بعد نحو 7 سنوات على رأس المؤسسة المسؤولة عن تنظيم السياسة النقدية للبلاد، غادر طارق عامر، منصب محافظ البنك المركزي المصري، بعد مسيرة طويلة في منصب اتخذ خلالها قرارات هامة، من أهما تحرير سعر صرف الجنيه، مما كان له تبعات كبيرة على الاقتصاد المصري.
وقدم عامر استقالته إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي قبل اعتذاره عن الاستمرار في موقعه وعينه مستشارا له، وفق صحف مصرية.
ونقل موقع بوابة الأهرام الحكومية على موقعه الأربعاء إن “الرئيس عبدالفتاح السيسي، أصدر قرارا جمهوريا، بتعيين طارق عامر محافظ البنك المركزي، مستشارا لرئيس الجمهورية .. ويقبل اعتذاره عن الاستمرار في منصبه”.
كان عامر أكد أنه طلب الاعتذار عن منصبه لـ”إتاحة الفرصة للآخرين لاستكمال المسيرة التنموية الناجحة تحت قيادة رئيس الجمهورية”.
وتولى عامر مهامه محافظا للبنك المركزي بقرار من رئيس الجمهورية في نوفمبر 2015، خلفا لهشام رامز، قبل تجديد السيسي له لفترة ثانية من نوفمبر 2019 وحتى نوفمبر 2023.
ووفق الموقع الرسمي للبنك المركزي المصري، فإن هذا البنك “شخص اعتباري عام مستقل يعمل طبقا للسلطات والصلاحيات المخولة له بموجب القانون رقم 88 لعام 2003، القرار الجمهوري (الرئاسي) رقم 65 لعام 2004”
ومن أهم مسؤوليات البنك “تحقيق استقرار الأسعار، وإدارة احتياطات الدولة من النقد الأجنبي، وتنظيم وإدارة سوق الصرف الأجنبي”.
وبحسب الدستور المصري، يتم تعيين محافظ البنك المركزي لمدة 4 سنوات، وذلك بعد موافقة مجلس النواب.
وعامر حاصل على درجة البكالوريوس في الاقتصاد والإدارة، ولديه خبرة تمتد إلى أكثر من 30 عاما في الأعمال المصرفية الدولية، وفق موقع الجامعة الأميركية في القاهرة.
وقبل أن يترأس البنك المركزي، شغل منصب نائب أول محافظ البنك المركزي، في الفترة من 2003 وحتى 2008، وشغل منصب رئيس مجلس إدارة البنك الأهلي المصري لمدة خمس سنوات من 2008 وحتى 2013.
وعمل عامر في أكثر من 10 دول في الشرق الأوسط، حيث تقلد مناصب عدة، بينها نائب رئيس مجلس إدارة “بنك مصر”، والمدير العام لبنك البحرين، بالإضافة إلى العديد من المناصب الإدارية في “سيتي بنك”، و”البنك المصري الأميركي”، و”بنك أوف أميركا”.
وقبل أربعة أيام فقط، أصدر نائب محافظ البنك المركزي جمال نجم بياناً مطولاً، ينفي فيه صحة ما تردد بشأن تقدم عامر باستقالته من منصبه، قائلاً في تصريحات لوكالة الأنباء الرسمية، إن “محافظ البنك مستمر في منصبه حتى انتهاء مدته في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023”.
وأضاف نجم أن “مثل هذه الشائعات الملفقة تؤثر سلباً على البنك المركزي، والبنوك المصرية، وهي مدفوعة بأغراض ومصالح وأطماع من يقف وراء ترويجها، لا سيما مع الدور الكبير للبنك المركزي في حماية نحو 9 تريليونات جنيه تمثل ودائع المواطنين”.
وتابع أن “عامر ساهم على مدار 19 عاماً في قيادة عملية الإصلاح في القطاع المصرفي، ما أدى إلى استعادة ملاءة البنوك المالية، وأداء هذه البنوك دوراً هاماً في عملية التنمية، فضلاً عن مساهمته في وضع قواعد الحوكمة الدولية من خلال إعادة هيكلة جميع البنوك، بما فيها البنك المركزي المصري”.
وزاد نجم أن “البنك المركزي -تحت قيادة عامر- نجح في بناء احتياطي نقدي أجنبي قوي ساهم في زيادة الثقة في الاقتصاد المصري”، مستطرداً: “الحديث عن وجود إخفاق خلال الفترة الأخيرة هو غير واقعي، لأن فجوة النقد الأجنبي انخفضت من 3.9 مليارات دولار في شهر فبراير/ شباط الماضي إلى 400 مليون دولار في يوليو/ تموز 2022، بفضل قرارات البنك المركزي بشأن تنظيم عمليات الاستيراد”، على حد قوله.
وأظهرت بيانات صادرة عن البنك المركزي المصري تراجع احتياطي النقد الأجنبي خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري، بنحو 7.8 مليارات دولار، ليصل إلى 33.14 مليار دولار في نهاية يوليو/ تموز، مقابل 40.93 مليار دولار في نهاية ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بانخفاض بلغت نسبته 19%.
ويأتي تراجع الاحتياطي النقدي في وقت تواجه مصر ضغوطاً مالية متزايدة مع ارتفاع أعباء الديون، والصعوبات الاقتصادية الناجمة عن تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا، وتراكمات جائحة فيروس كورونا.
وفي 28 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، وافق مجلس النواب المصري بأغلبية أعضائه، في جلسة طارئة، على قرار السيسي بتجديد الثقة في محافظ البنك المركزي لمدة أربع سنوات، تنتهي في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2023.
وعامر هو صاحب القرار الاقتصادي الأخطر في تاريخ مصر، وهو تحرير سوق الصرف في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، الذي أدى إلى فقدان العملة المحلية (الجنيه) أكثر من 50% من قيمتها، وارتفاع معدلات الفقر إلى نسب غير مسبوقة، تنفيذاً لسياسات متفق عليها سلفاً مع صندوق النقد الدولي، لحصول بلاده على قرض من الصندوق (آنذاك) بقيمة 12 مليار دولار.
وقبل تولي منصب محافظ البنك المركزي في 2015، كان سلفه هشام رامز في مرمى انتقادات كبيرة، بسبب تعرض العملة المحلية لضغوط وهبوطها إلى مستويات قياسية في السوق السوداء، وسط نقص في المعروض من الدولار.
يذكر أن عضو مجلس النواب السابق محمد فؤاد قد قدم مذكرة رسمية إلى هيئة الرقابة الإدارية، تطالب بفتح التحقيق في وقائع تورط وزيرة الاستثمار السابقة وزوجة عامر داليا خورشيد، في استغلال منصب زوجها في تسهيل أعمالها، والضغط على البنوك لعدم الحجز على الشركة المصرية للهيدروكربون.
وكشف فؤاد أن الشركة المملوكة لخورشيد تحت اسم “مسار” لها تعاملات كبيرة مع “المصرية للهيدروكربون”، وحصلت منها على عمولات مالية ضخمة، مقابل استغلال منصب زوجها في الضغط على رؤساء عدد من البنوك لمنعها من الحجز على الشركة، بسبب عجزها عن سداد ديون تقدر بنحو 450 مليون دولار.
وشهدت العملة المحلية في ظل تولي عامر موجتين من التعويم أمام الدولار الأميركي، في نوفمبر 2016، وفي مارس 2022.
وخلال الموجة الأولى، اعتبر اقتصاديون خفض سعر الجنيه خطوة ضرورية للتخفيف من أزمة في العملة الصعبة ولدعم الاحتياطيات الأجنبية الآخذة في التناقص، لكن هذا الإجراء عرضه لانتقادات بسبب تداعياته على معدلات التضخم.
واضطلع عامر بدور أساسي في مفاوضات مصر مع صندوق النقد الدولي، التي أفرزت اتفاق قرض حجمه 12 مليار دولار تضمن خفضا حادا لقيمة العملة المحلية، وسن ضريبة قيمة مضافة، وتقليص الدعم على الوقود.
وبعد أسابيع من الموجة الثانية في مارس، جرى تداول العملة الأميركية بأكثر من 19.20 جنيه في البنوك المصرية، ارتفاعا من متوسط 15.6 جنيه للدولار الواحد قبل القرار.
وتأتي استقالته بينما تمر البلاد بوقت حرج فيما يتعلق بالسياسات المالية مع محاولة ضبط معدل ارتفاع الأسعار من جهة، بعد أن وصل معدل التضخم السنوي إلى 15 في المئة تقريبا، ومحاولة توفير النقد الأجنبي من جهة أخرى فيما تسعى مصر للخروج من نفق تبعات الحرب الروسية الأوكرانية.
وتأتي أيضا في الوقت الذي تجري فيه الحكومة محادثات مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد لدعم برنامجها الإصلاحي وللمساعدة في مواجهة التحديات التي سببتها الحرب.
وخفضت وكالة موديز للتصنيفات الائتمانية توقعات مصر من “مستقرة” إلى “سلبية”، مشيرة إلى تزايد خطر الاضطرابات الاجتماعية الناجمة عن تراجع مستويات المعيشة.
وجاءت استقالة عامر من منصبه، قبل يوم واحد فقط من اجتماع لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي، للنظر في أسعار الفائدة الخميس.
وقد عدّلت بعض بنوك الاستثمار في مصر توقُّعاتها بشأن أسعار الفائدة في اجتماع البنك المركزي المصري، غداً الخميس، من الرفع إلى الإبقاء دون تغيير عند المعدل الحالي، بعد تنحي طارق عامر من منصب محافظ البنك المركزي.
كانت بنوك الاستثمار، بمعظمها، قد توقَّعت في وقتٍ سابق من هذا الاسبوع أن يتجه “المركزي”، خلال اجتماعه الخامس لعام 2022، غداً الخميس 18 أغسطس، إلى رفع أسعار الفائدة في محاولةٍ منه لمواجهة معاودة أرقام التضخم لمسارها الصاعد، بحسب استطلاع أجرته “الشرق” قبل يومين.
لكن بعد استقالة عامر اليوم، أفاد آلن سانديب، رئيس البحوث في “نعيم” المصرية”، أنَّ قسم البحوث في شركته غيّر التوقُّعات “من رفع بنحو 50 نقطة أساس إلى (تثبيت)، حتى نعرف من هو المحافظ الجديد للمركزي”.
ويتفق معه محمد أبو باشا، كبير الاقتصاديين في المجموعة المالية “هيرميس”، بأنَّ القرار الأقرب في اجتماع لجنة السياسات غداً “بعد تطورات اليوم هو تثبيت أسعار الفائدة”.
رفع “المركزي المصري” في اجتماع استثنائي خلال مارس، أسعار الفائدة 1% (100 نقطة أساس)، سعياً لامتصاص موجة التضخم، ومن أجل جذب استثمارات الأجانب بالدولار لأدوات الدين الحكومية، بعد أن خرجت مليارات الدولارات عقب الأزمة الروسية الأوكرانية. ثم رفع في مايو أسعار الفائدة 2% (200 نقطة) لاحتواء الضغوط التضخمية.
أوضح محمود أبو العيون، المحافظ الأسبق للبنك المركزي المصري، لـ”الشرق” أنَّ اجتماع لجنة السياسة النقدية “يُمكن أن ينعقد بحضور نائب المحافظ في حال غياب المحافظ”، وهو ما يؤكد انعقاد اجتماع الغد في موعده دون تأجيل.
بعد أن كانت قدّرت في استطلاع “الشرق” أن يرفع “المركزي” الفائدة بواقع 100 نقطة؛ قالت آية زهير، محللة الاقتصاد المصري في “زيلا كابيتال”: “غيّرنا توقُّعاتنا لقرار أسعار الفائدة غداً من الرفع إلى التثبيت بعد تغييرات اليوم”.
تبلغ أسعار الفائدة في مصر على الودائع لليلة واحدة وعلى الإقراض لليلة واحدة وعلى سعر العملية الرئيسية: 11.25%، و12.25%، و11.75% على التوالي. في حين أنَّ سعر الفائدة الحقيقية في مصر -أي معدل الفائدة الاسمي بعد طرح معدل التضخم منه- هو عند سالب 1.35% وفقاً لآخر بيانات.
الخليفة المحتمل
وحتى الآن لم يعلن رسميا من سيخلف عامر. ونقل موقع “مصراوي”، عن مصادر مصرفية، أن جمال نجم، نائب محافظ البنك المركزي، هو من يتولى إدارة مهام البنك المركزي حتى الإعلان عن المحافظ الجديد الذي قد يؤدي إلى وجود تشكيل جديد لمجلس إدارة البنك.
ونقل موقع “البورصة نيوز” عن مصادر لم يسمها إن هناك 3 أسماء ترددت بقوة وهي رانيا المشاط، وزيرة التعاون الدولي، والتي تحظى بعلاقات جيدة مع المؤسسات الدولية، وكانت قبل ذلك وكيل المحافظ للسياسة النقدية لسنوات، ويعد استهداف التضخم موضوع دراستها الأكاديمية، كما أنها تولت منصبا فنيا في صندوق النقد الدولي قبل عملها كوزيرة.
وبرز أيضا اسم حسن عبد الله، الرئيس السابق للبنك العربي الأفريقي الدولي، ورئيس الشركة المتحدة للإعلام في الوقت الحالي، لما يتمتع به من خلفية مصرفية واسعة.
وشملت الترشيحات أيضا اسم المصرفي هشام عكاشة، كونه رئيسا للبنك الأهلي، أحد أكبر البنوك في مصر، ولتمتعه بشعبية لدى المصرفيين والعاملين بالبنك المركزي وتميزه بـ”الهدوء والحكمة” على حد قول المصادر.
المصدر: الشادوف+ موقع الحرة