يبدو أن الدبلوماسية الأميركية تفتقر طوال الوقت للخيال الإبداعي الذي ميز فترة وزير الخارجية الراحل هنري كيسنغر سواء في خطط الدبلوماسية المكوكية تجاه الصين أو في استراتيجية السلام في الشرق الأوسط.
ولعل ذلك ما جعل وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ( سي آي إيه)، ومديرها المخضرم في شؤون الشرق الأوسط وليام بيرنز، تدخل بثقلها في مسعى يستهدف تحريك الجمود الذي يصيب المفاوضات المتعلقة بوقف إطلاق النار في غزة.
وأفادت صحيفة الأخبار اللبنانية المقربة من حزب الله اللبناني ان بيرنز يقوم منذ شهر فبراير/شباط الماضي بزيارات مكوكية بعضها كانت سرية زار فيها عددا من عواصم الشرق الأوسط لترويج ما وصفته الصحيفة بـ”خطة إبداعية” تستهدف تحقيق اختراق فى الملف الفلسطيني ككل.
على أن المهام التي كان مدير المخابرات المركزية الأميركية يعمل عليها في سياق البحث عن «حل إبداعي»، كانت تركز على ما هو أبعد من الهدنة. ويقول مطّلعون إن الأميركيين يعتبرون ضمناً أن الحرب فشلت في تحقيق أهدافها الفعلية، وأن مواصلة القتال لن تحقق شيئاََ ( إنجازا) نوعياََ، بل ستكون لها انعكاسات قاسية وفقا لتقييم أقر به ضباط كبار في الجيش الأميركي أمام نظراء لهم من العالم العربي، بأن جيش الاحتلال أظهر «نقصاً فادحاً في المهنية والاحتراف، وأن جيشاً يلجأ إلى هذا القدر من القتل العشوائي لا يعبّر عن قوة وحرفية».
وعليه، فإن البحث الذي أطلقه بيرنز بالتعاون مع جهات عربية وإقليمية، وبالتشاور مع إسرائيل، يركّز على (فكرة الحل المستدام).
وتقوم فكرة المسؤول الأميركي على الوصول إلى حل أوسع يتجاوز حدود قطاع غزة، يشمل ما هو مطلوب من تغيير حتى في الضفة الغربية، بما يفتح الباب أمام إعادة إدراج مسألة مستقبل الملف الفلسطيني ضمن رؤية جديدة. ووفق ما تم تداوله، وما وصل إلى جهات رفيعة في عواصم عربية وإقليمية، فإن مقترح بيرنز الجديد يقوم على الآتي:
1- معالجة (مشكلة الأمن) التي تريدها إسرائيل، و (مشكلة الاحتلال) التي يطالب الفلسطينيون بحلها، يمكن أن تكون من خلال تشكيل قوة عسكرية وأمنية من دول عربية وإسلامية مقبولة من جميع الأطراف، تتولى إدارة الساحة الفلسطينية مع تركيز على قطاع غزة. وتمت الإشارةبالاسم إلى كل من : (مصر والسعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر وتركيا) لتشكيل هذه القوة، بالتنسيق مع الأميركيين والإسرائيليين، على أن تكون لديها مهام واضحة.
لكنّ النقاش أظهر أن الجانب الأميركي لا يحدّد مهلة زمنية لعمل هذه القوات، بل يريد منها القيام بثلاث مهام محددة هي كالتالي:
أولاً، الحلول محل قوات الاحتلال الإسرائيلي، والشروع في إنشاء (سلطة مدنية) تستند على هذه القوة لإدارة شؤون القطاع المدنية وملف المساعدات وإعادة البناء في قطاع غزة.
ثانياً، الإشراف على إنهاء عمل جميع الأذرع العسكرية للقوى الفلسطينية في القطاع، وتدمير البنى التحتية (الأنفاق) وضمان عدم ترميم قوى المقاومة لقدراتها من جديد.
ثالثاً، بعد استتباب الأمن وإطلاق عملية إعادة الإعمار وعودة النازحين، يصار إلى ترتيب موعد لإجراء (انتخابات عامة) في كل المناطق الفلسطينية تنتج عنها سلطة وحكومة. بيرنز، وفقا للمصادر، اعتبر أن فكرته تشكل خرقاً هائلاً في جدار يمنع معالجة الملف الفلسطيني، ولذلك فقد طلب أن يتم منحه ما أسماه بـ”ورقة قوية” تمكنه من إقناع إسرائيل بالفكرة بصورة تامة.
ولدى سؤاله عن تصوره لتلك الورقة القوية قال صراحة: «أريد تعهداً علنياً من حماس وبقية قوى المقاومة بتطبيق هدنة تامة وشاملة لمدة 10 سنوات، على أن تضمن الآلية المقترحة التزام المقاومين بالهدنة».
وفيما رفضت قوى المقاومة، وخصوصاً حركة حماس التعليق على هذا الأمر، تبين أن المحادثات التي جرت مع الأطراف المعنية، أثمرت أجوبة لافتة:
1– حماسة أردنية – إماراتية مع استعداد لتقديم الدعم العسكري واللوجستي لأي شرطة محلية تتولى مساعدة القوة العسكرية في إدارة الوضع.
2– نأي بالنفس من جانب قطر وتركيا مع إجابة مشتركة بأن مثل هذه الخطوة تحتاج إلى طلب فلسطيني صادر عن قرار فلسطيني موحّد، وأنه من الافضل ترك الوصول إلى هذا القرار للفلسطينيين.
3– تحفّظ مصري ربطاً بخشية علنية من «التورط» في وحل غزة، والإشارة إلى أصحاب الفكرة بأن من يفكر بالإمساك بقطاع غزة من خلال هذا الحل، يتجاهل كل التجارب السابقة ولا يعرف واقع القطاع وأهله.
4– استعداد سعودي مشروط بالحصول على مقابل يشمل الملف الفلسطيني وأموراً أخرى تخص العلاقات السعودية – الأميركية.المصدر: الشادوف+الأخبار اللبنانية