في سورة البقرة يوجد مشهد مهيب، إذ لما استجاب الله لبني إسرائيل وأرسل لهم طالوت ملكا، ولم يرضوه، وقالوا: (أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه)، فلما جادلوا نبيهم قال لهم نبيهم: (إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم، وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة) ولمن لا يعلم فقد كان هذا التابوت في بني إسرائيل يحفظون فيه هذه الأشياء من ميراث النبوة، ويقدسونها بشدة، ولكن أعداءهم غلبوهم عليها وأخذوه منهم بقوة السلاح، وطبعا فت هذا في عضدهم لأقصى درجة، والآن يخبرهم النبي أن آية ملك طالوت أن يأتيهم هذا التابوت وتحمله الملائكة!!
هل تتخيل جلال المشهد؟ أنا لا أدري أكانت الملائكة وقتها ظاهرة يراها القوم، أم كانت مختفية فيبدو التابوت طائرا لا يحمله أحد، وفي الحالتين فالمشهد رهيب، مشهد لا يجادل فيه أي أحد، ولكن سبحان الله انظر للتعقيب القرآني: (إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين) ما هذا؟ فماذا إن لم يكونوا مؤمنين؟ ألا تكون هذه آية!!!
سبحان الله تعالى الأعلم بما خلق، والذي يعلم كيف يجادل الناس عندما يتبعون الهوى، يعلم أنهم سيجدون ما يجحدونها به، والقياس مع الفارق لكنه ليوضح كيف يكون الإنسان عندما يتبع هواه، فرغم أني أرى أن ما حدث في جماعة الإخوان كان صحيا تماما والحمد لله، فلا أراه انشقاقا، ولكني أرى الجماعة تخففت من بعض ما أثقلها زمانا، إلا أنني لا أستطيع أن أخفي اندهاشي من تلبيس إخواننا الذين طالما صلوا معنا وقرأوا معنا القرآن ووو إلى آخره، ففي تركيا أجريت الانتخابات في نهاية 2021 بين ألف رجل من الإخوان، أكثرهم لا يعرفون بعضهم بعضا، فشعبتي أنا بها 100 رجل لا أعرفهم كلهم، وقد كان السؤال الرئيس الذي نطرحه في لقاءات التعارف على بعضنا بعضا: إن اُنتخبت يا أخ فلان، أتراك تؤيد بقاء الوضع على ما هو عليه؟ أم تنشد التغيير؟
وهكذا، وبناء عليه فعندما حدثت الانتخابات التي حضرها نحوا من 85% من الصف كانت النتيجة استبعادهم تماما (حرفيا) من قيادة مكتب تركيا، وعندها أعلنوا انشقاقهم بادعائهم عزل الأستاذ إبراهيم منير وإلغاء الانتخابات (من وجهة نظرهم طبعا) وخرجوا من الصف كانوا نحوا من 15% فقط من إخوان تركيا، وكانت واحدة من أشهر كلماتهم أننا خالفنا الشورى!!!
لأن مجلس الشورى (الذي يدعونه) لم يقر كذا ولم يعتمد كذا، وكلام عجيب، أي أخي هداك الله أي مجلس؟ وأي لائحة؟ وأي اعتماد؟ وها أنت ترى بجلاء ألف أخ في بلد يمكنهم فيها الحديث، يرفضون الدكتور محمود حسين وكل من يسير في فلكه، متخيل ألف إنسان من محافظات مختلفة ولا يعرفون بعضهم بعضا، وكلهم إخوان ويُهدر رأيهم، ومن ثم يزعم أنه يتبع الشورى!!!
أي شورى هذه؟ كيف تتجاهلنا نحن الأصلاء وتدعي أن للوكيل حق أقرب إلى الحق الإلهي؟؟؟ هل تتخيل جماعة أتوا بمحام فوكلوه عنهم ليأخذ حقهم في كذا، وأعطوه أجره كاملا وفرصته كاملة، ومن ثم عندما بدا أنه ليس فقط لم ينجح، بل بدا أنه يُضعف موقفهم أكثر، فإنهم حينئذ قرروا عزله وتوكيل محام آخر، أفترى أن له ألا ينصاع!!!
أي عجب هذا؟ يا أخي أين التجرد؟ قوم لا يريدونك، وأنت تعلم علم اليقين ذلك، فإن عزلوك قلت لا والله بل أنا أعزل كبيركم!!!
فوالله إن يكن موقف المستفيد مالا أو وجاهة مفهوما، فكيف تفهم موقف الباقين؟ لاحظ أن هؤلاء الباقين -وإن كانوا 15%- فإنهم ليسوا إلا أفاضل الناس وهم أهل الصلاة والقرآن، وما زلنا نراهم في صلاة الفجر قبل أي صلاة أخرى.
والأعجب أن قطرا آخر غير تركيا يتمتع بحرية نسبية، وبه من أعداد الإخوان ما يفوق تركيا بمراحل، بل ربما أعداد الإخوان هناك 10 أضعاف تركيا وقد تزيد، وأجريت فيه انتخابات داخلية للإخوان أيضا، فكانت النتيجة متطابقة مع نتيجة الانتخابات في تركيا، يعني نحن نتحدث عن آلاف الإخوان في أكثر من قُطر، ولاحظ أنهم لا يعرفون بعضهم بعضا، ومع ذلك تذهب أغلبيتهم إلى رأي واحد، ومن ثم تقول إن هؤلاء لا يعمل برأيهم!!!
والله لا أسأل: أي تجرد؟ وأي إخلاص هذا؟ ولكن أسأل أين الحياء يا إخوتاه؟ أرميتم جميع إخوانكم هؤلاء بالفسق مثلا، وصرتم تقولون: (لا يغرنك في طريق الباطل كثرة الهالكين) أتروننا الهلكى ومازلتم تصلون خلفنا؟ أم أن المرحلة القادمة هي ترك الصلاة خلفنا بصفتنا فسقة مجاهرين بطلب تنحية الدكتور محمود حسين؟!!
فبم يتترس إخواننا هؤلاء؟ إنهم يتترسون بما يدعونه من أن الداخل المصري معهم!!! أتعرف ما يعني هذا يعني أن (أغلبية الإخوان بالداخل معهم) وأنا والله لا أذيع سرا إذ أقول: إنه لم تعد تُعقد في القرية الظالم أهلها أية أُسر (أصغر وحدة إخوانية) فضلا عن أي لقاء آخر، فكيف يكون هناك تنظيم بالداخل أجرى انتخابات ونتائجه يعرفها الدكتور محمود حسين وحده؟
إن من أبسط أبجديات المنطق هي قياس ما لا تعلم على ما تعلم، والمعلوم الآن يقينا أن إخوان الخارج بالأغلبية المطلقة خلف الأستاذ إبراهيم منير، والطبيعي أن تقيس إرادة من لا تعرفهم على إرادة الذين تعرفهم، وليس أن تدعي أن الداخل معك دون أية أدلة.
ومن يصدق ذلك هو والله من يتبع هواه (في هذه المسألة)، ومتبع الهوى كما قدمنا لن ينصاع لأي دليل. وأكثر ما لاحظته بصفة شخصية من سلوكيات إخواننا المنشقين هو أمرين، ما رأيت أحدا منهم بعيدا عنه: أولا كثرة الكلام بشدة (يعني يقول لك جلست معه 4 ساعات و7 ساعات، وما إلى ذلك من أرقام غريبة)، والثاني بغضهم الشديد لمن يكتب عن الخلاف على وسائل التواصل الاجتماعي، مثلما أفعل الآن.
وأما كثرة كلامهم فوالله ما أراه إلا لأن الحق أبلج والباطل لجلج وهم (في هذا الأمر تحديدا) على الباطل قولا واحدا. وأما كراهيتهم للكتابة على وسائل التواصل فلكراهيتهم أن يصل الأمر ناصعا إلى جميع أفراد الصف، فالحقيقة أنهم يريدون ألا تصل إلا مغالطاتهم، وهم طبعا لا يقولون إن هذا هو السبب الحقيقي، ولكنهم يزعمون أنه الحفاظ على أسرار الجماعة وخصوصيتها!!!
يعني أنا أخي رحمه الله كان رئيسا للجمهورية ووقع عليه انقلاب عسكري ويحدثني عن السرية، إخواني حفظهم الله كانوا وزراء ووقع عليهم انقلاب فشرد أكثرهم في المنافي، أو ألقوا في غيابات السجون، وصارت جماعتنا حديث القاصي والداني، ويحدثني عن السرية!
مرة أخرى أقول: إن عدد الفعاليات التي عقدت بعد تجديد الدماء، ونوعيتها، وأعداد المشاركين فيها، وعودة الشباب إلى الصف بفضل الله تعالى، تبشر بكل خير، فقد قال تعالى: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) وها نحن بفضل الله تعالى نسعى للتغيير.
يا إخواني أسأل الله لي ولكم الهداية، وأن يستعملنا ولا يستبدلنا، فأمنوا على دعائي.
شريف هدية
مهندس متخصص في علوم الحاسب الآلي والكمبيوتر
عضو جماعة الإخوان المسلمين
الآراء الواردة فى مقالات الرأي تعبر عن صاحبها، ولا تعبر بالضرورة عن موقع الشادوف أو سياساته التحريرية