جاءت التعديلات التي أقرها مجلس النواب المصري على قانون جهاز المخابرات العامة، متسقة مع سياسة النظام المصري التي عبّر عنها رأس النظام عبد الفتاح السيسي، في أكثر من مناسبة، والتي تتوجه نحو تحويل شركات المخابرات العامة والقوات المسلحة إلى شركات خاصة بالمعنى الحرفي، تمهيداً لطرحها للاكتتاب العام في البورصة، استجابة لضغوط غربية وأميركية على وجه الخصوص، من أجل فتح المجال أمام القطاع الخاص.
وكانت لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب المصري، في اجتماع مغلق لها، مساء الأحد، قد وافقت على مشروع قانون مقدم من الحكومة بتعديل بعض أحكام قانون جهاز المخابرات العامة رقم 100 لسنة 1971، والقانون رقم 80 لسنة 1974 في شأن بعض الأحكام الخاصة بأفراد الجهاز.
وقال مصدر مطلع في اللجنة لـصحيفة “العربي الجديد”، إن مشروع القانون يقضي بمنح العاملين في جهاز المخابرات العامة امتيازات مالية جديدة؛ تقديراً لدورهم الهام في حماية مقدرات الوطن، مشيراً إلى أنه نص كذلك على مد الخدمة للعاملين في الجهاز بعد بلوغ سن التقاعد، في ضوء الحاجة إلى بعض الخبرات التي يتعذر الاستغناء عنها.
كما نص تعديل القانون على عدم سقوط الحق في المعاش أو المكافأة لأحد أفراد الجهاز عند الإحالة للمعاش، وتسوية المعاش أو المكافأة على أساس آخر مرتب تقاضاه. ومنح الفرد الذي تنتهي خدمته -لسبب لا يمس شخصه أو تصرفاته- أقصى معاش للمرتب، بشرط أن يكون أمضى المدة التي تكسبه حقاً في المعاش، وأن يكون منها خمس سنوات خدمة فعلية في المخابرات العامة.
والمخابرات العامة هي هيئة مستقلة تتبع رئيس الجمهورية في مصر، وتتكون من رئيس بدرجة وزير، ونائب رئيس بدرجة نائب وزير، وعدد كاف من الوكلاء، والأفراد؛ وتختص بالمحافظة على سلامة وأمن الدولة، وحفظ نظامها السياسي بوضع السياسة العامة للأمن، وجمع الأخبار، وفحصها، وتوزيع المعلومات المتعلقة بسلامة الدولة، وأي عمل إضافي يعهد به إليها رئيس الجمهورية أو مجلس الدفاع الوطني، ويكون متعلقاً بسلامة البلاد.
وفي 28 يونيو/حزيران 2018، عين الرئيس عبد الفتاح السيسي مدير مكتبه، اللواء عباس كامل، رئيساً لجهاز المخابرات العامة، إثر عزل القائم بأعمال رئيس الجهاز، اللواء خالد فوزي، على خلفية تسريب محادثات صوتية لأحد ضباط جهاز المخابرات الحربية، خلال إعطائه توجيهات لعدد من الإعلاميين والفنانات، تخص تناولهم قرارات وتوجهات القيادة المصرية الحالية؛ في إطار الصراع بين الأجهزة السيادية في مصر.
وكانت مسألة فتح المجال أمام القطاع الخاص محور حديث أخيراً لرجل الأعمال المصري نجيب ساويرس، والذي يوصف بأنه ممثل النظام الرأسمالي العالمي في مصر، عندما انتقد في تصريحات “سيطرة الجيش على القطاع الاقتصادي”، وهي التصريحات التي رحب بها بعد ذلك السيسي، واعتبرها “نابعة من مصلحة وطنية”.
وعلى الرغم من أن الهدف الظاهر لتلك التعديلات، هو الإيحاء بفتح السوق أمام القطاع الخاص، للمشاركة في “بيزنس” المخابرات والجيش، إلا أن الحقيقة، بحسب ما وصفته مصادر خاصة، تحدثت لـ”العربي الجديد”، هي أن “التعديلات تكرّس سيطرة الجهتين على الاقتصاد المصري، وهي مجرد محاولة لتجميل وجه النظام في ظل الضغوط الغربية، التي تسعى لمنع احتكار الدولة للأنشطة الاقتصادية”.
وبعد موافقة مجلس النواب المصري في جلسته العامة أول من أمس، على مشروع القانون المقدم من الحكومة بتعديل بعض أحكام قانون جهاز المخابرات العامة رقم 100 لسنة 1971، والقانون رقم 80 لسنة 1974 في شأن بعض الأحكام الخاصة بأفراد الجهاز، يصبح المشروع الآن لدى السيسي، الذي من المقرر أن يقوم بإصداره كقانون يُعمل به في اليوم التالي من نشر القرار في الجريدة الرسمية.
ولم توزع الأمانة العامة لمجلس النواب، تقرير لجنة الدفاع والأمن القومي حول مشروع القانون، على جميع الأعضاء، حتى يطلعوا على ما ورد فيه من مواد، ويتقدموا باقتراحات أو تعديلات بشأنها مثل أي تشريع آخر، وذلك في مخالفة صارخة للائحة مجلس النواب. وبالتالي يصبح الكثير من بنود هذا التعديل غير معروفة حتى الآن.
إلا أن ما رشح من خلال تقرير اللجنة التي اكتفى رئيسها اللواء المتقاعد بالقوات المسلحة أحمد العوضي، بتلاوة ملخصه أمام النواب، يفيد بمنح التعديل جهاز المخابرات العامة الحق في تأسيس الشركات بجميع أنواعها، أو المساهمة في شركات قائمة أو مستحدثة، فضلاً عن تولي أفراد الجهاز مناصب أعضاء ورؤساء مجالس الإدارة في الشركات المختلفة، بعد موافقة رئيس الجهاز.
كما شدد التعديل العقوبة لكل من ينتحل صفة عمل رجل المخابرات، بالإضافة إلى إقرار امتيازات مالية جديدة للعاملين في الجهاز، ومد الخدمة لهم بعد بلوغ سن التقاعد، بذريعة الحاجة إلى بعض الخبرات التي يتعذر الاستغناء عنها.
وقالت المصادر الخاصة التي تحدثت لـ”العربي الجديد”، إنه بحسب ما هو معروف عن أنشطة جهاز المخابرات العامة في مصر، فإن تعديل قانون الجهاز، لن يخلق واقعاً جديداً، لكنه فقط سيقنن ما هو قائم بالفعل.
وأوضحت أن الجهاز يستحوذ فعلياً على عدد من الشركات والمؤسسات المالية الكبرى في مصر، ولعل أبرزها مجموعة “إيغل كابيتال للاستثمارات المالية”، التي تمتلك بدورها “الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية”، المهيمنة حالياً على أغلب وسائل الإعلام المصرية.
وتمتلك المخابرات العامة المصرية من خلال ما يسمى “المجموعة الاقتصادية” في الجهاز، العديد من الشركات العاملة في السوق المصرية، مثل شركة “النيل” للمقاولات وغيرها من شركات التسويق العقاري.
بالإضافة إلى شركات جديدة مستحدثة مثل مصنع المستنسخات الأثرية بمدينة العبور، والذي يعد الأول من نوعه في مصر والشرق الأوسط، وشركة “كنوز مصر للنماذج الأثرية”.
وأشارت المصادر إلى أن “المجموعة الاقتصادية التابعة لجهاز المخابرات العامة، كانت تقوم بإنشاء مثل هذه الشركات عبر استخدام أسماء مستعارة لضباط الجهاز للتحايل على القانون، وعادة ما كانت تحدث بعض الإشكالات في هيئة الاستثمار أو في هيئات أخرى مثل التأمينات الاجتماعية، عند تسجيل أحد أفراد الجهاز من دون استيفاء جميع الأوراق اللازمة”.
وأوضحت “لكن مع صدور التعديلات الجديدة على قانون الجهاز والقانون الخاص بأفراده، ستكون العملية أسهل بكثير”.
وأشارت المصادر إلى أن جهاز المخابرات كان يقوم أيضاً باستخدام شخصيات مدنية من خارج الجهاز في تأسيس شركات، مثل رجل الأعمال السيناوي، إبراهيم العرجاني، رئيس مجلس إدارة شركة “أبناء سيناء” للمقاولات.
وتستحوذ هذه الشركة على جميع مقاولات إعادة الإعمار بقطاع غزة، ولكن في الفترة الأخيرة، تسببت الشركة ورئيسها العرجاني، في الكثير من الجدل، لا سيما مع احتكارها الكثير من الأعمال، والهجوم عليها من قبل محسوبون على أجهزة أمنية أخرى، مثل النائب محمد أنور عصمت السادات، رئيس حزب “الإصلاح والتنمية”.
وفي السياق، كشفت المصادر الخاصة لـ”العربي الجديد”، عن أن الأعمال التي قامت بتنفيذها شركة “أبناء سيناء” المملوكة لجهاز المخابرات العامة، والتي يديرها العرجاني بالنيابة، شابها بعض المخالفات المالية.
وأشارت إلى أن هذه المخالفات تتعزز في ظل حقيقة أن الأموال التي تصل إلى الشركة لاستخدامها في إعادة الإعمار بغزة، إضافة لتمويل مشروعات أخرى، مثل إنشاء “كومباوند فاخر” في منطقة التجمع الخامس، متاخم لـ”كومباوند ضباط المخابرات العامة” (الديار)، والتي يكون مصدرها عادة الدول الخليجية ومنح إعادة الإعمار، تصل عبر شبكة معقدة جداً من القنوات، هدفها الأساسي إخفاء مصادر التمويل لأسباب سياسية معروفة، مثل عدم رغبة دول خليجية كالسعودية والإمارات في الظهور كممول لحركة حماس الفلسطينية بقطاع غزة.
وأوضحت المصادر أن “تعديل القانون والسماح لجهاز المخابرات العامة وضباطه، برئاسة مثل هذه الشركات، وتأسيسها وإدارتها، من شأنه أن يضبط هذه العملية، لكنه في الوقت ذاته سيكرس سيطرة المخابرات العامة والقوات المسلحة على الأنشطة الاقتصادية الكبرى في مصر”.
إذ لفتت المصادر إلى أن المادة 77 من قانون المخابرات العامة تنص على أن “تدرج ميزانية المخابرات العامة كمبلغ إجمالي في ميزانية وزارة الحربية أو القوات المسلحة، على أن يتم التصرف فيها من دون الرجوع إلى السلطات المالية بهاتين الجهتين”.
وأضافت المصادر أن “تعديلات القانون الجديدة، ستعطي أفضلية لشركات المخابرات العامة، على باقي شركات القطاع الخاص، لتجعل المنافسة غير عادلة، لا سيما مع وجود قوانين تسمح بمنح الأعمال الحكومية بالأمر المباشر للشركات، والتي بالطبع تكون من نصيب شركات المخابرات والقوات المسلحة”.
وتابعت: هذا بالإضافة إلى أن قانون المخابرات الأصلي قبل تعديله، ينص في المادة 79 منه على أن “تعفى المخابرات العامة من أداء الضرائب والرسوم الجمركية على الأصناف اللازمة لأعمالها التي تستوردها من الخارج”، وبالتالي ستتمتع جميع شركات المخابرات بالإعفاءات الضريبية والجمركية، عكس باقي الشركات التي تجبر على دفع أموال طائلة لكلتا الجهتين.
وتمتلك المخابرات العامة بالإضافة إلى شركات المقاولات والتسويق العقاري ومستنسخات الآثار، والأجهزة الإلكترونية واللاسلكية وغيرها، شركة “المجموعة المتحدة للخدمات الإعلامية” المالكة للعديد من الصحف الرئيسية والقنوات التلفزيونية.
كما تمتلك شركة “بريزنتيشن سبورتس” المحتكرة للأنشطة الرياضية الكبرى، وشركة “استادات” التي تتولى ملف تطوير الملاعب المصرية، علاوة على مجموعة شركات متخصصة في الدعاية والإعلان.
المصدر: الشادوف+صحف مصرية