فيما اعتبره مراقبون بمثابة شرارة واضحة لاندلاع حرب أهلية مجددا في لبنان، لقي خمسة أشخاص بينهم ثلاثة عناصر من حزب الله مصرعهم ، في منطقة خلدة جنوب العاصمة اللبنانية بيروت اليوم الأحد، في “كمين” استهدف مشاركين في تشييع عنصر حزبي (شيعي ) قتل يوم أمس السبت على خلفية ثأرية تعود للعام الماضي.
واندلعت إثر ذلك اشتباكات بين مؤيدي حزب الله وسكان المنطقة من العشائر العربية السنية، تسببت في سقوط عدد من الجرحى، وفق ما أفاد مصدر أمني لبناني، في وقت أعلن الجيش اللبناني أن وحداته المنتشرة في منطقة خلدة جنوب بيروت ستقوم “بإطلاق النار باتجاه أي مسلح يتواجد على الطرقات في تلك المنطقة”.
وفي وقت سابق، قال مصدر رفيع بجماعة حزب الله اللبنانية إن ثلاثة أشخاص قتلوا اليوم الأحد في كمين استهدف معزين شيعة في بلدة خلدة جنوب بيروت، وذلك بعد يوم من مقتل عضو بالجماعة.
وقتل الثلاثة رميا بالرصاص في بلدة خلدة التي شهدت اندلاع حوادث طائفية على مدى فترة طويلة بين سكانها من الشيعة والسنة.
وقال شهود عيان إن “الاشتباكات لا تزال مستمرة وتستخدم فيها أسلحة رشاشة وقذائف صاروخية”، فيما يعمل الجيش اللبناني على احتواء الوضع لمنع تفاقم الاقتتال.
واندلعت المواجهات على خلفية عملية قتل “ثأرية” طالت أحد الأشخاص المقربين من “حزب الله” ليل السبت/الأحد في أحد المنتجعات بجنوب العاصمة، وفق شهود عيان، وذلك بعد نحو عام من سقوط قتيل من “العشائر العربية” خلال مواجهات مماثلة وقعت في خلدة.
وقال السياسي المصري أحمد حسن الشرقاوي، رئيس الحزب الشعبي الديمقراطي المصري المعارض، إن ما يحدث حاليا فى جنوب بيروت يشبه الى حد التطابق نفس السيناريو الذي أدى لاشتعال الحرب الأهلية اللبنانية الأولى فى العام 1975 والتي استمرت 15 عاما وحصدت أرواح أكثر من 150 ألف لبناني.
وأضاف أن ما يحدث حاليا لا يعدو كونه تغييراََ فى لافتات المتصارعين، بدلا من المسيحيين والمسلمين، صارت بين السنة والشيعة، ومن المرجح تماما أن يؤدي استمرار الأوضاع الى انحياز المسيحيين الى أحد الأطراف المتقاتلة وتشكيل جبهات متصارعة يتم من خلالها العودة للقتل على الهوية وتدمير ما تبقى من لبنان خدمة للمشروع الصهيوني وبأيدي اللبنانيين أنفسهم وبتواطؤ من جهات عربية تتلكأ في تقديم الدعم الاقتصادي والسياسي للبنان.
تجدر الإشارة الى أن الشرارة الحقيقية للحرب الأهلية اللبنانية اندلعت يوم 13 أبريل/نيسان 1975 عندما قام مجهولون -في حادث غامض- بإطلاق نار أودى بحياة عنصرين من الكتائب ( مسيحيون ) في عين الرمانة بضواحي بيروت، كان أحدهما يعمل مرافقا لرئيس الحزب بيار جميل.
وردا على ذلك، قامت مليشيات حزب الكتائب بإطلاق النار على حافلة كانت تقل فلسطينيين ( مسلمون سنة ) أثناء عودتهم إلى مخيم تل الزعتر من مهرجان سياسي في مخيم شاتيلا غربي بيروت، أقامته الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين-القيادة العامة، ما أدى إلى مقتل 27 فلسطينيا من ركاب الحافلة.
ومع انتشار هذا الخبر الذي عُرف بـ”حادثة البوسطة”، اندلعت الاشتباكات بين الميليشيات الفلسطينية (المسلمة ) والكتائبية (المسيحية) في أنحاء المدينة.
وفي 6 ديسمبر/كانون الأول، عُثر على أربعة جثامين لأعضاء من حزب الكتائب في بيروت، فقامت المليشيات المسيحية بقتل المئات من الفلسطينيين واللبنانيين المسلمين بناء على بطاقات الهوية (التي كانت آنذاك تُدّون مذهب حاملها) فيما عرف لاحقا بـ”السبت الأسود”.
وفي 18 يناير/كانون الثاني 1976، قامت الميليشيات المسيحية باقتحام منطقة الكرنتينا ذات الأغلبية المسلمة -وكان يسكنها أكراد وسوريون وفلسطينيون- فقتلت حوالي 1500 منهم، وردت المليشيات الفلسطينية بقتل مئات المسيحيين في منطقة الدامور.
أدت هاتان الحادثتان إلى هجرة جماعية للمسلمين والمسيحيين. وانقسمت بيروت إلى منطقتين عرفتا بـ”المنطقة الشرقية” وأغلب سكانها مسيحيون لكنها محاطة بمخيمات الفلسطينيين، و”المنطقة الغربية” التي كانت مختلطة لكن أكثرية أهلها مسلمون، وسُمي الخط الفاصل بين المنطقتين “الخط الأخضر”.
وفي يونيو/حزيران 1976، طالب الرئيس اللبناني سليمان فرنجية سوريا بالتدخل لحماية المسيحيين. فدخلت القوات السورية ومكّنت المليشيات المسيحية من اقتحام دفاعات مخيم تل الزعتر وقتلت أعدادا كبيرة من الفلسطينيين، مما أثار غضب العالم العربي ضد سوريا.
وفي أكتوبر/تشرين الأول وافقت سوريا على اقتراح قمة جامعة الدول العربية في الرياض بإعطائها حق الاحتفاظ بـ40 ألف جندي على الأراضي اللبنانية باسم “قوات الردع العربية”، وكانت مهمتها فك الاشتباكات واسترجاع الأمن.
خلال هذه الفترة نجحت سوريا في إرساء تحالف بين الأحزاب والتيارات المسيحية اليمينية بقيادة بشير الجميل واستمرت الاشتباكات.
وفي 14 مارس/آذار 1978 غزت القوات الإسرائيلية ما يقارب 10% من جنوب لبنان حتى نهر الليطاني بحجة إزالة قواعد منظمة التحرير الفلسطينية، وإنشاء منطقة عازلة بعرض عشرة كيلومترات داخل الأراضي اللبنانية، وذلك في أعقاب العملية التي نفذتها المناضلة الفلسطينية دلال المغربي يوم 11 مارس/آذار على حافلتين إسرائيليتين قرب تل أبيب، مما أسفر عن مقتل 37 إسرائيليا.
وفي 19 من الشهر نفسه، أصدر مجلس الأمن القرار رقم 425 الذي طالب فيه إسرائيل بالانسحاب من لبنان، وأنشأ بموجبه قوات اليونيفيل المنوط بها حفظ الأمن في الجنوب. وبحلول مايو/أيار انسحبت إسرائيل من جنوب لبنان باستثناء “منطقة أمنية” تراوح عرضها ما بين أربعة كيلومترات و12 كيلومترا على طول الحدود الجنوبية.
وفي 13 يونيو/حزيران 1978 وعلى إثر مقتل عضو بارز في حزب الكتائب على أيدي قوات المردة، أرسل بشير الجميل قواته بقيادة سمير جعجع لاختطاف طوني فرنجية قائد مليشيات المردة وابن الرئيس سليمان فرنجية لإجباره على تسليم المسؤولين عن مقتل العضو الكتائبي.
إلا أن العملية انتهت بمقتل طوني فرنجية وعائلته ومقاتليه فيما عُرف بـ”مجزرة أهدن”. وعلى إثرها أنهى سليمان فرنجية ارتباط المردة بالجبهة اللبنانية.
وفي 7 يوليو/تموز 1980، أرسل الجميّل أيضا قواته للقضاء على مليشيا نمور الأحرار بقيادة داني شمعون فوقعت “مجزرة الصفرا” وهرب شمعون إلى بيروت الغربية.
أصبح بشير الجميّل المسيطر الوحيد على بيروت الشرقية، فاندلعت المعارك بينه وبين القوات السورية فيما عُرف بـ”حرب المائة يوم”، وخلالها استغاث الجميّل بإسرائيل التي أرسلت طائراتها الحربية وأسقطت مروحيتين سوريتين.
في يناير/كانون الثاني 1982، قابل بشير الجميل وزير الدفاع الإسرائيلي أرييل شارون على متن سفينة قبالة السواحل اللبنانية، وناقشا خطة تقضي بمحاصرة القوات الإسرائيلية لبيروت الغربية وقيام مليشيات القوات اللبنانية باقتحامها والقضاء على منظمة التحرير الفلسطينية.
وفي 3 يونيو/حزيران قامت منظمة أبو نضال (المنشقة عن حركة فتح الفلسطينية) بمحاولة اغتيال السفير الإسرائيلي في لندن، فاتخذت إسرائيل من العملية ذريعة لاجتياح لبنان، وبدأت بقصف مواقع تابعة لمنظمة التحرير ببيروت ما أدى إلى مقتل 100 فلسطيني.
ردت فتح بإطلاق الصواريخ من جنوب لبنان على شمال إسرائيل، وفي 6 يونيو/حزيران بدأت إسرائيل بالغزو البري للمناطق الجنوبية اللبنانية، وبحلول 15 يونيو/حزيران وصلت قوّاتها إلى بيروت.
وفي 12 أغسطس/آب من العام نفسه نجح فيليب حبيب مبعوث الولايات المتحدة إلى المنطقة في إبرام هدنة تقضي بخروج منظمة التحرير من لبنان وانسحاب القوات الإسرائيلية.
وفي 23 أغسطس/آب انتُخِب بشير الجميل رئيسا للجمهورية تحت الاحتلال الإسرائيلي. وفي 11 سبتمبر/أيلول قابل الجميل رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغين في إسرائيل ووعده باتخاذ خطوات لبدء علاقات دبلوماسية بين لبنان وإسرائيل.
وقبل أيام من الموعد المحدد لتسلمه الرئاسة، اغتيل الجميل في 24 سبتمبر/سبتمبر 1982؛ فاقتحمت القوات اللبنانية مُخيّميْ صبرا وشاتيلا وقتلت ما يقارب 3500 فلسطيني بمساعدة الجيش الإسرائيلي.
وفي 22 سبتمبر/أيلول انتخب البرلمان أمين الجميل خلفا لأخيه في رئاسة الجمهورية. وفي 17 مايو/أيار 1983 وقع الجميّل وإسرائيل اتفاقا ينص على انسحاب القوات الإسرائيلية من لبنان بشرط انسحاب القوات السورية.
ونص الاتفاق على أن “حالة الحرب بين لبنان وإسرائيل قد انتهت ولم يعد لها وجود”، لكن هذا الاتفاق سقط بتمرد عسكري وشعبي رافض لما سُمي بـ”اتفاق العار والمذلّة”.
وفي أغسطس/آب 1983 انسحبت إسرائيل من جبل الشوف، واندلعت معارك دامية بين المسيحيين والدروز انتهت بانسحاب المقاتلين المسحيين إلى بيروت الشرقية. وخلال 1983-1984 استهدِفت المصالح الأميركية في لبنان، وقُتل نحو 350 جنديا أميركيا في تفجيرات مختلفة.
وبانسحاب القوات المتعددة الجنسيات من لبنان، سيطرت حركة أمل الشيعية على بيروت الغربية، ففي أبريل/نيسان 1985 هاجمت حركة “أفواج المقاومة اللبنانية” (أمل) والحزب التقدمي الاشتراكي الدرزي -بدعم من سوريا- القوى السنية القريبة من الفلسطينيين (تنظيم المرابطون).
وفي مايو/أيار هاجمت حركة أمل الفلسطينيين في مخيميْ صبرا وشاتيلا وبرج البراجنة، فاشتعلت “حرب المخيمات” ما بين 1985-1986.
في تلك الفترة برز حزب الله كحركة مقاومة مسلحة في وجه الاحتلال الإسرائيلي بالجنوب اللبناني، وتبنى فكر الثورة الإسلامية في إيران التي وصلت إلى السلطة مطلع 1979، وحصل منذ بداياته على دعم حرس الثورة الإيرانية.
وعند انتهاء ولاية الرئيس أمين الجميل في 22 سبتمبر/أيلول 1988، انقسمت السلطة التنفيذية إلى حكومتين: أولى برئاسة سليم الحص (رئيس الوزراء) وثانية برئاسة ميشال عون (قائد الجيش). وتدهورت الأوضاع إثر إعلان عون بداية “حرب التحرير” ضد الوجود السوري في لبنان.
وعلى إثر ذلك عُقد مؤتمر قمة عربي غير عادي في مدينة الدار البيضاء بالمغرب في 23 مايو/أيار 1989، وكان من أبرز نتائجه تشكيل لجنة ثلاثية (المغرب والسعودية والجزائر) دعت إلى عقد مؤتمر بمدينة الطائف السعودية لإعداد ومناقشة وثيقة الوفاق الوطني اللبناني.
عقد المؤتمر في 30 سبتمبر/أيلول بحضور 62 نائبا لبنانيا يُمثلون الأحزاب الرئيسية المُتقاتلة: حركة أمل، والحزب التقدّمي الاشتراكي، والقوات اللبنانية، وحزب الكتائب.
ووقّع المجتمعون على وثيقة اتفاق الطائف التي أنهت الحرب الأهلية اللبنانية، وانتخب مجلس النواب رينيه معوّض رئيسا للجمهورية. لكن عون رفض الاعتراف بمعوّض ورفض التوقيع على اتفاق الطائف، معترضا على إبقاء الجيش السوري في الأراضي اللبنانية.
وفي 22 نوفمبر/تشرين الثاني اغتيل معوض وخلفه إلياس الهراوي، ورفض ميشال عون أيضا الاعتراف بإلياس الهراوي، فتم إقصاء عون من قصر بعبدا الرئاسي وأُعدم المئات من أنصاره عام 1990 في عملية لبنانية سورية مشتركة لجأ عقبها إلى السفارة الفرنسية ومنها توجه إلى منفاه في باريس.
وفي مارس/آذار 1991 صدر قانون العفو عن كل الجرائم التي حصلت منذ 1975.
المصدر: الشادوف+وكالات