صدرت تعليمات رسمية من القيادة السياسية للقضاة بضرورة حسم وإنهاء موقف القضايا المدنية والاقتصادية المتراكمة بالمحاكم لمدد تتراوح بين 10 و20 عاماً مضت، والتي تقدر أعدادها بالآلاف، وذلك قبيل حلول العطلة القضائية في مطلع يوليو/ تموز المقبل ليتسنى دخول ميزانية التعويضات والأموال المستحقة للدولة ضمن الموازنة الحالية التي تنتهي بنهاية الشهر الجاري.
وأكدت مصادر قضائية مصرية، في تصريحات لصحيفة “العربي الجديد”، أن “التوجيه الذي وصل إلى الدوائر القضائية يستهدف إنعاش خزينة الدولة بالغرامات والاستحقاقات المالية من خلال النظر في المنازعات القضائية المعلقة منذ سنوات طويلة”، وأشارت إلى أن “هناك حالة غضب بين القضاة بسبب العدد الكبير من القضايا التي يتعين إنجاز أحكامها، والمدى الزمني القليل المحدد لحسمها وإغلاقها وغياب أية حوافز مادية أو معنوية للانتهاء منها.
ولفتت المصادر إلى أن “من بين الأسباب التي أدت لتزايد حالة الاحتقان بين القضاة المصريين هو عدم صرف أي حوافز أو زيادة للبدلات المالية لهم، بما يتلاءم مع الزيادة الكبيرة التي طرأت على أسعار السلع والخدمات، وبما يوازي الحوافز والامتيازات التي حصل عليها العاملون في جهات سيادية أخرى بالدولة”.
وأوضحت المصادر أن “وزير العدل المصري عمر مروان اجتمع أخيراً مع عدد من رؤساء المحاكم ورئيس نادي القضاة محمد عبد المحسن، وأبلغهم بأنه سينقل مطالبهم المتعلقة بالجوانب الاقتصادية إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي”.
واجتمع السيسي، السبت الماضي، مع وزير العدل. ووفقاً لبيان رسمي صادر عن رئاسة الجمهورية، استعرض مروان “الجهود الجارية من قبل الوزارة لتطوير منظومة التقاضي المتعلقة بالأسرة المصرية، وذلك لتحقيق الاستقرار المنشود في المجتمع المصري والحفاظ على حقوق جميع أعضاء الأسرة”.
كما استعرض “الجهود المبذولة من جانب رجال القضاء المصري لتحقيق العدالة الناجزة، بالتعامل مع عدد هائل من القضايا المطروحة يومياً أمام المحاكم المصرية بكل أشكالها”.
وأشار البيان إلى استحداث السيسي وساماً جديداً تحت مسمى “وسام القضاء المصري” يخصص لرؤساء وأعضاء الهيئات القضائية السابقين أو لاسم من توفي منهم، تقديراً لمسيرة عطائهم القضائية، فضلاً عن استحداث تقليد جديد يقضي بمنح شهادات تقدير موقعة من الرئيس لأعضاء الجهات والهيئات القضائية أصحاب الأعمال المتميزة خلال العام القضائي.
وتعليقاً على ذلك، قالت المصادر القضائية إن “الخطوات التي أُعلن عنها عقب اجتماع مروان والسيسي، تأتي في إطار امتصاص حالة الغضب لدى القضاة، في ظل تنامي الشعور لديهم بتراجع تقديرهم مجتمعياً لصالح فئات أخرى، بخلاف تنامي دور ضباط وقيادات جهاز الأمن الوطني، الذين باتت تقاريرهم بشأن أعضاء ورؤساء الهيئات القضائية محدداً أساسياً للترقيات وتقلد المواقع المهمة”.
من جهة أخرى، “نقل عدد من رؤساء الهيئات القضائية لوزير العدل، غضبهم بشأن التصريحات الأخيرة الصادرة عن عدد من الشخصيات السياسية بشأن الحوار الوطني الذي دعا له السيسي، وما حملته من إشارات عن دور الأجهزة الأمنية ووزارة الداخلية في إطلاق سراح عدد من النشطاء والسياسيين بالمخالفة للأعراف القضائية”، بحسب المصادر.
وأوضحت المصادر أن “رؤساء الهيئات القضائية اعتبروا هذا الملف شأناً قضائياً، ولا بد أن تكون جميع القرارات والتصريحات الصادرة بشأنه من الجهات القضائية المعنية، سواء النيابة العامة أو رؤساء المحاكم”.
وأضافت أن “إطلاق يد الأجهزة الأمنية في هذا الملف من دون التنسيق مع النيابة العامة والهيئات القضائية ذات الصلة، من شأنه الإساءة لهذه الجهات، كما أنه يسيء إلى صورة القضاء المصري برمته”.
وشهدت الفترة الماضية إخلاء سبيل عدد من النشطاء الذين كانوا محبوسين احتياطياً على ذمة قضايا سياسية، على الرغم من تجاوز الغالبية العظمى منهم المدد القانونية للحبس الاحتياطي والتي تبلغ عامين. وجاء إطلاق سراح بعض هؤلاء بعد إعادة تفعيل لجنة العفو الرئاسي، وضم شخصيات سياسية محسوبة على المعارضة.
الحوار الوطني يحرج القضاة..كيف؟!
وفي هذا الصدد، تم إطلاق سراح اثنين من الشخصيات السياسية الصادرة بحقهما أحكام قضائية بعفو رئاسي، وهما حسام مؤنس، مدير الحملة الانتخابية للمرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي، ويحيى حسين عبد الهادي، مؤسس “الحركة المدنية الديمقراطية”.
وجاء إطلاق سراح عبد الهادي بعد أيام قليلة من صدور حكم بحبسه لمدة 4 سنوات في اتهامات متعلقة بنشر أخبار كاذبة تمثلت في مقال رأي انتقد فيه التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية.
وأوضحت المصادر أن المخالفة القانونية التي وقعت في الإفراج عن حسام مؤنس، كانت أحد أسباب إحراج المنظومة القضائية في مصر. إذ إنه بمجرد صدور قرار بالعفو الرئاسي عن مؤنس، المحكوم عليه من قبل محكمة جنح أمن الدولة طوارئ مصر القديمة، بالحبس 5 سنوات، بتهمة نشر وبث بيانات وشائعات كاذبة في القضية التي تحمل رقم 957 لسنة 2021، استعجلت الأجهزة الأمنية وأفرجت عنه فوراً تنفيذاً لرغبة الرئيس.
وجاء هذا الإفراج، وفق المصادر، من دون النظر إلى أن مؤنس محبوس بقرار من النيابة العامة، على ذمة التحقيقات في قضية أخرى وهي التي تحمل رقم 930 لسنة 2019 حصر أمن دولة عليا، والمعروفة إعلامياً بـ”خلية الأمل”، والمحبوس فيها أيضاً كل من الناشط زياد العليمي، والصحافي هشام فؤاد وآخرين.
وقالت المصادر إن “إخلاء وزارة الداخلية سبيل مؤنس بمجرد نشر قرار العفو الرئاسي في الجريدة الرسمية، بشكل عاجل ومن دون النظر إلى أنه محبوس بقرار من النيابة العامة على ذمة قضية أخرى، أحرج النيابة العامة، وكشف عن أن قرارات الاعتقال والحبس وإخلاء سبيل المواطنين، أمر تحتكره السلطات الأمنية”.
ولفتت المصادر إلى أن “الإحراج الذي تسببت فيه واقعة الإفراج عن مؤنس، حاولت الأجهزة الأمنية تجنبه عند إخلاء سبيل الناشط يحيى حسين عبد الهادي، تنفيذاً لقرار بالعفو الرئاسي عنه، بعدما صدر حكم بحبسه أربع سنوات”.
وأوضحت المصادر أن عبد الهادي “كان محبوساً بقرار من النيابة العامة على ذمة قضية أخرى، ويجدد حبسه بمعرفة القاضي، ولذلك فإنه قبل إخلاء سبيله تنفيذاً للقرار الرئاسي، أصدرت النيابة العامة قراراً بإخلاء سبيله في القضية الأخرى، تجنباً للحرج”.
وكان عبد الهادي ضمن المتهمين في القضية المعروفة إعلامياً باسم “اللهم ثورة” عام 2019، إذ أسندت السلطات المصرية للمتهمين في هذه القضية اتهامات تتعلق بـ”الانضمام لجماعة أنشئت خلافاً لأحكام القانون تعمل على منع مؤسسات الدولة من أداء عملها، والإعداد والتخطيط لارتكاب أعمال عنف خلال شهري يناير/ كانون الثاني وفبراير/ شباط عام 2019، واستغلال ذكرى ثورة يناير للقيام بأعمال تخريبية ونشر الفوضى في البلاد”.
المصدر: الشادوف+العربي الجديد