بالتزامن مع حادث قناة السويس الذي أدى إلى إغلاق واحدة من أهم قنوات التجارة العالمية، أقرت الحكومة التركية، السبت، خطط شق “قناة إسطنبول” وهو مشروع ضخم لشق قناة مائية تربط بحر مرمرة بالبحر الأسود على موازاة مضيق البوسفور الذي يعتبر أيضاً أحد أهم ممرات التجارة البحرية العالمية.
ورغم المعارضة الشديدة داخلياً لمشروع “قناة إسطنبول” لأسباب سياسية واقتصادية وبيئية، إلا أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يصر على القيام بالمشروع الذي يقول إن من أبرز مبرراته حماية مضيق البوسفور من المخاطر البيئية وخطر الحوادث بالإضافة إلى تعزيز وتأمين طرق التجارة العالمية في حال حصول حوادث مشابهة.
وعلى الرغم من أن الإعلان الحكومي التركي عن إقرار خطط مشروع شق القناة يخلو من أي ربط بما يجري في قناة السويس منذ أيام، إلا أن الإعلان في هذا التوقيت فهم منه على أنه بمثابة رسالة بأهمية مشروع القناة ورسالة للمعارضين للمشروع بأن التطورات التي تجري في المنطقة تؤكد أهمية الإسراع في المشروع الذي يلقى معارضة واسعة من المعارضة التركية لأسباب مختلفة.
وقال وزير البيئة التركي مراد قوروم، السبت، إن تركيا وافقت على خطط تطوير قناة إسطنبول، وكتب الوزير على تويتر: “وافقنا على خطط تطوير مشروع قناة إسطنبول وطرحناها للتشاور العام. وسنتخذ خطوات سريعة لإثراء بلدنا ومدينتنا المقدسة بقناة إسطنبول”.
وتقول الحكومة إن قناة إسطنبول التي ستربط البحر الأسود شمالي إسطنبول ببحر مرمرة جنوباً وتبلغ تكلفة إنشائها نحو 75 مليار ليرة (9.2 مليار دولار) ستخفف حركة الملاحة في مضيق البوسفور، أحد أكثر الممرات البحرية إزدحاما في العالم، وستمنع حوادث مماثلة لتلك التي حدثت هذا الأسبوع في قناة السويس حيث يتواصل العمل لإعادة تعويم سفينة حاويات عملاقة تسد القناة.
ومراراً أكد أردوغان إصراره على تنفيذ ما يصفه بـ”مشروع العصر”، وذلك على الرغم من الصعوبات الاقتصادية التي تمر بها البلاد، ومعارضة رئيس البلدية أكرم إمام أوغلو، الذي هاجمه أردوغان بقوة، واعداً بتنفيذ المشروع رغم معارضة إمام أوغلو وزعماء أحزاب المعارضة المختلفة.
وأعلن أردوغان عن المشروع أول مرة عام 2011، إلا أنه بقي في إطار الدراسات ووضع الخطط التي تغيرت مراراً نتيجة الحديث عن الآثار البيئية للمشروع ووجود معارضة من أطراف مختلفة له، لكن أردوغان أصر على المشروع باعتبار مكسب استراتيجي سوف يحقق نقلة مهمة للبلاد سياسياً واقتصادياً وسياحياً وحتى بيئياً.
واعتبر الرئيس التركي أن المشروع الذي يمتد على طول 45 كيلومتر “سيساعد في حماية مضيق البوسفور من كوارث خطيرة للغاية”. وفي تصريح مطابق، شدد وزير المواصلات والبنية التحتية التركي على أن قناة إسطنبول المائية، مشروع حضاري يحمي مستقبل مضيق البوسفور من حوادث الملاحة البحرية، في تركيز لافت على ملف “حماية البيئة” الذي تحاول من خلاله منظمات تركية ودولية الاعتراض على المشروع، حيث أن من شأن القناة الجديدة أن تخفيف حركة السفن في مضيق البوسفور، وتقلل نسب التلوث فيه، وتقلل الأخطار الناجمة عن الحوادث الملاحية المحتملة.
واعتبر الوزير أن المشروع هو “مشروع العصر” بالنسبة لتركيا، مؤكداً أن القناة ستكون واحدة من أكبر المشاريع في العالم، وأضخم عمل يتم إنجازه في تاريخ الجمهورية التركية، على حد تعبيره.
وتعول تركيا على الأهمية الاقتصادية للقناة، مع تزايد التجارة البحرية الدولية، حيث أوضح وزير المواصلات التركي أن المتوسط السنوي لحركة مرور السفن في مضيق البوسفور يتراوح بين 40 و42 ألف سفينة، علمًا أن طاقة المضيق الاستيعابية تبلغ 25 ألف سفينة سنويًا فقط.
وقال: “السفن التي تستخدم مضيق البوسفور الإنتظار لمدة أسبوع تقريبًا، وهذا الإنتظار في الواقع مكلف بالنسبة للسفن وفرق ضمان سلامة الملاحة البحرية”، محذراً من أن كمية البضائع الخطيرة التي تمر عبر مضيق البوسفور، خاصة النفط، تجاوزت 150 مليون طن سنويا.
وبعدما وضعت العديد من الخطط والسيناريوهات، وقع الاختيار على ممر بطول 45 كيلومتر يبدأ من منطقة “كوجك جكمجة” ويمر من “صازلي دره” ويصل إلى “دوروصو” في الشطر الأوروبي بإسطنبول حيث يمر بالقرب من مطار إسطنبول الجديد الذي يعتبر باكورة مشاريع أردوغان الكبرى والتي حافظ من خلالها على نجاحه في مجال الخدمات بالبلاد ويهدف إلى الحفاظ عليه من أجل الحفاظ على مكانته في الانتخابات المقبلة.
وبحسب تفاصيلها نشرتها صحيفة صباح التركية سابقاً عن مخطط المشروع من المتوقع أن تصل تكاليفه إلى 65 مليار ليرة تركية (قرابة 17 مليار دولار أمريكي) وسيعمل فيه خلال مرحلة الإنشاء 6000 شخص، وقرابة 1500 في مرحلة التشغيل. وسيتم إنشاء ميناء ومركز خدمات لوجستية على ضفتي القناة على البحر الأسود وبحر مرمرة.
ويقول خبراء ملاحة وحقوقيون إن المعضلة الأساسية التي تعاني منها تركيا هي القيود التي ما زالت مفروضة عليها بموجب اتفاقية “مونتيرو” التي وقعت عام 1936 وتهدف إلى تنظيم حركة السفن في أوقات السلم والحرب عبر البحر الأسود، بما يشمل المضائق التركية وخاصة مضيق البوسفور. فقد أجبرت تركيا بموجب هذه الاتفاقية على عدم الحصول على رسوم مجزية عن مرور السفن عبر البوسفور باعتباره مضيقا عالميا. لذلك تفرض تركيا رسوماً رمزية مقابل “تنظيم مرور السفن من المضيق”.
ومضيق البوسفور طوله 29.9 كم، وتتمثل أهميته بأنه يمتد من البحر الأسود إلى بحر مرمرة، ويعد واحد من أبرز ممرات الملاحة البحرية في العالم. أما مضيق الدردنيل فهو ممر مائي تركي يربط بين بحري إيجه ومرمرة، ويعتبر أحد الممرات الاستراتيجية على الضفة الشمالية الشرقية للبحر الأبيض المتوسط.
وتقول تقديرات تركية إنه إبان مناقشة اتفاقية “مونتيرو” كانت تمر عبر مضيق البوسفور 3 آلاف سفينة سنوياً فقط، في حين وصل العدد حالياً إلى متوسط 50 ألف سفينة سنوياً، ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى 65 ألف في عام 2030، وإلى 100 ألف عام 2050.
من خلال هذه الأرقام تتوقع تركيا أن تلجأ السفن التجارية إلى المرور من القناة الجديدة بدلاً من الاضطرار إلى الانتظار لعدة أيام في انتظار دورها للمرور من مضيق البوسفور، وستكون الرسوم المفروضة على المرور من القناة الجديدة أقل من مصروفات انتظار السفن. وبالتالي يتوقع اقتصاديون أن تُدر القناة الجديدة ما لا يقل عن 8 مليارات دولار سنوياً على خزينة الدولة.