وردني سؤال من سائل فاضل هذا نصه: “السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، د. هاني المبجل. ما حكم الشرع والدين في المجرمين الذين قاموا بهذه الفعلة الشنعاء؟! والله الذي لا إله إلا هو، لأن مكنني ربي من رقاب هؤلاء الفجرة، لأطبقن حكم الشرع فيهم. قل لي يا شيخنا..ما حكم الشرع فيهم؟”أهـ
جواب د. هاني السباعي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد.
للسائل الفاضل أقول: وعيكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أما بالنسبة لسؤاله عن الجريمة الشنعاء التي ارتكبها جلاوزة بسجن المنيا بمصر. فحسب ما ذكرته بعض وسائل الإعلام أن هناك شاباً معتقلاً بسجن المنيا المركزي، نشرت والدته رساله مسربة بخط يد ابنها مفادها؛ انه بتاريخ 6 من إبريل 2021 بسجن المنيا المركزي، تعرض للتعذيب والاعتداء الجنسي؛ والذين اقترفوا هذه الفعلة الشنعاء مجموعة من المخبرين وسجين جنائي بالسجن المذكور. على أية حال التفاصيل كاملة منشورة على موقع “الشادوف” بالشبكة العنكبوتية بواسطة الصحفي الأستاذ أحمد حسن الشرقاوي.
@@@@@@@
أقول باختصار وبالله التوفيق:
هذه الجرائم مكرورة في السجون المصرية، وهي دأب الحكام الظالمين وجلاوزتهم الجاثمين على صدور أمتنا الإٍسلامية.
هذه جرائم شنعاء يرتكبها سفلة القوم الذين لا خلاق لهم ولا دين ولا مروءة. ومن ثم قد جعل الشرع الحكيم عقوبتها مغلظة حيث يقول الله في محكم التنزيل: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) المائدةـ آية 33.
فالآية الكريم تتحدث عن عقوبة حد الحرابة والإفساد في الأرض، وإذا أنزلنا هذه الآية على ما اقترفه بعض المخبرين بمشاركة سجين جنائي من تعذيب واعتداء جنسي على المعتقل المعتدى عليه (عبد الرحمن جمال) بسجن المنيا. فإذا ثبتت هذه الجريمة بطرق الإثبات الشرعي؛ فإن المعتقل المذكور في حكم المختطف، وإن المخبرين الذين عذبوه واعتدوا عليه جنسياً تحت تهديد السلاح؛ هم جماعة مسلحة، ويعملون في نظام محارب للإسلام وأهله؛ فما اقترفوه ضرب من الإفساد في الأرض.
قد يقول قائل: لكن الحرابة لا تكون إلا في المال، وليس في الاعتداء الجنسي؟.
أقول: قد أجاب على هذه الاعتراض العلامة القاضي أبو بكر بن العربي المتوفى سنة 543هـ رحمه الله تعالى عندما كان قاضياً حيث قال: ” ولقد كنت أيام تولية القضاء، رفع إلي قوم خرجوا محاربين إلى رفقة، فأخذوا منهم امرأة مغالبة على نفسها من زوجها ومن جملة المسلمين معه، فاحتملوها، ثم جد فيهم الطلب فأُخذوا وجيء بهم، فسألت من كان ابتلاني الله به من المفتين فقالوا: ليسوا محاربين؛ لأن الحرابة إنما تكون في الأموال لا في الفروج. فقلت لهم: إنا لله وإنا إليه راجعون! ألم تعلموا أن الحرابة في الفروج أفحش منها في الأموال ؟! وأن الناس كلهم ليرضون أن تذهب أموالهم وتحرب من بين أيديهم، ولا يحرب المرء من زوجته وبنته، ولو كان فوق ما قال الله عقوبة لكانت لمن يسلب الفروج. وحسبكم من بلاء صحبة الجهال، وخصوصاً في الفتيا والقضاء”أهـ (ابن العربي: أحكام القرآن ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت طبعة 1416هـ ج2 ص95.
أقول: ما ذكره القاضي أبو بكر العربي هو فقه القضاء بعينه؛ فالعرض أعز عند الناس من المال. فالذي يقتل في الدفاع عن ماله شهي فمابالك بالذي يقتل هو يدافع عن عرضه وشرفه فإنه من باب أولى شهيد، وتصداقاً لذلك ما ورد في سنن النسائي بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:”من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد”الحديث. فالمعتقل المذكور السيد عبد الرحمن جمال عذبوه لأنه كان يتلو بعض الاحاديث من باب الزنزانة بصوت عال كما ذكر في رسالته المنشور إعلامياً.. فقد اعتقلوه لدينه، وعذبوه لدينه وانتهكوا عرضه لدينه! فقد اقترف هؤلاء المخبرون ومعهم الجنائي الذي في حمايتهم ظلمات بعضها فوق بعض! قال تعالى: (وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) البروج آية8.
فعلى أية حال أرى أن ما ذهب إليه العلامة أبو بكر بن العربي يناسب في تكييفه الشرعي هذه الجريمة التي ارتكبها المخبرون بسجن المنيا أو أي جريمة مشابهة حسب الضوابط الشرعية.
صفوة القول
إن اقتراف المخبرين أو الضباط أو أمناء الشرطة جريمة تعذيب المعتقل والاعتداء الجنسي عليه؛ في سجن المنيا أو أي حالة مشابهة في أي سجن أو خارج السجن أو بأي بقعة في الأرض؛ ضرب من الإفساد في الأرض؛ يعاقبون عليه بحد الحرابة المنصوص عليها في سورة المائدة. كما أنبه على أني أميل إلى الرأي القائل بأن حد الحرابة تنفذ على من اقترف عدوانا على النفس أو المال أو العرض سواء اقترفت في صحراء أو مدينة أو قرية أوجبل أوسجن أوغيره.
هذا ما حضرني من جواب على سؤال السائل الكريم. والله أعلم.
أسأل الله العظيم أن يفرج كرب المكروبين وأن ينتقم من الظالمين أجمعين.