تسعى مصر لحشد دعم ووساطة الدول الأوروبية في إطار مساعيها للحصول على قرض جديد من صندوق النقد الدولي، يساعدها في تخفيف وطأة المصاعب الاقتصادية التي تعاني منها جراء ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة بشكلٍ حاد.
الرئيس المصري الجنرال المنقلب عبد الفتاح السيسي دعا اليوم، خلال مؤتمر صحفي مع المستشار الألماني أولاف شولتس في برلين، “أصدقاءنا في أوروبا لإيصال رسالة إلى صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بأن الواقع الموجود في بلادنا لا يحتمل المعايير المعمول بها خلال هذه المرحلة وحتى تنتهي هذه الأزمة”.
تجدر الإشارة الى أن مصر تجري حاليا محادثات مع صندوق النقد الدولي منذ مارس الماضي بشأن دعمٍ محتمل يمكن أن يشمل قرضاً جديداً، إذ تضيف الصدمات الناجمة عن الحرب في أوكرانيا الضغط على الاقتصاد المصري . وهذه هي المرّة الأولى التي تطول فيها المفاوضات لهذا الحدّ دون الإعلان عن التوصل لاتفاق نهائي بين الجانبين.
ونقل موقع بلومبيرغ الشرق عن علياء ممدوح، محللة الاقتصاد المصري في مؤسسة “بلتون المالية”، قولها إن “المسألة سياسية بحتة، ولا يتعلّق الأمر ببرنامج أو معايير، لكن أتوقع أن يتم الاتفاق في النهاية إنما ليس في القريب العاجل”.
يُعدّ تصريح السيسي الأول من نوعه لمسؤول مصري يطالب فيه الغرب بنقل تحدّيات الوضع في مصر إلى صندوق النقد، من أجل إتمام اتفاق القرض دون المعايير المعمول بها في الصندوق أو اشتراطاته الحالية، التي لم يفصح عنها خلال كلمته.
وفي مؤتمر صحافي يوم الإثنين مع المستشار الألماني أولاف شولتز في برلين، قال السيسي إن شهادته عن حقوق الإنسان في مصر “مجروحة”.
وفي معرض رده على سؤال لأحد الصحافيين الألمان عن أوضاع حقوق الإنسان في مصر قال السيسي: “تعالوا شوفوا الحريات الدينية وحقوق المرأة بنفسكم”، وأضاف: “أنا شهادتي في هذا الأمر ستكون بطبيعة الحال مجروحة مثلما يقولون في مصر، وسيقولون لا بد أنه سيدافع عن نفسه في شهادته”.
ودعا السيسي المهتمين بأوضاع حقوق الإنسان في مصر إلى زيارة البلاد للاطلاع على الوضع بصورة شخصية، قائلاً إن “الدولة لا تهتم بملف حقوق الإنسان لأنها تُسأل عنه من الخارج، وإنما بسبب احترامها شعبها وحبها له، وليس فقط بالكلام”.
وأضاف السيسي: “موضوع حقوق الإنسان في مصر مهم جدا، ودائماً بيتم طرح مثل هذا السؤال في مثل هذه المؤتمرات، والحقيقة هذه المرة أريد أن أرد عليه بشكل مختلف.. اسمح لي أن أدعوك وأدعو معك كل من يهتم بهذا الأمر، ييجي يزورنا في مصر، وإحنا هنتيح له فرصة أن يلتقى بالجميع ويتحدث معهم، وأتصور أن ما يراه سينقله هنا للرأي العام في ألمانيا، لأن شهادتي في هذا الأمر هتبقى مجروحة، تعالى شوف الحقوق الدينية وحرية المرأة في مصر عاملة إزاي، شوف حياة الإنسان وحياة كريمة في مصر عاملة إزاى”.
وتابع: “بتكلم عن حرية التعبير وأحضر جلسات الحوار الوطني وشوف هي أخبارها إيه، واللي تشوفه بطلب منك تنقله بشكل حقيقي للرأي العام في ألمانيا، هل هناك حرص شديد على الحريات في مصر أم لا؟ يمكن تكون الصورة مش واضحة لكم هنا”.
الغاز الطبيعي هو الأصل
ومن ناحية أخرى قال السيسي إن مصر على استعداد لتقديم ما لديها من تسهيلات، لإيصال الغاز من شرق المتوسط إلى أوروبا، لمواجهة أزمة الطاقة التي يمر بها العالم، وخاصة أوروبا، على خلفية الحرب الروسية على أوكرانيا.
وفي العام 2020، حصلت مصر من صندوق النقد الدولي، بموجب اتفاق استعداد ائتماني، على 5.2 مليار دولار، بالإضافة إلى 2.8 مليار دولار بموجب أداة التمويل السريع، مما ساهم في تخفيف تأثيرات جائحة كورونا. كما قال السيسي خلال المؤتمر الصحفي إن “أزمة الغذاء والطاقة ضاغطة جداً جداً جداً على الاقتصاد في مصر”.
وقررت الحكومة المصرية، الأسبوع الماضي، رفع سعر السولار لأول مرة منذ يوليو 2019، بنحو 50 قرشاً ليصبح 7.25 جنيه للتر، في خطوةٍ قد ترفع التضخم بالبلاد لمستويات جديدة.، كما رفعت سعر البنزين بأنواعه الثلاثة للمرة السادسة على التوالي.
هاني جنينة، الاقتصادي والمحاضر بالجامعة الأميركية في القاهرة، يؤكد أن مصر في حاجة “لقرض صندوق النقد الدولي بشكلٍ كبير، كونه تمويلاً يفتح الباب لتمويلات أُخرى من خلال فتح شهية المستثمرين الأجانب للعودة من جديد للاستثمار في أدوات الدين الحكومية”، مشيراً إلى أن البلاد لديها فجوة تمويلية تتراوح ما بين 40 إلى 45 مليار دولار خلال 12 شهراً المقبلة.
يؤكد إجراء المحادثات مع الصندوق الضرورة الملحّة لتأمين الدعم، في وقتٍ يضيف فيه مزيج من ارتفاع أسعار السلع الأساسية والطاقة، وموجة من التشديد النقدي عالمياً، ضغطاً على اقتصاد واحدة من أكثر دول الشرق الأوسط مديونية.
وتوقع جنينة أنه من الصعب “الاستمرار أكثر من ذلك بالسحب من الاحتياطي النقدي”، معتقداً أن الحكومة المصرية “قريبة من إتمام الاتفاق مع الصندوق، بقيمةٍ تتراوح بين 15 إلى 20 مليار دولار على 4 سنوات.. أمّا لو كانت الأموال أقلّ من ذلك، فلن تكون كافيةً لطمأنة المستثمرين، وسيعني ذلك أننا بحاجة لتقشّف قوي”.
من الجدير بالذكر أن سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار الأميركي تراجع في مارس الماضي بأكثر من 20 % بعدما سمح له البنك المركزي المصري بالتحرك، كما رفع المركزي أسعار الفائدة بنحو 300 نقطة أساس منذ مارس الماضي وحتى الآن.
المصدر: الشادوف+ بلومبيرغ الشرق