أعلنت النيابة العامة في أنقرة، اليوم الأحد، فتح تحقيق في بيان “مونترو” الصادر عن 103 أميرالات بحريين متقاعدين هددوا فيه الحكومة بإجراءات بعد رفضهم شق قناة إسطنبول المائية، والانسحاب من اتفاقيتي مونترو 1936 ولوزان 1923، الناظمة لعمل مضيقي البوسفور والدردنيل، والسعي الحكومي لكتابة دستور جديد للبلاد.
وجاء في بيان صدر عن النيابة العامة، أنها “تتابع وتحقق في البيان الصادر بتاريخ 04.04.2021 وتم تداوله عبر عدد من مواقع الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، ومع الموقعين على ما سمي ببيان مونترو، والمرتبطين مع الموقعين ومتداولي البيان”.
وتضمن بيان “مونترو” تهديدا وإدانة للمساعي الحكومية، بعدما ادعى أنها تخرج بالقوات المسلحة والقوات البحرية عن قيمها وعن الخط الذي رسمه مصطفى كمال أتاتورك مؤسس الجمهورية، واستدعى ردود فعل كبيرة من أركان الحكومة وحزب “العدالة والتنمية” الحاكم، وحليفه “التحالف الجمهوري”، معتبرين أنه بمثابة “تحريض على الانقلاب العسكري”.
وجاء في بيان “مونترو”، “المضائق البحرية التركية تعتبر أهم المعابر المائية في العالم، واتفاقية مونترو تحمي حقوق الشعب التركي بأفضل شكل، من خلال السيطرة التركية على المضائق بشكل كامل، اتفاقية مونترو تمنع تركيا في حال نشوب أي حرب أن تكون مع أحد أطراف الحرب، ما وفر لتركيا حق الحياد في الحرب العالمية الثانية، وهناك مناقشات تغيير الدستور حيث إن الجيش يرفض تغيير الدستور، ولا يمكن تناول مسألة كتابة دستور جديد، بل على العكس فإن شعار الجيش هو ضرورة استمرار العمل بالدستور دون تغيير”.
وخلال الأيام الماضية، شهدت الساحة السياسية التركية نقاشات تتعلق باتفاقية مونترو، الناظمة للعبور من مضائق البوسفور، بين البحرين الأسود ومرمرة، والدردنيل بين بحري مرمرة وإيجة، واعتبارهما ممرا مائيا دوليا بسيطرة تركية بعد تصريحات لرئيس البرلمان مصطفى شنطوب لوح فيها بإمكانية الانسحاب من تلك الاتفاقيات، ولكن شنطوب نفى أن يكون قد تطرق لمسألة الانسحاب.
كما أن وزارة الإسكان التركية أعلنت قبل أيام عن المصادقة على مشروع إعمار قناة إسطنبول المائية، وهو المشروع الضخم الذي يلقى معارضة كبيرة محليا ودوليا، وتسعى الحكومة التركية لتنفيذه لتحقيق مكاسب تقدرها بـ7 مليارات دولار سنويا على اعتبار أن تركيا محرومة من عائدات المضائق باعتبارها ممرات مائية دولية، ولا يمكن إغلاقها سوى في فترة الحروب.
وتزامن ما سبق مع حديث الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عدة مرات عن عزم حكومة “العدالة والتنمية” كتابة دستور جديد للبلاد وحصل على دعم من حلفائه، ودعا المعارضة للمشاركة في عملية إعداد الدستور الجديد باعتبار الدستور الحالي هو من كتابة الانقلابات السابقة، في ظل تناقضات مع المعارضة المطالبة بالعودة للنظام البرلماني، وتشديد الحكومة على الإبقاء على النظام الرئاسي.
فؤاد أوكطاي، نائب الرئيس أردوغان، قال عبر “تويتر” إن “عملاء الوصاية تلقوا جوابهم في 15 تموز/يوليو 2016، والشعب أعطاهم درسا لن ينسوه، وفي كل ما جرى سيعطي الشعب جوابه المناسب لهم، اعرفوا حدودكم”.
وتحت وسم “اعرفوا حدودكم”، الذي تصدر وسائل التواصل الاجتماعي في تركيا، انتشرت مئات الآلاف من التغريدات والمنشورات التي تركز جزء كبير منها على رفض البيان والاستعداد للاعتصام في الميادين كما حل في ليلة الانقلاب الفاشل في العام 2016.
من ناحيته، قال حليف أردوغان في “التحالف الجمهوري”، زعيم حزب “الحركة القومية”، دولت باهتشلي، في بيان صدر عنه “يجب نزع رتب الموقعين على البيان الصادر على شكل بيان عسكري في منتصف الليل، ونزع حقوقهم في التقاعد، ويجب التحقيق بشكل عادل مع الموقعين على البيان من كافة الاتجاهات والأصعدة، لمعرفة الجهات التي تقف خلف البيان فالأمر متعلق بالوطن والديمقراطية والإرادة الوطنية، الحزب يرفض ويلعن هذه المحاولات ضد الديمقراطية”.
وفي تصريح تلفزيوني قال نائب أردوغان في الحزب، نعمان قورطولموش “هذه المرة أيضا غير مقبول صدور البيان، عبر محاولة انقلابية تستهدف الديمقراطية في البلاد ببيان صادر منتصف الليل بحجة إبداء الرأي ولا يمكن لأحد عبر أصابع اليد أن يستهدف الشعب والحديث عن الدفاع عن البلاد، وبدأت التحقيقات وعلى الجميع أن يعرف حده، وإن كانت هذه الأسماء ترغب بعمل السياسة فهناك أحزاب سياسية يمكن اللجوء لها لممارسة السياسة دون الإضرار بالديمقراطية”.
أما القيادي في حزب “العدالة والتنمية” حمزة داغ، فقال في حوار تلفزيوني إن “الأسلوب المتبع في إصدار البيان وتوقيته يحاكي الانقلابات السابقة التي كانت تتم عبر هذا الشكل، ومن حاول فعل ذلك في العام 2016 واجهته إرادة الشعب، فلا توجد حاليا أي جهود حيال اتفاقية مونترو وهذه الاتفاقيات الدولية يتم نقاشها دائما مع الأطراف الدولية المعنية وفق مصالح البلاد”.
وفي مقابل ردود الفعل الصادرة عن التحالف الحاكم وحزب “العدالة والتنمية” والحكومة، لم يصدر أي تصريح حيال الأمر من المعارضة.
الباحث بالشأن التركي والعلاقات الدولية، طه عودة أوغلو، أوضح أن “الأسباب المعلنة حسب بيان الضباط المتقاعدين هو تحذيرهم المساس باتفاقية مونترو الدولية المتعلقة بالملاحة في المضائق التركية الموقعة عام 1936 وتلميحهم إلى الاعتراض على كل من مشروع قناة إسطنبول، ومساعي الرئيس رجب طيب أردوغان صياغة دستور جديد للبلاد”.
لكنه استدرك بالقول إن “التوقيت يطرح علامات استفهام حول وقوف الأميركيين وراء الخطوة المفاجئة التي أقدم عليها الضباط في ظل التوتر المستمر في العلاقات التركية الأميركية، وعدم اتصال الرئيس جو بايدن بنظيره التركي أردوغان حتى اللحظة”.
وأضاف “التصريحات الرسمية جاءت سريعة للرد على البيان رافضة ممارسة الوصاية على الشعب وقيادته المنتخبة وقالت إنها باتت من الماضي، بتصوري هذا البيان سيخدم الرئيس أردوغان لزيادة شعبيته التي شهدت تراجعا كبيرا خلال الفترة الماضية وأيضا حشد الدعم لتنفيذ مشروع قناة إسطنبول، ويحول الأنظار عن بعض المشاكل الداخلية خصوصا تدهور الليرة التركية”.
وعن توقعاته بتعامل الحكومة والمعارضة مع البيان، أفاد عودة أوغلو “البيان الذي صدر بالأمس يشبه إلى حد ما البيان الذي صدر في عام 2007 قبل انتخاب الرئيس عبد الله غول، وذلك في منتصف الليل، أي التوقيت نفسه واللغة نفسها التي يستخدمها الانقلابيون في تركيا على مدار السنوات الماضية، الأمر الذي استدعى ردود فعل قوية من قبل الحكومة والشريحة المؤيدة لها على وسائل التواصل الاجتماعي، في حين غابت المعارضة عن الرد كما حصل في انقلاب 2016”.