أعلنت السلطات الهندية حظر تصدير القمح، اعتبارا من اليوم السبت، خوفا من تعرض أمنها الغذائي للخطر، وهو ما يلقي الضوء على أزمة بلدان أخرى على رأسها مصر، فيما حذر الخبراء من أن أزمة الخبز صناعة حكومية مصرية لو أرادت التغلب عليها فورا قامت باستلام محصول القمح المحلي بالأسعار العالمية التي تشتري بها القمح المستورد من الخارج.
وقالت الحكومة الهندية إنها حظرت صادرات القمح بأثر فوري، مع سعي ثاني أكبر منتج للقمح في العالم لتهدئة الأسعار المحلية. وأضافت الحكومة في إخطار في ساعة متأخرة من مساء الجمعة، وفقاً لوكالة “رويترز” أنه سيُسمَح بشحنات القمح بخطابات ائتمان قد صدرت بالفعل. ووفقاً للحكومة، فإن ارتفاع الأسعار العالمية للقمح يهدد الأمن الغذائي للهند والدول المجاورة والضعيفة.
كذلك عانى محصول القمح في الهند من موجة حرارة قياسية أدت إلى تعثر الإنتاج، واهتزت مخزونات القمح بسبب توزيع الحبوب مجاناً خلال الجائحة على نحو 800 مليون شخص، حيث تحتاج الحكومة إلى نحو 25 مليون طن من القمح كل عام لبرنامج شامل للرعاية الغذائية.
وعلى الرغم من أن الهند ثاني أكبر منتج للقمح في العالم، إلا أنها تستهلك معظم القمح الذي تنتجه.
وصدرت في السنة المالية 2021-2022 التي انتهت في مارس/آذارالماضي، نحو سبعة ملايين طن، لكنها حددت هدفاً لتصدير 10 ملايين طن من الحبوب في 2022-23، متطلعة إلى الاستفادة من الاضطرابات العالمية في إمدادات القمح من الحرب وإيجاد أسواق جديدة للقمح في أوروبا وأفريقيا وآسيا.
وأعلنت مصر يوم 18 ابريل الماضي اعتزامها استيراد القمح الهندي للمرة الأولى في تاريخها بعد اعتماد دائرة الحجر الزراعي بوزارة الزراعة المصرية دولة الهند كمنشأ جديد للاستيراد، وذلك لأول مرة.
وقال وزير الزراعة المصري السيد القصير، إن اعتماد الهند كدولة منشأ لاستيراد القمح وفقا للتقرير الذي تلقاه من رئيس الحجر الزراعي المصري أحمد العطار. ووفقا للعطار، فإن لجنة من الحجر الزراعي المصري سافرت إلى الهند ووافقت على استيراد القمح من هناك بمعايير وشروط ومواصفات محددة، وأن اللجنة راعت معايير الصحة النباتية عند وضع الشروط والتي تؤكد خلو القمح من أية آفات زراعية قد تصيب البيئة المحلية المصرية.
ومن ناحيته، قال رئيس قسم القمح بوزارة الزراعة المصرية، رضا قمبر، إن قرار الحكومة باستيراد القمح من الهند يرجع إلى رغبتها في تنويع مصادر القمح من عدة مناشئ خارجية، وأن الهند تعد من ضمن الأربع دول الأكثر إنتاجية، لافتًا إلى أن مواصفات القمح الهندي جيدة، وسعره مناسب وأن العديد من دول شرق آسيا والخليج تعتمد عليه.
ويأتي قرار الهند بالوقف الفوري لتصدير القمح الى الخارج بمثابة ضربة جديدة لدول مستوردة له مثل مصر، وتشير بيانات مكتب الشئون الزراعية الأمريكية إلى تراجع متوقع لواردات مصر من القمح خلال الموسم التسويقى لعام 2023/2022 «يبدأ فى يوليو وينتهى فى يونيو» بنسبة % 8.3 مسجلة نحو 11 مليون طن، مقابل تنبؤ سابق للمكتب عند 12 مليون طن.
وتوقع المكتب أن يبلغ استهلاك مصر من القمح فى العام التسويقى المقبل نحو 20 مليون طن، بانخفاض نسبته اثنين و43 من مائة بالمائة عن تقديرات العام التسويقى الماضى 2022/2021 البالغة 20.5 مليون طن، مرجعا ذلك إلى تراجع فى استهلاك الغذاء، والبذور، والاستخدام الصناعي.
ويُعزى الانخفاض فى استهلاك القمح للاستخدام الصناعى إلى زيادة أسعار الخبز الأوروبي، والخبز الأبيض (غير المدعوم)، وكذلك المنتجات المخبوزة والكعك والبسكويت والرقائق والكرواسون والمعجنات.
ووفقًا للتقرير، تم تعديل استهلاك القمح فى العام التسويقى الماضى ليقل بنسبة % 2.38 عن التقدير الرسمى لوزارة الزراعة الأمريكية التى أصدرته فى وقت سابق؛ نتيجة ارتفاع أسعار الدقيق والمنتجات المخبوزة والخبز غير المدعوم.
ولفت إلى أنه فى العام المالي الماضي، خصصت الحكومة المصرية 87 مليار جنيه ( 5.5 مليار دولار) من أجل دعم الخبز والغذاء، ومن هذا المبلغ تم تخصيص ما يقرب من 51 مليار جنيه ( 3.2 مليار دولار ) لبرنامج دعم الخبز، وخصصت الحكومة 36 مليار جنيه أخرى لتوريد السلع “مثل الأرز وزيت الطهى والسكر والدجاج ولحم الأبقار”. وقال إن هذه الأرقام كانت بناءً على سعر صرف 15.75 جنيه للدولار الواحد.
وتقدر وزارة المالية تكلفة إضافية تتراوح بين 12 و15 مليار جنيه أعلى من ميزانية العام المالى الحالي؛ نتيجة ارتفاع أسعار القمح العالمية.
وحول تأثر تجارة القمح فى مصر بالصراع الروسى الأوكراني، قال مكتب الشئون الزراعية الأمريكية إنه بدءًا من الربع الأخير من العام الماضى 2021، ارتفعت أسعار القمح بمتوسط 100 دولار للطن، وهذا يعنى تكلفة إضافية على الميزانية الحكومية المخصصة لاستيراد القمح لدعم الخبز فى العام المالى الحالى المنتهى فى يونيو 2022.
وأشار إلى تصريحات رئيس الوزراء مصطفى مدبولى خلال مؤتمر صحفى عقده مؤخرًا، حول إن مصر لديها احتياطيات قمح كافية لبرنامج دعم الخبز حتى نهاية عام 2022، لافتًا إلى أن احتياطيات مصر الاستراتيجية الحالية من هذا المحصول تكفى لتغطية الأشهر الأربعة المقبلة، ومع موسم توريد القمح المحلى ستغطى مصر مخزونات تكفى لخمسة شهور أخرى.
وشدد رئيس الوزراء على أن الدولة لن تجرى أى مناقصات لشراء القمح من السوق العالمية حتى نهاية العام الحالي، واضطرت الهيئة العامة للسلع التموينية إلى إلغاء مناقصتيها الأخيرتين بسبب العروض المحدودة والأسعار المرتفعة للغاية من متداولين فرنسيين وأمريكيين. ونوه التقرير بأنه لم يعرض التجار أى قمح من البحر الأسود فى المناقصتين الأخيرتين وسط الصراع المستمر بين روسيا وأوكرانيا الذى أدى إلى إغلاق الموانئ فى أوكرانيا.
ووفقًا للتقرير؛ حصلت الهيئة العامة للسلع التموينية بالفعل على 126 ألف طن من القمح الفرنسى والرومانى فى 5 و7 مارس الماضي، وكذلك 189 ألف طن أخرى من روسيا وأوكرانيا ورومانيا (63 ألف طن من كل منهما) بنهاية مارس.
واردات القمح المحلية هي الحل
وكشف التقرير عن بلوغ واردات القمح محليًا خلال أول شهرين ونصف الشهر من العام الحالى 1.78 مليون طن، وخلال الفترة من 1-15 مارس الماضى 460.272 طن توزعت بين روسيا “181.773 طنًا”، وأوكرانيا “124.552 طنًا”، ورومانيا “91 ألف طن”، وفرنسا “63.723 طن” ، وتمت هذه التعاقدات قبل شهر من اندلاع الصراع.
وأشار التقرير إلى أن هناك 17 أصلًا معتمدًا حاليًا عند هيئة السلع التموينية للمشاركة فى مناقصاتها الدولية لهذا المحصول هى الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وكندا، وفرنسا، وأستراليا، وألمانيا، والأرجنتين، وروسيا، وأوكرانيا، ورومانيا، وبولندا، وبلغاريا، وصربيا، ولاتفيا، والمجر، وباراجواي، وكازاخستان، وتمثلت أكبر 4 مقاصد تورد قمحًا للهيئة من خلال مناقصاتها الدولية خلال السنوات الخمس الماضية هي: روسيا ورومانيا وأوكرانيا وفرنسا.
وأكد الخبير الزراعي الدكتور عبد التواب بركات أن أزمات القمح في المنطقة هي صناعة حكومية حيث ترفض الحكومات استلام القمح المنتج محليا بنفس سعر المستورد من الخارج، وقال إن تلك السياسة تمثل دعما للمزارع الأجنبي وتمثل فى الوقت نفسه إحباطا للمنتج المحلي للقمح.
واستشهد بركات بمصر والجزائر وهما من أكبر دول المنطقة التي تستورد القمح، وقال: “مصر، وهي أكبر مستورد للقمح في العالم، فرضت سعر 885 جنيهاً لشراء القمح المحلي، وزن 150 كيلوغراماً، ليكون سعر الطن 5900 جنيه، ما يعادل 321 دولاراً، وفي التوقيت نفسه اشترت شحنة قمح من فرنسا بسعر 466 دولاراً للطن، ما يعادل 8500 جنيه، بزيادة قدرها 145 دولاراً، 2668 جنيهاً، عن سعر القمح المحلي.”
الجزائر أيضا وفقا لعبد التواب، تعد خامس أكبر مستورد للقمح في العالم، فرضت سعر 5000 دينار، 35.9 دولاراً، لقنطار القمح المحلي وزن 100 كيلوغرام، ليكون سعر الطن 50000 دينار، ما يعادل 359 دولاراً، وفي التوقيت نفسه اشترت شحنة قمح من أوروبا بسعر 485 دولاراً للطن، بزيادة قدرها 126 دولاراً عن سعر القمح المحلي.
خروج الهند من قائمة موردي القمح يفاقم الأزمة
وقالت مديرية التجارة الخارجية الهندية، في إعلان نشرته في الجريدة الرسمية، الجمعة، إن ارتفاع اسعار القمح عالميا يهدد الأمن الغذائي للهند والدول المجاورة والضعيفة. وأوضحت أنها تهدف من هذا القرار الحد من ارتفاع أسعار القمح داخليا، حيث ارتفعت اسعار القمح العالمية بأكثر من 40% منذ بداية العام الجاري.
وقبل الحرب الأوكرانية الروسية، شكلت كييف وموسكو ثلث صادرات القمح والشعير العالمية، فيما تراجعت الصادرات الأوكرانية بشكل كبير بعد العملية الروسية في 24 فبراير / شباط إثر إغلاق موانئها وتدمير بنيتها التحتية المدنية وصوامع الحبوب، بحسب وكالة أسوشييتد برس. في الوقت نفسه، تعرضت محاصيل القمح في الهند لموجة حرارة قياسية أدت إلى تعطل الإنتاج.
وعلى الرغم من أنها ثاني أكبر منتج للقمح في العالم، إلا أن الهند تستهلك معظم القمح الذي تنتجه.
وبحسب صحيفة “ذا إنديان إكسبرس” الهندية، فإن قرار نيودلهي حظر تصدير القمح جاء بعد يوم من إظهار بيانات حكومية ارتفاع التضخم السنوي لأعلى مستوى له منذ 8 سنوات عند 7.79% في ابريل / نيسان وارتفاع تضخم أسعار المواد الغذائية بالتجزئة إلى 8.38%.
كان المشترون العالميون يعتمدون على الهند في الحصول على إمدادات القمح، بعد أن تراجعت الصادرات من منطقة البحر الأسود منذ غزو روسيا لأوكرانيا في أواخر فبراير/ شباط، وبالفعل صدّرت الهند 1.4 مليون طن من القمح في إبريل/ نيسان الماضي مقابل 242857 طناً فقط، في الفترة نفسها من العام الماضي، وهو ما يمثل قفزة قياسية، أدت إلى تخفيف بعض الضغط في أسواق الحبوب مع تدافع المشترين بحثاً عن بدائل لإمدادات منطقة البحر الأسود التي تضررت بشدة من الحرب في أوكرانيا.
وصدّرت الهند القمح إلى جنوب آسيا وجنوب شرق آسيا والشرق الأوسط وأوروبا وشمال أفريقيا، كذلك وافقت مصر، أكبر مستورد للقمح، للمرة الأولى على الشراء من الهند.
وقال تجار إن الهند صدّرت القمح أيضاً إلى أسواق جديدة أخرى مثل إسرائيل وتركيا وإندونيسيا وموزامبيق وتنزانيا، واستورد برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة القمح من الهند لإمداد الصومال وكينيا وجيبوتي.
وشكلت أوكرانيا وروسيا ثلث صادرات القمح والشعير العالمية، لكن منذ الغزو الروسي في 24 فبراير/ شباط، أُغلِقَت موانئ أوكرانيا ودُمرت البنية التحتية المدنية وصوامع الحبوب، وهو ما أدى إلى اضطرابات في الإمدادات الغذائية العالمية.
المصدر: الشادوف+وكالات+صحف