من (نعم تجلب النعم) على لسان البابا تواضروس لحشد تأييد المسيحيين المصريين لدستور العسكر عام 2014، الى (كفاية 10 سنين ياسيسي) على لسان الصحافي (عماد جاد) الذي يعد بمثابة متحدث أو ناطق باسم الكنيسة، تباينت العلاقة بين السيسي ونظامه من ناحية، والكنيسة الأرثوذكسية المصرية من ناحية أخرى.
ببساطة شديدة فإن المعادلة بين الجانبين تقول: الكنيسة سوف تدعم نظام العسكر الانقلابي مقابل تسهيلات إدارية ومميزات أخرى، بخلاف عدم تدخل الدولة في شؤونها الداخلية وعلى رأسها استثماراتها المالية السرية. واستمرت تلك الصيغة منذ موقف الكنيسة الداعم للانقلاب العسكري في الثالث من يوليو/تموز 2013، ثم توجيهات تواضروس بحشد الأقباط للتصويت لصالح دستور 2014، مرورا بدعوات تواضروس ودعمه المباشر لاحتشاد أقباط المهجر لاستقبال السيسي خلال زياراته السنوية لأميركا ولحضور الاجتماعات السنوية للأمم المتحدة في نيويورك.
واستفادت الكنيسة من سياسة دعم النظام العسكري الانقلابي من عدة نواح من بينها: في سبتمبر/أيلول 2016 صدر القانون رقم (80) بشأن بناء وترميم الكنائس وملحقاتها، وفي مارس/آذار 2018 بدأت تداعيات تطبيق التشريع الجديد بموافقة مجلس الوزراء على توفيق أوضاع 53 كنيسة ومبنى غير مرخصة. وفي مايو/أيار 2018 وافق مجلس الوزراء على تقنين أوضاع دفعة ثانية ضمت 103 كنائس و 64 مبنى، بإجمالي 167 كنيسة ومبنى.
واستمر الحال على هذا المنوال لدرجة أن الكنائس في مصر حاليا تعاني من ندرة عدد المترددين عليها حتى في أيام الأحاد، بينما في نفس المناطق التي تتواجد بها تلك الكنائس الفارغة تكتظ المساجد بالمصلين، وينتشر المصلون أيام الجمعة في المناطق المحيطة بالمسجد للصلاة خارجه نظرا لضيق المكان.
ويعتبر السيسي أول رئيس مصري يحضر بنفسه قداس عيد الميلاد، حيث كان رؤساء مصر السابقين يرسلون مندوبين عنهم لتهنئة الكنيسة. كذلك يعتقد القبطي وعضو مجلس الشورى السابق ممدوح رمزي أن السيسي يتجه بالبلاد إلى العلمانية، وهو ما يعتبره الأقباط مكسبا كبيرا لهم باعتبارهم الأقلية في البلاد.
لكن تصريح عماد جاد الأسبوع الماضي، كان واضحا وصريحا ومباشرا في توجيه رسالة جديدة من حيث اللغة والمضمون من الكنيسة الى السيسي شخصيا. الرسالة تقول في مضمونها الصريح المباشر بكل صراحة:
1- أيدناك ودعمناك طيلة 10 سنوات، وكده كفاية. Enough is enough !! لكن لاحظ أن الرسالة لم تقل : سوف نتوقف عن مساندتك أو دعمك، بل جاءت بصيغة مناشدة لكن واضحة وصريحة.
2- نحن أصبحنا ضدك، لكننا لسنا ضد الجيش بدليل أننا نطرح بديلا لك هو صهرك (الفريق محمود حجازي)، حيث أن ابن حجازي متزوج من بنت السيسي الصغري.
3- احتفاظ الكنيسة بشعرة معاوية مع نظام السيسي، حيث أن تأييد الفريق محمود حجازي يختلف مثلا عن تأييدها لأحمد طنطاوي أو فريد زهران، وهم يقولون انهم رغم اختلافهم مع السيسي فإنهم يؤيدون العسكر على الحكم المدني الديمقراطي في البلاد.
وهذا كلام في منتهى الخطورة من الناحية السياسية.. فماذا حدث وراء الكواليس في العلاقة التي ظن الكثيرون أنها مستقرة بين السيسي والكنيسة. اؤكد لكم أن هذا الموقف لابد وأن يكون قد جاء بناء على تطورات كثيرة داخلية وخارجية، من بينها على سبيل المثال لا الحصر: أولا: ارتباط الكنيسة بداعمي النظام الخارجيين مثل السعودية والإمارات وأوروبا وأميركا واسرائيل، والكل كليلة، وبالتالي، ربما يكون موقف الكنيسة الأخير، مجرد إشارة الى تغير مواقف الداعمين الخارجيين لنظام السيسي. ربما!
ثانيا: لا توجد معلومات تمكن الباحث أو المحلل من رسم صورة متكاملة لتلك العلاقة القلقة بين نظام السيسي والكنيسة المصرية، غير أن البعض يشير لقيام السيسي بنفسه بمضايقة الكنيسة في منطقة استثماراتها المالية حينما استحوذ جهاز «مشروعات الخدمة الوطنية» التابع لـ«القوات المسلّحة»، في خطوة مفاجئة، على حصة أقلية في مجموعة «بشاي للصلب» بإجمالي أسهم وصلت إلى نحو 24 %، في صفقة بلغت قيمتها 10 مليارات جنيه.
وجاءت تلك الخطوة خلافاً للمتفق عليه بين الحكومة المصرية و «صندوق النقد الدولي» بشأن تنفيذ عمليات خروج الجيش من عدّة قطاعات اقتصادية لاستمرار الصندوق في تقديم القروض لمصر.
ومن خلال خطوة شراء تلك الحصة في هذا الاستثمار الكبير من استثمارات الكنيسة، وكما يقول محللون،فإن الجيش (السيسي بالتحديد) استهدف حجز حصة له في ملكية أكبر شركة خاصة منتِجة للصلب في مصر والشرق الأوسط، بإنتاج سنوي يبلغ نحو 4 ملايين طن.
ويتناغم تنفيذ هذه الصفقة التي لم تأت على هوى الكنيسة المصرية مع توسّع «الجيش المصري» ممثلا في جهاز الخدمة الوطنية في الاستثمار في مشاريع الطاقة وانتاج الحديد والصلب، والذي بدأه في السنوات الأخيرة، بعدما نفّذ في السابق عملية استحواذ على شركة «السويس للصلب»، وشركة «حديد المصريين»، ليكون الجيش حاليا هو المستثمر الأكبر في قطاع الحديد والصلب في البلاد،وتهميش دور بقية المنافسين الآخرين ومن بينهم الكنيسة واستثماراتها.
المصدر: الشادوف+صحف محلية