حرص كتاب صحف الثلاثاء 23 مارس/آذار، على إهدار مزيد من الحبر في التنديد بحالة التراخي تجاه أهم تهديد وجودي يواجه المصريين، المتمثل في مصادرة مياه النيل من قبل الإثيوبيين، وحرّض كتّاب دوائر صنع القرار على أهمية السير نحو القرار الصعب، قبل ضياع الوقت، وخرج عدد من الكتّاب المعروفين بولائهم التام للسلطة عن هدوئهم، مطالبين بالذهاب نحو الحرب مهما كانت النتائج. وشهدت الصحف كذلك دعماً هائلاً للسودان وشعبه وتقريعاً للأحباش الذين يسعون لتعطيش شعبي وادي النيل. ومن جهة أخرى ناقشت الدكتورة نيفين القباج وزيرة التضامن الاجتماعي، مع الرئيس السيسي وضع خطة حياة للأيتام، بعد خروجهم من دور الرعاية، لافتة إلى أن خطة حياتهم لن تنتهي بمجرد انتهاء إقامتهم في دور الرعاية، وأشارت القباج، إلى أنه سيتم توفير شقق لهم، بعد اتمامهم 18 سنة، كما سيتم العمل على تكافؤ فرصهم التعليمية، ومنحهم أهمية في الدعم النفسي، ودمجهم في المجتمع، وإيجاد وظائف لهم، وتطوير دور الرعاية بما يليق بتنشئتهم. من جانبها طالبت وزارة التنمية المحلية، المواطنين بسرعة تقديم طلبات التصالح في مخالفات البناء، قبل انتهاء المهلة المحددة لتلقي الطلبات وهي نهاية الشهر الجاري، فلم يتبقَ سوى أيام وبعدها يتم غلق باب تلقى الطلبات. وحول التأهب لمواجهة تطورات الوباء قالت الدكتورة هالة زايد وزيرة الصحة والسكان، إن الاستعداد في مصر للموجة الثالثة من فيروس كورونا، جاء اعتمادا على دروس من الموجتين الأولى والثانية، والتنسيق بين المديريات والهيئات للتنسيق والمراجعة اليومية لكل الاحتياجات واحتياطي الأوكسجين والأدوية والأطقم الطبية، ومدى التزامها وتدريبها.
الشر يقترب
أوضح سيد علي في “البوابة نيوز” أنه من الآن وحتى شهر يوليو/تموز المقبل هناك سباق مع الزمن حتى لا يقع المحظور، الذي ظلت مصر تتجنبه في صبر طال أكثر مما يجب، على التنطع الإثيوبي في تعطيل المفاوضات، لدرجة أنها استخدمت المفاوضات لفرض الأمر الواقع على بقية أطراف دول مصب النيل، والأمر المؤكد أن مصر والسودان سيضعان شرطا واحدا ووحيدا وهو ضرورة خضوع وقبول إثيوبيا لاتفاق واضح وملزم، قبل بدء الملء الثاني والحاسم لبحيرة السد في مطلع يوليو/تموز المقبل. وعلى المفاوض المصري والسوداني ألا يقعا في شراك المماطلة والمسكنات الوقتية، التي قد تلجأ لها إثيوبيا وداعموها. وأن يضعا سقفا زمنيا للمفاوضات لا يتجاوز شهر يونيو/حزيران المقبل، أيا ما كانت الضغوط والمبررات. والاستثناء الوحيد في هذه الحالة هو قبول إثيوبيا عدم بدء ملء بحيرة السد في موسم الفيضان المقبل، وبغير ذلك يبدو أننا متجهون للمرحلة الأصعب والخيار الأخطر، الذي هو كُره لنا، ولكن لا بد منه. وكانت إثيوبيا قد نفذت بشكل مفاجئ في يوليو 2020 خطة الملء الأولى بمقدار 4.5 مليار متر مكعب، بدون تنسيق البيانات مع السودان، ما أدى للتسبب في أزمة حادة في مياه الشرب في العاصمة الخرطوم وعدد من المدن السودانية الأخرى. وكان وزير الري السوداني ياسر عباس، قد حذّر إثيوبيا في وقت سابق من خطورة المضي في تنفيذ خطة الملء الثاني لبحيرة السد في يوليو/تموز المقبل بمقدار 13.5 مليار متر مكعب، مشيرا إلى أن ذلك سيضر بحياة ومعاش 20 مليون سوداني على ضفاف النيل ورافده.
المقبل مخيف
المشكلة الحالية الآن كما أوضح سيد علي، تكمن في تصريحات وزير المياه الإثيوبي الذي أعلن أن بلاده ستقوم بعملية الملء الثاني لسد النهضة في الصيف المقبل، سواء كان هناك اتفاق مع القاهرة والخرطوم أو لم يكن، وبالتالي هو يسقط من الاتفاق الموقع في 2015 الجزء الذي يعلم جيدا أنه سوف يضر بمصالح مصر والسودان، وما حدث العام الماضي في الملء الأول لا يمكن مقارنته بما هو مقبل، حيث كان هناك فيضان وكميات كبيرة من المياه، ولم تكن هناك مشكلة خطيرة ومع ذلك تعرض السودان لمخاطر في عملية توليد الكهرباء في سد الروصيرص، وتعرضت محطات مياه الشرب في الخرطوم لمشكلات، نتيجة القرار الأحادي بعملية الملء الأول وتحتاج عملية الملء الثاني للسد إلى 13 مليار ونصف مليار متر مكعب من المياه، فإذا ما تمت تلك الخطوة بدون إخطار السودان، الذي يقوم بتشغيل سدوده، والتي هي بالقطع بعد سد النهضة، وهو يتعامل في التشغيل عن طريق البيانات اليومية، التي تأتي من أعالي النيل الأزرق، فإذا ما انفردت إثيوبيا بالملء الثاني، بدون تنسيق مع السودان وإخطارها بالبيانات اليومية بعملية ملء سد النهضة ومعرفة نهاية فترة الملء، حتى يستطيع السودان أخذ احتياطاته، ما لم يحدث هذا فستكون هناك مشكلة كبيرة وتعد إعلان حالة حرب على السودان.
مراعاة ظروفهن
لا يتخيل فاروق جويدة كما قال في “الأهرام”، أن تسجن أم من أجل 500 جنيه اشترت بها بطانية لتكمل جهاز ابنتها. وإذا كانت الدولة تقدم الدعم في مشروع تكافل وكرامة، أو الجمعيات الأهلية، فلابد أن تراعي ظروف الأمهات حسب كل حالة. ولا يمكن أن تتساوى العقوبة بين 500 جنيه وآلاف الجنيهات، ويكون السجن واحدا، وإن كان السجن في حد ذاته قضية خلافية. لقد تحدث الرئيس السيسي عن أحوال المرأة المصرية والظروف الصعبة التي تعيشها من أجل تجهيز ابنتها، وتلجأ إلى البحث عن قرض حتى لو كانت نهايته السجن.. إن عدد الغارمات تجاوز 30 ألف غارمة، وأنا لا أتصور بقاءهن في السجون. وهنا نتساءل: أين المجتمع المدني والجمعيات الأهلية؟ وأين أثرياء مصر؟ ينبغي أن لا نلوم أما تريد أن تفرح بابنتها واشترت لها بعض الأشياء من مستلزمات الزواج.. الشيء المؤكد أن هذه الأم لم تخالف القوانين، ولم تكن لديها النية ألا تسدد ما حصلت عليه من الأموال، وهنا لا بد أن تراعى ظروف كل غار،. إنني أتصور أن تراعي البنوك ظروف الغارمات.. وأن تقوم وزارة التأمينات بمراعاة ظروف أمهات وراء القضبان.. أرجو من وزيرة التضامن الاجتماعي الدكتورة نيفين القباج أن تشارك في مواجهة هذه المحنة. إذا كنا نحتفل في هذه الأيام بعيد الأم وعيد تكريم المرأة.. فإن خروج 30 ألف أم من السجون ينبغي أن يسبق كل شيء. كرامة المرأة مسؤولية وطن ومجتمع قبل أن تكون مشاعر ولاء وعرفان.. لقد تحولت ظاهرة الغارمات في السجون إلى واقع اجتماعي وإنساني بغيض، وهي الآن تنتشر في القرى والأحياء الفقيرة.. وهي ظاهرة لها أسبابها، وإذا انتهت الأسباب فلن نجد هذه الأعداد خلف قضبان السجون.. ولنا أن نتصور صورة هذه الأم وقد تركت البيت والزوج والأبناء.. كما أن صورتها أمام الأهل والجيران، وهي تخرج من بيتها مقبوضا عليها، إنها صور تثير الحزن والألم. لا يكفي أن نتناول قضية الغارمات بالتعازي والمواساة.
لا تشمتوا فيه
اهتم الدكتور محمود خليل في “الوطن” بما حدث للرئيس الأمريكي مؤخراً، إذ خلال صعوده إلى الطائرة تعثر الرئيس الأمريكى جو بايدن 3 مرات متتالية. الفيديو الناقل لهذا المشهد حظي بمعدلات تداول عالية، وعرضته أكثر من قناة إخبارية، وكان محل تعليق من جانب قطاع لا بأس به من الجمهور الغفير لمواقع التواصل الاجتماعي ..المعلقون على المشهد انقسموا إلى فريقين: فريق الشامتين وفريق المتعصبين. الشامتون وجدوا في هذا المشهد تأييداً لوجهة نظرهم في أن الرئيس الأمريكي يعاني من مشكلات صحية عديدة سوف تؤثر في أدائه، وقد تؤدي عند مرحلة معينة إلى انسحابه من المشهد لتتولى كامالا هاريس (نائبة الرئيس) مسؤولية حكم الولايات المتحدة. لم يلعب مع هذا الفريق المعلقون المسيسون الميالون لترامب الرئيس السابق للولايات المتحدة فقط، بل انضم إليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي وصفه بايدن مؤخراً بـ«القاتل». تعليق بوتين على الوصف حمل دلالة واضحة على أنه يرثي للحالة الصحية لبايدن.. وكأن لسان حاله كان يقول: «ربنا يشفيك يا راجل يا كبارة». إن الشماتة في رئيس دولة – وكذا في أي شخص- لأسباب صحية مسألة لا تليق من الزاوية الإنسانية (تماماً مثل الاتهام بلا دليل).. فالبشر جميعهم عرضة للمرض، بما في ذلك رؤساء الجمهوريات، وربما كانت حالة بايدن الصحية ظاهرة في العلن، لكن ثمة غيره قد تكون معاناتهم مع المرض أكبر، لكنهم يتكتمون على ذلك.
أقوى من أوباما
واصل الدكتور محمود خليل تقريعه للشامتين: الفريق الثاني هو فريق المتعاطفين مع بايدن في مشهد السقوط. وتعاطف هؤلاء جاء مسيساً في أغلب الأحوال، ولم يأت من الزاوية الإنسانية. نظر المتعاطفون إلى الأمر على أنه شيء عادي جداً أن يتعثر أي شخص وهو يصعد سلم طائرة.. مسألة عادية حدثت لرؤساء وملوك ووزراء وزعماء دول، وسجلتها أيضاً كاميرات التلفزيون. المتعاطفون أهملوا جانباً مهماً من جوانب المشهد.. فقد بدا بايدن وكأنه دخل في تحدٍ مع نفسه، أراد من خلاله أن يثبت لكل من يشككون في حالته الصحية أنه على ما يرام. أراد الرجل أن يقدم بياناً لكل مشاهديه بأنه لا يقل لياقة عن أوباما حين تولى رئاسة الولايات المتحدة، وتعود الجمهور منه على مشهد الصعود السريع على سلالم الطائرات، حيث كانت ساقاه تلتهم السلالم سلمة بعد أخرى برشاقة وحيوية. حمّل الرجل نفسه أكثر مما يطيق فجاءت النتيجة على النحو الذي شاهدناه. لا يطلب أحد من رجل يشارف الثمانين من العمر، أن يتمتع بحيوية شاب، حتى لو كان رئيس جمهورية.. رئيس الجمهورية لا يدخل مسابقات رفع أثقال أو عدو أو خلافه. في كل الأحوال لا بد أن ترجح المسألة الإنسانية على ما عداها في مثل هذه المواقف.. فلا شماتة في مرض.. ولا انحياز أو استدعاء لأسباب سياسية أو دعائية لتبرير التعاطف مع شخص. أنت تتعاطف مع الإنسان لكونه إنساناً.. ولأنك تعلم أنك أنت الآخر ضعيف وعرضة لما يمكن أن يمرّ به غيرك.
قلبنا مع السودان
تواصل أحد المراقبين السودانيين مع عمرو الشوبكي في “المصري اليوم” بمناسبة زيارة رئيس الوزراء السودانى للقاهرة، سائلًا إياه إذا كان ما زال متمسكًا بفكرة الرجل/ المشروع الجسر، وأبدى تحفظًا عليها لأنه تصور أنها ستعني الاتفاق على شخص في «قعدة عرب» تختاره النخب والمؤسسات، بدلًا من الاختيار الشعبي في انتخابات تنافسية، والحقيقة كما أشار الشوبكي إلى أن جوهر فكرة الرجل الجسر، تعني من ناحية التفاهم بين أطراف متضادة على الرجل الجسر، والانتخابات الحرة الديمقراطية من ناحية أخرى، أي أن الخطوة الأولى لا تلغى الثانية. فكرة الرجل/ المشروع الجسر، جرت في كثير من المجتمعات عقب مراحل الانتقال الصعبة، التي تعاني فيها البلاد، ليس فقط من انقسام سياسي إنما أيضا من انقسام مجتمعى كبير لا يحتمل تعبئة سياسية وانتخابية تعمقه، كما جرى في مصر عقب ثورة يناير/كانون الثاني، إنما إلى تقديم مرشح للانتخابات يكون نتاج توافق بين قوى كثيرة تعظم فرص نجاحه. يعانى السودان من انقسام بين الجماعات المحافظة والتقليدية، والقوى المدنية والثورية، كما يعرف انقساما بين الأحزاب التقليدية وجماعات مسلحة وقَّعت في جوبا على اتفاق سلام، ولديها طموحات مشروعة داخل العملية السياسية، وهناك خلافات بين المكون العسكري وكثير من القوى المدنية، كما أن طول المرحلة الانتقالية لا يخلق بالضرورة تفاهمات بين أطرافها، إنما قد يعمق من الخلافات الموجودة التي يُؤجَّل حسمها لحين لحظة الانتخابات.
ظهير شعبي
أستكمل عمرو الشوبكي طرح هواجسه نحو السودان، لنا أن نتصور في حال أقدم السودان على انتخابات رئاسية وبرلمانية بعد انتهاء المرحلة الانتقالية، ونجح مرشح يمثل طرفا من أطراف الصراع السياسي والانقسام المجتمعي، فهذا سيعني تعمق الاستقطاب الداخلي والصراع الطرفي على السلطة، والتحريض المتبادل بدلا من حل مشاكل الناس، وإعادة بناء مؤسسات الدولة، التي خربها حكم البشير، وفتح الباب أمام تدخل الجيش السوداني، أو قوات الدعم السريع (بظهير شعبي) لمواجهة فشل المسار السياسي. في السودان، مثل مصر عقب يناير/كانون الثاني، هناك من يتظاهر لنصره الشريعة، وهناك من يتظاهر لمحاسبة قتلة الثوار، وهناك من يتظاهر بسبب الغلاء وسوء الأحوال الاقتصادية، كل هؤلاء بكل تناقضاتهم الثقافية والسياسية، لا يمكن مقارنتهم بالانتخابات التي تجري في البلدان الديمقراطية المستقرة بين اليمين واليسار، حيث الخلافات على جزئيات وعلى برامج وليس على مشاريع كبرى، تتناقض مع مشاريع القوى المنافسة لها جذريًا. يحتاج السودان إلى وجود (ودعم) رجل جسر بين النظامين القديم والجديد، وينال توافق ودعم أغلب مكونات المرحلة الانتقالية، ويخوض الانتخابات وهو معبر عنها، بدون أن تتصور قوى الثورة أنه سيكون «واحدًا منها»، إنما سيكون الرجل الذي سيضمن حقوقها في التنظيم والحركة، وأن يبنب مسارا سياسيا ودولة قانون، قادرة على تحويل معظم أعضاء التيارات الثورية من قوى احتجاجية تجيد الاعتصام والتظاهر إلى قوى منظمة حزبيا ومؤسسيا تقدم سياسات بديلة، وقادرة على الحكم والنهضة بالسودان.
القوة تجلب الحلفاء
لا شك في أن إسرائيل تتمتّع بالتفوق العسكرى على الفلسطينيين، لكن هذا التفوق ليس سوى جانب واحد لصراع متعدد الأوجه، لا يجوز اختزاله في جانبه العسكري فقط. تابع جورج فهمي في “الشروق”، الباحث في مركز مسارات الشرق الأوسط في الجامعة الأوروبية في فلورنسا قائلا، تدرك إسرائيل نفسها تلك الحقيقة، وهي تسعى دوما إلى استثمار تفوّقها العسكري لإحراز تقدم على الأصعدة الأخرى، التي لا تحظى فيها بالتقدّم بالضرورة. فيرى قادتها أن هذا التفوّق هو ما سيجبر الفلسطينيين، ومعهم الشعوب العربية، على القبول بالأمر الواقع والتعامل معه. لا تخفي إسرائيل رؤيتها تلك، ويصرّح بها قادتها حتى وهم في وسط احتفالية لتوقيع اتفاق السلام، كما جرى خلال حفل التوقيع على اتفاقَي السلام مع كل من الإمارات والبحرين في البيت الأبيض في أغسطس/آب الماضي. آنذاك قال نتنياهو صراحةً ، إنه «عمل على جعل إسرائيل قوية وقوية للغاية، لأن التاريخ علّمنا أن القوة تجلب الأمن، والقوة تجلب الحلفاء، وفي النهاية القوة تجلب السلام». في المناسبة عينها، وفي موضع آخر من خطابه، يقول نتنياهو «هذا ليس سلاما بين القادة فقط، بل سلام بين الشعوب ـ الإسرائيليون والإماراتيون والبحرينيون يقبلون بعضهم بعضا بالفعل». هذه هي الرؤية الإسرائيلية ببساطة من دون إخفاء أو مواربة. التفوّق العسكري سيجبر القادة العرب على القبول بالدخول في معاهدات سلام مع إسرائيل، وبعدها تقبل شعوبهم بالتطبيع معها.
الهرولة ليست بديلاً
واصل جورج فهمي رأيه، العديد من المصريين غير مستعدين لقبول التطبيع الكامل مع المجتمع الإسرائيلي طالما أن إسرائيل لا تزال تحتل الأراضي العربية. لا أعتقد أن غالبية الشعب المصري ترغب في مواجهةٍ عسكريةٍ مع إسرائيل، لكن هذا لم يمنع الرأي العام المصري من الانقضاض على أحد الفنانين المصريين عندما قام بنشر صورة له مع فنان إسرائيلي مؤخّرا، مُجبِرا إيّاه على التراجع والاعتذار. فشعبية الفنان المصري الجارفة، ولاسيما وسط الشباب، لم تشفع له في مواجهة هذا التصرف. لقد نجحت معاهدة السلام المصرية ـ الإسرائيلية في إنهاء حالة الصراع بين البلدين، إلا أنها لم تنجح في إقامة السلام بين المصريين والإسرائيليين، لأنها أغفلت حقوق الفلسطينيين. يقول محمد إبراهيم كامل، وزير الخارجية المصري الذي شارك في مفاوضات كامب ديفيد مع الرئيس السادات، وانسحب قبل التوقيع عليها، في مذكراته أن اتفاق كامب ديفيد سيزيد مشكلة الشرق الأوسط تعقيدا، ولن يحقق السلام، بل سيكرّس الفوضى وعدم الاستقرار فيها، وسيطلق يد بيغن في الضفة الغربية وغزة لضمّهما، ولن يحقق حلا للنزاع، بل سيزيده اشتعالا. يكفي أن يستبدل المرء اتفاق كامب ديفيد بالاتفاقات الإبراهيمية، وبيغن بنتنياهو، ليرى أن لا شيء تغيّر في النهج الإسرائيلي من سبعينيات القرن الماضي حتى الآن.
موت جماعي
حاول نقيب الصحافيين ومجلس النقابة إجراء الانتخابات في شارع «عبد الخالق ثروت» وإغلاق الطريق حفاظا على صحة الـ10 آلاف صحافي وأسرهم، هذا القرار ذكّر منال لاشين في “الفجر” بموقف قديم للسياسي الشهير ورئيس الحكومة البريطاني تشرشل، حيث كان يكره الصحافيين جدا، وذات يوم مات سياسي معارض وفقير، وقرر زملاؤه أن يجمعوا أموالا لدفنه، فذهبوا لتشرشل وطلبوا منه جنيها إسترلينيا، فأخرج عشرة جنيهات، وقال لهم: ادفنوا عشرة صحافيين. تذكرت هذه القصة الحقيقية وأنا أتابع انتخابات نقابة الصحافيين، فالحكومة لا تريد إقامة سرادق بجانب النقابة بحجة الحفاظ على الصحة، في حين أن حبس أكثر من 4 آلاف صحافي في مكان ضيق سيئ التهوية هو المرض بذاته. وقد حاول النقيب ومجلس النقابة، بدءا من القضاء ممثلا في مجلس الدولة، ثم الحكومة، أن يتم إجراء الانتخابات في شارع عبد الخالق ثروت، وإغلاق الطريق جزئيا لمدة 12 ساعة فقط حفاظا على صحة الـ10 آلاف صحافي وأسرهم. ولكن يبدو أن صحة الصحافي لا تهم الحكومة، أو ربما بمنطق تشرشل فإن الانتخابات فرصة تاريخية للتخلص من عبء سياسي واقتصادي ووجع دماغ. وترجع أهمية هذه الانتخابات على المستوى الشخصي إلى أنني بدأت انتبه إلى أن عدد مرات الانتخابات التي سأشارك فيها بصوتي، بدأ يهبط ويقل نظرا لعامل السن، ولذلك جاءتنى نوبة شجاعة دفعتني إلى التمسك بالمشاركة في الانتخابات، سواء في النقابة أو في الشارع أو في المستشفى، فهذه الانتخابات انتخابات وجود، وخاصة بالنسبة لمقاعد المرشحين على العضوية.
أزمة ستطول
واصلت منال لاشين تحذيرها من خطورة اللحظات التي تمرّ بمهنة اصحاب القلم مؤكدة: نحن أمام وضع صحافي شديد الخطر والبؤس في كل الاتجاهات، فالحريات في أسوأ أوضاعها نظرا لمعاناة المجتمع من الإرهاب، ما يجعل قضية حرية المعلومات أقل أهمية حتى لدى المواطنين، ومن ثم لم تعد قضية حرية الصحافة تجد مناصرين لها، لدى فئات كثيرة في المجتمع، والحرية بالنسبة للصحافة هي المكون الأساسي أو كما يقولون روح المهنة. هناك أيضا الأزمة الاقتصادية التي تلم بالصحافيين من كل الصحف والمواقع، التي زادت بعد جائحة كورونا. كما أن المهنة باتت مهددة بالتراجع عالميا بسبب المخاوف المنتشرة من انتقال العدوى من ورق الصحف، وهي مخاوف مستمرة لعدة سنوات مقبلة على الأقل.. وتعيش الصحافة الورقية في مصر أزمة جمود نتيجة لعوامل كثيرة أثرت في تراجع وتقادم البنية الصحافية مقارنة بما شهدته من طفرات في الخارج أجنبيا وعربيا. وتهاجم الصحف من مواقع التواصل الاجتماعي، فالخبر يبث في ثانية واحدة، ولكن الأخطر أنه لا يمكن التأكد من الخبر على مواقع التواصل الاجتماعي، فالخبر يختلط بالشائعة والحكاية والرأي والمعتقد بالأمنيات.
كورونا «تتعافى»
تحولت صفحات السوشيال ميديا فجأة وبدون سابق إنذار إلى سرادقات عزاء، والسبب كما اخبرنا محمد أحمد طنطاوي في “اليوم السابع”، الفيروس المستجد “كوفيد 19″، وبدأت الدوائر القريبة في نطاق الأهل والأصدقاء وزملاء المهنة، تتزايد فيها أعداد الإصابات والوفيات بصورة ملحوظة، وبات يومياً على قوائمنا أشخاص نعرفهم يعلنون إصابات أو وفيات لذويهم وأقاربهم، وهذا يدعونا إلى المزيد من التفكير والتأمل، خاصة أن الفيروس مازال حراً طليقاً، بدون رادع سوى المناعة التي لم تعد في أفضل حالاتها. لست مهتماً بفكرة أعداد موجات كورونا التي انتشرت في مصر أو العالم، الثانية أم الثالثة أو حتى العاشرة، لكن المهم أن الفيروس موجود يأكل ويشرب ويستريح ويصيب ويقتل بدون هوادة، وهذه المرة تجلى بقوة عند أهالينا في صعيد مصر، فلا نسأل عن قريب أو صديق إلا وفوجئنا بإصابته بالفيروس، ولعلني هاتفت منذ قليل أحد أصدقائي الأطباء، الدكتور عماد فاروق، من مركز سمسطا محافظة بنى سويف، وأكد أن الأوضاع بالنسبة لأعداد الإصابات في تزايد، وتحتاج من كل مواطن أن يحتاط ويتبع الإجراءات الاحترازية، ولا يفرط فيها، وعلى كل من يعاني نزلات البرد أو ارتفاع الحرارة أن يجلس في المنزل ويعزل نفسه، حتى يتماثل للشفاء. بالطبع والكلام ما زال لمحمد أحمد طنطاوي أن موجة التقلبات الجوية التي نعيشها هذه الأيام وارتفاع الحرارة لنحو 10 درجات دفعة واحدة، مصحوبة بعواصف رملية وترابية، ثم يعقب ذلك انخفاض مفاجئ يصل أيضا إلى نحو 10 درجات، سوف يزيد من حدة انتشار الفيروس، وتزيد معه أعداد الإصابات بصورة نتمنى أن يقينا الله شرورها، خاصة أن أعدادا كبيرة من المواطنين تصورت أن الأجواء الصيفية جاءت، وبدأوا تخفيف الملابس وكأننا في شهر يوليو/تموز أو أغسطس/آب، وهذا بدوره خطر داهم لذلك وجب أن نحذر الجميع من تخفيف الملابس، والاستماع إلى نصائح الأرصاد الجوية في كل ما يتعلق بالطقس وحالة الجو، وكما ذكرت من قبل نزلات البرد وارتفاع درجات الحرارة يجب أن نتعامل معها باعتبارها كورونا إلى أن يثبت العكس. لقاح كورونا قضية في غاية الأهمية والخطورة، ويجب أن يسارع كل مواطن إلى تسجيل نفسه في موقع الحجز الخاص به، حتى تتمكن الدولة من توفيره بأعداد كمية تقي المواطنين من تأثير الموجات العنيفة الخاصة بصعود الفيروس بين الحين والآخر، وعلى الأطباء أن يقدموا وعيا حقيقيا حول أهمية هذا اللقاح باعتباره السبيل المتاح للمواجهة مع كوفيد 19، في الظروف الحالية، وأن التطعيم يحمي صاحبه، ويحمي المجتمع ويقلل من فرص انتشار العدوى خلال الوقت الراهن، إلى أن يضعف تأثير الفيروس ويصير موسميا، كما الانفلونزا، والأمراض الوبائية المعروفة، التي اعتادت عليها البشرية منذ عشرات السنين.
أمك ثم أمك
بمناسبة عيد الام طرح الدكتور ناجح ابراهيم في الوطن صوراً للعقوق: يسمع أغنية ست الحبايب فتدمع عيناه، يأتى عيد الأم فيشترى هدية لأمه ويسلمها لها، يحادثها تليفونياً كل فترة طويلة مطلقاً كلمات مثل «يا حبيبتي.. يا غالية.. تحت أمرك»، بدون أن يفعل شيئاً سوى ذلك، ويظن أنه قد برّ أمه أو بذل ما عليه تجاهها. يتحدث عن بر الأم وقد لا يطيق أن يجالس أمه ليسرّي عنها همّ واكتئاب الشيخوخة لساعة كاملة، يظن نفسه باراً بأمه بدون أن يكلف نفسه أن يذهب إليها مرة كل أسبوع ليسرّي عنها وحدتها القاتلة في هذا اليوم، تمرض الأم في بيتها فلا ترى أولادها إلى جوارها بحجج واهية لأسابيع. يظن أنه يبر أمه وهو يفضل زوجته باستمرار على أمه، وكان يمكنه الجمع بين الحبين والبرين والخيرين. ينفق على أولاده وزوجته عشرات الآلاف من الجنيهات، بعضها في كماليات يمكن أن تستغني عنها أسرته، ويضن على أمه أن يعطيها مبلغاً من المال يسترها ويحفظها كل شهر، مردداً قول زوجته «اللي يحتاجه البيت يحرم على الجامع»، تنسى الزوجة هذا المثل تماماً حينما يتعلق الأمر بأمها أو أختها أو أسرتها. يركب سيارة فارهة، وتركب زوجته مثلها، وأمه تبحث كل أسبوع عمن يوصلها إلى مركز أو مستشفى الغسيل الكلوي، أو لأخذ جرعة الكيميائي لعلاج السرطان الذي دب في جسدها. يذهب كل أسبوع مع أصدقائه هنا وهناك، أو يذهب مع أولاده وزوجته كل أسبوع للنزهة، ويعتذر دوماً عن عدم اصطحابها للغسيل الكلوي أو العلاج الكيميائي الذي تخرج منه محطمة الأوصال والقوى، ولولا الشاب أو الفتاة من أولاد الجيران الذي يذهب معها في كل مرة ما استطاعت الذهاب. يتحدث دوماً عن البر وعن هداياه لأمه في عيدها، ويحسب دوماً أمام الآخرين أنه أعطى أمه كذا وكذا، وساهم في علاجها يوم كذا، يتحدث عن البر وهو ما زال يعرض عنها ويتأفف من طول حديثها لأنها أمية وهو أستاذ جامعي.
حق بسنت
اهتم عمر علاء في “المصري اليوم” بهاشتاغ لفتاة من إحدى محافظات الدلتا: «أنا مش حاسة دلوقتي غير بالقهر والغضب، وخايفة مشاعري تتحول لندم، خايفة أندم إني اتكلمت، خايفة أندم إني كملت في القضية»، بهذه الكلمات تبث بسنت أو فتاة ميت غمر، شكواها بعد الإفراج عن 7 شباب اتهموا بالتحرش بها في ميت غمر. وأسدل الستار على حادثة التحرش الجماعي بفتاة ميت غمر، الأحد الماضي، بعد أن قضت محكمة جنايات المنصورة ببراءة المتهمين السبعة في القضية من بينهم 5 قُصر، بعد أن وجهت لهم النيابة اتهامات هتك العرض والتعرض لأنثى بتلميحات جنسية. وتعود القضية إلى ليلة الخميس 10 ديسمبر/كانون الأول الماضي، حين تعرضت ياسمين محمود العزب، 23 سنة، وهي طالبة في كلية الزراعة في عين شمس، وشهرتها بسنت، لحادث تحرش جماعي أثناء سيرها في شارع بورسعيد في مدينة ميت غمر في الدقهلية. وقالت بسنت في سلسلة تغريدات على تويتر: “كل مسؤول عنده القدرة على مساعدتي يتدخل ويساعدني، بطالب أي حد يقدر يوصل صوتي يعمل ده، وأي حد يقدر يشارك البوست ده ويدون على هاشتاغ #حق_بسنت_فين، يعمل كده”. وتفاعل عدد من المستخدمين على الهاشتاغ، مطالبين بالبحث ومحاسبة المتحرشين بفتاة ميت غمر، وتصدر الهاشتاغ قائمة الأكثر تداولاً على تويتر. وعقب إخلاء سبيل المتهمين السبعة، خرجت بسنت بعدة تغريدات تطالب النائب العام بالطعن على الحكم، وقالت بسنت: “طول الوقت اللي فات فضلت عدم الظهور وانتظار نتائج المسار القانوني لقضيتي هتك عرض وتحرش جنسي جماعي، على أمل أن حقي يرجع في واقعة تم تسجيلها على كاميرات المراقبة في المنطقة، والنتيجة أخدوا براءة!”. أضافت: “شهور وأنا منتظرة حقي يرجعلي، خلالهم تم تهديدي أكثر من مرة بالقتل والتشويه والاغتصاب، تم التشهير بيا وبحياتي واستخدام صوري الشخصية، وتم الضغط عليّ ومحاولات لمساومتي أكتر من مرة على فلوس علشان أتنازل عن القضية”.
صناعة الكذب
استبق محمود زاهر في “الوفد” الأول من إبريل/نيسان، الذي يعتبره البعض يوم «الكذب» أو «المزاح والدعابة»، كما جرت العادة في كل عام، لارتباطه بالحماقة والخداع والتدليس في أذهان الكثير من شعوب ودول العالم. سواء أكانت تلك العادة، تقليدًا أوروبيًا يعود للقرن الرابع عشر، أم التاسع عشر، فإنها انتشرت في جميع البلدان، وأصبحت واحدة من التقاليد الشعبية، باستخدام الطرائف أو الشائعات، ولذلك يُطلق على من يصدقها اسم «الضحية» أو «السمكة». تلك العادة التي أطلقها الغرب، كان القصد منها بث روح الفكاهة، إلى أن تم تصديرها لعالمنا العربي، الذي أدمنها بشكل مختلف، حتى صارت مرتبطة بالكذب، وأصبحت الشائعات و«التسريبات» والمزاح، مسلسلًا تتواصل حلقاته على مدار العام، وليس في شهر إبريل/نيسان فقط! قد يتآمر الإنسان على نفسه، من خلال صناعة الكذب، فيوقِف خلايا عقله عن التفكير، فيما هو واضح أنه كذبٌ بيِّن، ويتماهى في تصديق كل ما حوله، رغم شعوره الداخلي الرافض بصمت لكل ما يحدث.. وهنا لا يكون الشخص ضحية، بقدر ما يكون صانعا أو مشاركا في ترويج أو إشاعة الكذب. لقد صار الكذب بضاعة رائجة تحيط بنا من كل اتجاه، حتى أن الناس أدمنته وصار شيئا مألوفا، وباتت على موعد يومي مع الكذب بشتى أنواعه، ليصبح اللغة الرسمية والخطاب المتبادل والعرف السائد في ما بينهم، ما جعل منطق الكذب وقلب الحقائق وظيفة ينبغي إتقانها!عندما نتأمل الواقع لن نجد شيئًا يستطيع أن يصمد أمام أي برهان بسيط لكل صاحب عقل، لأن الكذب أوصلنا لانتشار ثقافة التبرير، التي تعد مؤشرا سلبيا لانحدار منظومة القيم والأخلاق وسقوطها في قاع الهاوية. أخيرًا.. أصبحنا نعيش في عالم يصعب على المرء العثور فيه على «صادق»، وإن وجده صدفة، عُومل بحذر، لكثرة الكاذبين على اختلاف أنواعهم، خصوصا تلك الشريحة من السياسيين والإعلاميين، لكثرة التلوّنات والتحوّلات، والتمترس خلف قناعات كاذبة ومبررات واهية.