كشفت وزارة الطاقة الأمريكية النقاب عن تحقيق علماء أميركيين لما وصفته بـ” اختراق علمي كبير في مجال الطاقة النووية”.
وقود وفير، بلا خطر حدوث كارثة نووية، ومن دون مخاوف من نفايات مشعة دائمة. إنه “الاندماج النووي”، العملية التي توصل إليها بنجاح باحثون أميركيون هذا الشهر، والتي من المحتمل أن تحمل مزايا كبيرة لمحطات الطاقة النووية القائمة التي تتبع طريقة مختلفة تماماً في العمل.
إذا طوُر الاندماج النووي بشكل يسمح بتشغيله في محطة للطاقة، وليس فقط مجرد مختبر حكومي متقدم، فإن بمقدوره توفير مصدر نظيف للطاقة يجنبنا العديد من المصاعب التي شابت الطاقة النووية لعقود.
وذكرت الوزارة الثلاثاء أن تجربة انصهار نووي قد نتج عنها طاقة أكبر مما تم استهلاكه، معلنة عن حدوث اختراق كبير في مجال الطاقة النووية قد يحدث يوماً ثورة في إنتاج الطاقة على الأرض.
وأوضح مختبر لورانس ليفرمور الوطني التابع لوزارة الطاقة الأمريكية في تغريدة أنّ تجربة أجراها الأسبوع الماضي “أنتجت من خلال الاندماج النووي كمية أكبر من الطاقة” المستخدمة في أجهزة الليزر لبدء التفاعل. ويمثل الاختراق نقطة تحول على طريق تطوير مورد جديد للطاقة، يمكن ربما يوما ما، أن يولد الكهرباء بكميات هائلة بطريقة مستدامة وآمنة.
وفي مؤتمر صحفي، أعلنت وزيرة الطاقة الأمريكية، جينيفر غرانهولم، أن الولايات المتحدة حققت اختراقا علميا في مجال الاندماج النووي، وصفته بـ”العظيم” في مجال الطاقة، مشيرة إلى أنه سينهي الاعتماد على الوقود الأحفوري، لكن خبيرا قال إن الأمر سيستغرق عقودا.
وقالت غرانهولم في مؤتمر صحفي في واشنطن إن الاختراق حدث “لأننا استثمرنا في مختبراتنا الوطنية وفي أبحاثنا” “وغدا سنستمر في العمل من أجل مستقبل تكون فيه الطاقة بهذا الاندماج النووي”.
وقالت غرانهولم: “لحسن الحظ، الاستثمار في القطاع الخاص كبير وقد وصل إلى 3 مليارات دولار العام الماضي، سمعنا أيضا من الأساتذة أن الطلبة مهتمين بهذا الأمر”.
وأكدت أن “إدارة بايدن وهاريس تريد أن تستغل هذه الفرصة وإعلان اليوم هو خطوة عظيمة إلى الأمام نحو الهدف الرئيس وهو تحقيق الاستقلال على صعيد الطاقة خلال عقد”. وقالت إن السلطات تعمل على تحقيق رؤية الرئيس بايدن في مجال الطاقة بتكلفة أقل ومراعاة البيئة. واعتبرت وزيرة الطاقة الأمريكية أن “الاختراق سيسجل في كتب التاريخ”.
أما الدكتورة أراتي برابكر مديرة ساسية العلوم والتكنولوجيا في البيت الأبيض فقالت إن الاختراق جاء تتويجا لجهود استمرت لعقود حتى نجحت الأسبوع الماضي في توليد طاقة ناتجة عن الاندماج النووي. وأضاف أن الطاقة الناتجة الناجمة أكبر من تلك التي جرى استعمالها، في مختبر ليبر مور الوطني للطاقة بولاية كاليفورنيا
ويعمل العلماء منذ عقود على تطوير الاندماج النووي – الذي وصفه مؤيدوه بأنه مصدر نظيف ووفير وآمن للطاقة يمكن أن يسمح للبشرية في نهاية المطاف بإنهاء اعتمادها على الوقود الأحفوري الذي يعد السبب في أزمة المناخ العالمية. وقالت “واشنطن بوست”، إن الهدف من هذا الاندماج، هو استخدام أسلوب مشابه لعملية التفاعل النووي، التي تنتج عنها طاقة الشمس.
والطاقة التي ستنتج عن عملية الدمج في هذا الكشف، ستكون من مصادر الطاقة النظيفة الخالية تماما من الانبعاثات الكربونية، والتي كان يسعى العلماء للوصول لها منذ حقبة الخمسينيات من القرن الماضي، وبذلك بها آلاف الساعات ومليارات الدولار من التطوير والأبحاث.
كل المحطات النووية الحالية تستخدم طريقة “الانشطار”، أي فصل الذرات عن بعضها، عوضاً عن “الاندماج” الذي يعتمد على دمجها معاً، حيث يجري تغذية محطات الانشطار بواسطة حبيبات اليورانيوم المحشوة داخل قضبان معدنية طويلة. هذا الأمر يتطلب استخراج اليورانيوم وتنقيته، حيث يبقى بعد استخدامه مشعاً لآلاف السنين. وما لم تتم معالجتها من جديد، يجب تخزين هذه النفايات ومراقبتها بعناية لعقود طويلة.
الاندماج النووي كمصدر وقود
لكن على النقيض من الانشطار، يحدث الاندماج عن طريق مزج نظيرين للهيدروجين، وهو العنصر الأكثر وفرة في الكون. أحد هذين النظيرين، هو الديوتيريوم (الهيدروجين الثقيل)، وهو موجود بوفرة في مياه البحر، أما الآخر فهو التريتيوم، ويمكن تصنيعه عن طريق تعريض الليثيوم -وهو المعدن نفسه المستخدم في البطاريات- للنيوترونات.
تمزج عملية الاندماج هذين النظيرين للهيدروجين في الهيليوم، دون وجود مخلفات مشعة طويلة العمر، حيث إن النيوترونات الناتجة عن التفاعل مع مرور الوقت، ستجعل مواد المفاعل نفسها مشعة، لكنها أقل بكثير من نصف عمر تلك التي تخلفها المحطات التي تعمل بالانشطار.
أشار المدافعون عن طريقة الاندماج النووي، إلى أن أنواع مفاعلات الاندماج التي تطور اليوم، تتميز بأنها لا تنصهر أيضاً، وهو ما حدث عندما وقعت كارثة محطة فوكوشيما دايتشي النووية في 2011. ويتطلب اشتعال مفاعل الاندماج كمية هائلة من الطاقة. لذلك، إذا ظهرت أي مشكلة أثناء عملية توليد الطاقة، يتوقف المفاعل بدلاً من الاستمرار في نشاطه التفاعلي الكبير.
لكن هذا يشير إلى أحد الأسباب التي قد تؤخر انتشار وقود الاندماج في السوق لعقود، هذا إذا وصل أصلاً. وذلك لأن الاختراق الذي أعلنت عنه وزارة الطاقة الأميركية، أمس الثلاثاء، تضمن الإشعال المؤقت لكبسولة وقود واحدة فقط، وهذا لا يكفي لتشغيل محطة طاقة كاملة.
كيمبرلي بوديل، مديرة مختبر لورنس ليفرمور الوطني الذي جرى التوصل فيه إلى هذا الإنجاز قالت: “هناك عقبات كبيرة جداً، ليس على مستوى العلوم وحسب، وإنما في التكنولوجيا أيضاً.. فما جرى إنجازه مجرد كبسولة واحدة مشتعلة، ولمرة واحدة فقط”.
المصدر: الشادوف_ وكالات