في عملية اغتيال خاشقجي، قبل 3 سنوات.
قطر والوساطة
ولعل تزامن الزيارة، وترجيحات أن تجمع الدوحة بالجانبين، يعيد تصريحات سابقة لقطر على لسان مطلق القحطاني، المبعوث الخاص لوزير الخارجية القطري لمكافحة الإرهاب والوساطة في تسوية المنازعات، الذي أعرب، في يناير من العام الجاري، عن استعداد بلاده للوساطة بين تركيا والسعودية، وكذلك بين الأخيرة وإيران.
وفي ندوة أقيمت في 11 يناير، بعد أيام قليلة من قمة العُلا التي أنهت الأزمة الخليجية، رداً على سؤال بشأن استعداد قطر للوساطة وتهدئة التوترات بين تركيا والسعودية، وبين الأخيرة وإيران، أجاب القحطاني: “هذا يرجع إلى مبدأ الموافقة كمبدأ أساسي في العلاقات الدولية”. وأضاف: “إذا رأت هاتان الدولتان أن يكون لدولة قطر دور في هذه الوساطة ففي الإمكان القيام بهذا”.
وتابع: “من مصلحة الجميع أن تكون هناك علاقات ودية بين هذه الدول، خاصة بين دول أساسية ورئيسية مثل المملكة العربية السعودية وتركيا وإيران”.
تقارب محدود
ورغم اللغة الدبلوماسية التصالحية والهادئة التي سادت العلاقة بين الطرفين، منذ يناير 2021، بعد إعلان المصالحة الخليجية في قمة العُلا، والتي أنهت الأزمة الخليجية بين السعودية والإمارات والبحرين ومصر من جهة، وقطر من جهة أخرى، فإن التقارب بدا بطيئاً نوعاً ما.
وكان آخر تلك الاتصالات في 2 ديسمبر الجاري، حينما جرى اتصال هاتفي بين نائب وزير الخارجية التركي ياووز سليم كيران، ونظيره السعودي وليد الخريجي.
ويأتي الاتصال بعد نحو أسبوع من لقاء جمع نائب الرئيس التركي فؤاد أقطاي ووزير التجارة السعودي ماجد القصبي، في إسطنبول.
وكان الرئيس التركي قال، أواخر نوفمبر الماضي، إن بلاده تعتزم اتخاذ خطوات لتصحيح العلاقات مع مصر والسعودية وباقي دول الخليج، على غرار ما حدث مع الإمارات.
وشهدت الشهور الأخيرة هدوءاً ملحوظاً للتوترات بين الرياض وأنقرة، فيما أكد المسؤولون الأتراك رغبتهم في إنهاء الخلافات بين الجانبين.
وسجلت العلاقات الرسمية بين المملكة العربية السعودية وتركيا مؤشرات عديدة توحي بتقارب قد يزيح الخلافات المتراكمة منذ سنوات بين البلدين، لكن عاملاً ثالثاً يتمثل بوساطة بين الطرفين قد يساعد أكثر في إنهاء تلك الخلافات، ويعيد العلاقات إلى ما كانت عليه سابقاً.
كما حرصت الرياض خلال السنوات الماضية على عدم تبني موقف رسمي معلن ضد تركيا؛ لكن تدهور العلاقات بدأ بشكل واضح في الحملات الإعلامية الموجهة ضد تركيا في وسائل الإعلام القريبة منها، وفي “المقاطعة غير الرسمية” للبضائع التركية.
بدأ التوتر بوقوف أنقرة إلى جانب الدوحة عقب أزمة الخليج، قبل أن يتصاعد بشكل أكبر مع اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده فى اسطنبول في أكتوبر من العام 2018، وصولاً إلى شن السعودية حملة غير رسمية واسعة على مقاطعة البضائع التركية.
وفي فبراير 2020، اتهم وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي، عادل الجبير، تركيا بتمويل ورعاية “المليشيات المتطرفة” في الصومال وليبيا وسوريا، كما تحركت الرياض لحجب جميع المواقع التركية في المملكة، ورداً على ذلك أعلنت أنقرة أنها ستحجب جميع المواقع السعودية والإماراتية في البلاد.
المصدر: الشادوف+وكالات أنباء +مواقع اخبارية