فيما تستميت اسرائيل للحصول على رفات جنودها بعد عشرات السنين من مقتلهم على الأراضي العربية، كشفت صحيفة هآرتس الاسرائيلية اليوم الجمعة الموافق 8 يوليو/تموز 2022 عن قيام جنود الاحتلال بدفن 20 جندياً مصرياً استشهدوا حرقاً خلال حرب الخامس من يونيو من العام 1967 في مقابر جماعية لا تحمل أية علامات، في سر ظل 55 عاماً طي الكتمان.
الصحيفة الإسرائيلية أشارت إلى أن القائد العسكري الإسرائيلي المشارك في تلك العملية، زين بلوخ، الذي يبلغ من العمر اليوم 90 عاماً، كشف عن الواقعة حيث كان قائداً لسرب 122 (نحشون) الذي شهد تلك الحرب.
كما أضافت الصحيفة أنه بعد 55 عاماً من الرقابة الشديدة، فإن ما لا يقل عن 20 جندياً مصرياً قد أحرقوا أحياء ودفنهم جيش الدفاع الإسرائيلي في مقبرة جماعية خلال حرب 1967 والتي تعرف بحرب الأيام الستة. ولفت إلى أن عدم وضع علامات على المقبرة ودون تحديد هوية الجنود المصريين يعد مخالفة لقوانين الحرب.
وتابعت الصحيفة: “قبل أيام من الحرب وقع (الرئيس المصري جمال) عبد الناصر اتفاقية دفاع مع (العاهل الأردني الملك) حسين. ونشرت مصر كتيبتين من الكوماندوز في الضفة الغربية بالقرب من (منطقة) اللطرون… كانت مهمتهم هي مداهمة إسرائيل والاستيلاء على (منطقة) اللد والمطارات العسكرية القريبة”.
وأوضحت الصحيفة أنه بعد “تبادل إطلاق النار مع جنود الجيش الإسرائيلي وأعضاء كيبوتس نحشون، هربت بعض القوات المصرية، وأخذ البعض أسرى، وقاتل البعض بشجاعة، وعند نقطة معينة، أطلق جيش الدفاع الإسرائيلي قذائف هاون وأضرمت النيران في آلاف الدونمات غير المزروعة من الأدغال البرية في الصيف الجاف”.
كما أشارت هآرتس: “قتل ما لا يقل عن 20 جندياً مصرياً في حريق الأدغال، وانتشر الحريق سريعاً في الأدغال الحارة والجافة، ولم يكن لديهم فرصة للهروب، وفي اليوم التالي جاء جنود من جيش الدفاع الإسرائيلي مجهزين بجرافة إلى مكان الحادث وحفروا حفرة ودفعوا الجثث المصرية وغطوها بالتربة”.
وبينت الصحيفة أن بلوخ، الذي كان قائداً للسرب 122 (نحشون) وآخرين شاهدوا بفظاعة جنوداً ينهبون ممتلكاتهم الشخصية ويتركون المقبرة الجماعية بدون شواهد”. وبعد رفع الرقابة العسكرية يضيف بلوخ أن حجاب الصمت يناسب الجميع؛ القلة الذين عرفوا لم يرغبوا في الحديث عنه؛ شعرنا بالخجل؛ ولكن قبل كل شيء كان قرار الجيش الإسرائيلي في خضم الحرب، وفق الصحيفة.
وفي حرب 1967، هزم الجيش الإسرائيلي الجيوش العربية، واحتل الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية (كانت تحت السيطرة الأردنية) وقطاع غزة (كان تحت السيطرة المصرية)، وشبه جزيرة سيناء، ومرتفعات الجولان السورية.
وفي ابريل/نيسان من العام 2019، أعلن الجيش الإسرائيلي استعادة رفات أحد جنوده المفقودين في لبنان منذ اجتياحها لبنان في عام 1982، وذلك عبر دولة ثالثة. وتم نقل جثة الجندي، زخاريا باومل، المولود في الولايات المتحدة بعد 37 عاما من فقدانه في معركة السلطان يعقوب في سهل البقاع اللبناني قرب الحدود السورية يومي العاشر والحادي عشر من حزيران/يونيو 1982 حيث كان يقود إحدى الدبابات الإسرائيلية.
وكان واحدا من ثلاثة جنود لا يزالون في عداد المفقودين منذ هذه المعركة، لكن رفاته عادت قبل أربعة أيام على متن طائرة إسرائيلية من دولة ثالثة تولت الوساطة مع لبنان، وشارك في العملية وكالات المخابرات الإسرائيلية . ولم يكشف الجيش الإسرائيلي عن معلومات إضافية عن العملية، لكن القناة 13 التليفزيونية قالت إن الدولة الثالثة هي روسيا.
وأعلن المتحدث باسم الجيش الروسي إيغور كوناشينكوف، في سبتمبر/أيلول الماضي، أن إسرائيل “ناشدت روسيا مساعدتها في العثور على رفات الجنود الإسرائيليين الموجودين في مناطق محددة في سوريا”، وأضاف أنه تم ترتيب عملية البحث “بعد موافقة روسيا على العملية مع شركائنا السوريين”.
القضاء المصري يدخل على الخط
في حكم تاريخي في يناير من العام 21017، ألزمت المحكمة الإدارية العليا، الحكومة المصرية، بالحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (أول درجة)، باتخاذ الإجراءات الكفيلة بالقصاص للأسرى المصريين خلال حربي عامي 1956 و1967، وتعويضهم عما لحق بهم من جرائم قتل وتعذيب، ومقاضاة إسرائيل دوليا، رافضة الطعن المقدم من الحكومة على ذلك الحكم.
واستندت المحكمة في حكمها إلى أن “الدولة ملزمة بالدفاع عن مصالح وحقوق مواطنيها في مواجهة غيرها من الدول، لا سيما في الحالات التي تكفل فيها قواعد القانون الدولي للأفراد حق مقاضاة الدول الأجنبية”.
وهذا ثاني حكم يصدر عن المحكمة نفسها (الإدارية العليا)، برفض طعن للحكومة على حكم محكمة أول درجة، في أقل من أسبوع، فيما عدّه مراقبون ونشطاء “صفعة جديدة للسيسي، إذ أصدرت المحكمة، في حكم نهائي مماثل، يوم الاثنين 16 كانون الثاني/ يناير الحالي، حكمها برفض طعن الحكومة على حكم محكمة القضاء الإداري، ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية، التي تقضي بتبعية جزيرتي تيران وصنافير في البحر الأحمر للمملكة.
وكان عدد من أهالي الضحايا في حربي 1956 و1967 أقاموا دعوى قضائية، طالبوا فيها الحكومة بمقاضاة إسرائيل دوليا، جرَّاء ما لحق بهم من أضرار وتعذيب وجرائم خلال الحربين، مشيرين إلى أن تلك الجرائم لا تسقط بالتقادم، وأنها تمثل جرائم حرب، وأنه لا بد أن يتم تعويضهم.
وفي حيثيات حكمها غير المسبوق، قالت المحكمة إن أوراق الدعوى أظهرت أن الحكومة المصرية فرطت في دماء الشهداء الذين استشهدوا في الأسر على يد جنود إسرائيليين، وتهاونت في حق الأسرى الذي عُذبوا في الأسر، وخذلت حقوق المواطنين؛ بتقاعسها عن مطالبة إسرائيل بالتحقيق في تلك الجرائم.
وأضافت المحكمة أنه ثبت لها من الأوراق أن أفرادا من جيش الاحتلال الإسرائيلي ارتكبوا جرائم قتل وتعذيب للأسرى المصريين من العسكريين، بعد وقوعهم في الأسر عامي 1956 و1967، كما قتلوا وعذبوا مواطنين مدنيين ليست لهم صفة عسكرية من الموظفين والعمال والأفراد العاديين، حسبما كشفت الأوراق.
وأشارت إلى أن بعض أفراد الجيش الإسرائيلي أفصحوا لوسائل الإعلام الإسرائيلية عن ارتكابهم تلك المجازر الوحشية في حق أبناء مصر، كما أقدم الجيش الإسرائيلي على قتل المدنيين المصريين في مدن القناة، ودمر مساكن وممتلكات المواطنين عام 1967، وأثناء حرب الاستنزاف.
وأكدت المحكمة أن ما أقدم عليه الجيش الإسرائيلي من أعمال تشكل جرائم حرب وإبادة للجنس البشري، وأنها ارتكبت حروبا عدوانية غير مشروعة -وفقا للقانون الدولي- لا تسقط بالتقادم .
واستطردت بأن اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949، التي وقعت عليها مصر وإسرائيل، توفر لمصر الحق في مطالبة إسرائيل بإجراء التحقيق في الادعاءات بقتل الأسرى المصريين، وأن تلتزم إسرائيل بإجراء التحقيق وملاحقة المتهمين، كما تتيح بنود “معاهدة السلام” الأمر نفسه.
وعلى صعيد موقف الحكومة المصرية إزاء ما سبق، قالت المحكمة إن الحكومة المصرية -ممثلة في وزارة الخارجية- لم تقم في مواجهة بث التلفزيون الإسرائيلي للفيلم الوثائقي “روح شاكيد”، الذي يظهر مقتل 250 جنديا مصريا خلال حرب 1967 على أيدي الجيش الإسرائيلي، سوى بإجراءات دبلوماسية خجولة ومحدودة الأثر، ولا ترقى لمستوى الحدث.
وشددت المحكمة أن ما اتخذته وزارة الخارجية من إجراءات لم يثبت أن أيا منها قد أحدث أثرا، كما لم يثبت أن وزارة الخارجية تابعت المطالبة، أو صعدت من وسائلها الدبلوماسية والقانونية.
تقاعس حكومي مصري
وقالت المحكمة: “لم تقدم وزارة الخارجية حتى حجز ذلك الطعن للحكم، وعلى مدى سنوات أعقبت صدور حكم محكمة القضاء الإداري، ما يثبت أنها قامت بما يجب عليها في سبيل محاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين الذي قتلوا أسرى الحرب والمدنيين المصريين، برغم وجود الآلية القانونية التي تتيح ذلك”.
وأشارت المحكمة إلى أن هيئة القضاء العسكري أرسلت ردا على الدعوى دفعت فيه برفض الدعوى على سند أنه يوجد بقيادات المناطق العسكرية والجيوش مقابر للشهداء يُرمز لها بمقابر الجندي المجهول، وأن مجهودات القوات المسلحة تتم وفقا لما تتيحه الاتفاقيات الدولية المنظمة لأسرى الحرب.
وردا على ذلك، قالت المحكمة إن ذلك الرد لم يحدد أي إجراء أو عمل اتخذ بالفعل للمطالبة بحقوق أفراد القوات المسلحة الذين قتلوا في الأسر أو عذبوا وفقا لما تتيحه اتفاقية جنيف الثالثة الخاصة بحماية أسرى الحرب، كما لم يحدد أي عمل أو إجراء فعلي اُتخذ للمطالبة بالتعويض عن قتل وتعذيب الأسرى المصريين، وفقا للمادة الثامنة من “معاهدة السلام” المبرمة مع إسرائيل.
وشددت المحكمة أن التكريم الحقيقي للشهداء من الأسرى يكون بعقاب من قتلهم غدرا، وبإلزام دولة العدوان بتعويض ذويهم، حتى لا يتجرأ أحد على ارتكاب تلك الجرائم بحق جيش مصر، مستطردة: “أما إذا هان المواطن المصري على دولته، فإنه يهون على الدول الأخرى”.
ونبهت المحكمة إلى أن من الوقائع والمعلومات المعلومة للكافة أن إسرائيل وغيرها من الدول الأجنبية اتخذت إجراءات لدى السلطات في مصر في أكثر من واقعة تتعلق بحماية حقوق مواطنيها، ومنها حالات تتعلق بمواطن واحد، واستجاب مجلس الوزراء ووزارة الخارجية في مصر، ووفرت الحماية الجنائية، ودفعت التعويضات للأجانب، ومن ثم فيجب عليها، إن لم تبادر إلى القيام بواجبها في حماية حقوق المواطنين المصريين، خضوعا لأحكام الدستور الذي يلزمها بذلك، أن تتدخل لحماية تلك الحقوق، إعمالا لمبدأ المعاملة بالمثل بين الدول.
وشددت أن أوراق الدعوى والطعن كشفت وأظهرت أن الجهة الإدارية فرطت في دماء الشهداء الذين استشهدوا في الأسر على يد أفراد الجيش الإسرائيلي، وتهاونت في حق الذين عذبوا الأسرى، وفي حق المدنيين الذين أضيرت أملاكهم وحقوقهم بسبب العدوان الإسرائيلي، وأنها لم تسع إلى حقهم، وتقاعست عن مطالبة إسرائيل بتعويض ذوي الأسرى والمدنيين، إلى جانب تعويض الأسرى الأحياء، ومن توفي منهم أيضا، مع توافر الوسائل القانونية التي تملكها جهة الإدارة”.
وخلص قرار المحكمة إلى أنه “لهذه الأسباب حكمت المحكمة، بإجماع الآراء، برفض الطعن، وألزمت جهة الإدارة بالمصروفات”. وصدر الحكم برئاسة المستشار محمد أبو ضيف، وعضوية المستشارين سامي درويش ومحمود شعبان.
المصدر: الشادوف+صحف اسرائيلية