أكد مصدر مقرب من أسرة الشاب المسيحي مينا عبد السيد عطية الله (21 سنة) أن الأسرة تتعرض لضغوط شديدة من جهات أمنية مصرية ومن الكنيسة أيضا لتتوقف عن المطالبة بكشف ظروف وملابسات مصرع الشاب بعد العثور علي جثته فى أحد بيارات الصرف الصحي بمدينة السادس من أكتوبر، وعليها آثار تعذيب شديدة وحروق.
جاء ذلك فيما قررت النيابة العامة تشريح الجثمان بمعرفة الطب الشرعى لتحديد أسباب الوفاة، وطلبت تحريات أجهزة الأمن لكشف ملابسات الواقعة، ونفى مصدر أمنى صحة ادعاءات من وصفهم بـ” بعض العناصر الإثارية الهاربة بالخارج” حول ظروف وفاة مينا عبدالسيد عطيه الله، مؤكدا أن حقيقة الواقعة تتمثل في سابقة قيام والده بالإبلاغ عن تغيب نجله عن المنزل.
وأضاف المصدر أن الشاب مينا عبد السيد 21 سنة يعانى من بعض الإضطرابات النفسية والعصبية وحالات اكتئاب وضعف في الإبصار بسبب ضمور بخلايا المخ منذ ولادته، وبتاريخ 29 يناير الماضى عثر أحد العاملين بمحطة الصرف الصحى بحدائق أكتوبر بالجيزة على جثمان المذكور داخل بيارة الصرف الصحى، وتعرف أهله عليه، وتم اتخاذ الإجراءات القانونية وتولت النيابة العامة التحقيق.
وشككت أسرة مينا في ظروف اختفاء ابنهم قسريا عشية احتفالات الذكرى الحادية عشرة لثورة 25 يناير واستمر اختفائه 5 أيام حتى تم العثور على جثته وعليها آثار تعذيب بشعة وحروق في الوجه واليدين ومناطق متفرقة من الجسم.
«مينا»، الحاصل على بكالوريس التعاون الزراعي، لم يكن لديه عداوات مع آخرين، ووالده يصفه بأنه «كان شبه الملايكة بأعماله، معاه الكتاب المقدس (قديم وجديد) على طول في شنطته، وله صلوات كتيرة في اليوم، دا بتاع ربنا، دا بتاع سما».
يتذكر تفاصيل المكالمة الأخيرة مع ابنه: «الاثنين اللى فات، اتصل علىّ الساعة 6 و6 دقائق كان خارج من عمله بعدما خد أوراقه وأنهى علاقته بالمكان، وقال لىّ: أنا راجع على البيت، ومن ساعتها اختفى لحد ما لقيناه جثة».
«مينا»، وفق والده «ساب شغله لأنه جسمه كان ضعيفًا، وهو اشتغل بالمحل يومين وبعدين عربية داست على رجله فخد إجازة 4 أيام ورجع تانى اشتغل 3 أيام وخد إجازة 11 يومًا علشان أعياد المسيحيين وبعدها قرر ترك العمل باتفاق بينه وبين الإدارة».
ومع وجود آثار حروق على جسد «مينا»، والده لم يتهم أحدًا بعينه بمحضر الشرطة لكنه في الوقت ذاته، قال : «عاوز أشوف فيديوهات أو أي حاجة تؤكد إنه مثلًا وقع غصب عنه، ولو حد عمل فيه كده يتقبض عليه»، ولذلك يعول على مصلحة الطب الشرعى لحسم جدل وجود شبهة جنائية من عدمه «إحنا مش عارفين وشه وجسمه كانوا محروقين كده تعذيب.. ولا المياه حللت الجثة؟!!»، لكن والدته تؤكد انه تعرض للتعذيب من جانب الشرطة وانهم ألقوه فى البئر في نفس يوم إبلاغهم بالعثور عليه.
واستدلت الأم التي تعمل موظفة بهيئة الاسعاف المصرية بالقول إن الجثة لم تكن متحللة أو منفوخة بفعل المياه، والجلد على الجثة لم يتحلل بفعل المياه بينما يؤكد الأب انه يريد رؤية فيديوهات كاميرات المراقبة في محيط مكان الواقعة، ويقول: «لقينا الجثة داخل البئر عند محطة زويل وشكله وقع في بيارة وجرفته المياه لحد المكان دا».
وفي عبارة أخرى تشير الى شكوك الأسرة، قال الأب: بعد العثور على الجثة، اتصلت الشرطة على هاتف خال «مينا، اتصلوا بينا من تليفون مينا، وعرفنا إنه لما وقع في المياه خط الموبايل لم يُتلف، وطلعوه، وقالوا لنّا في الأول علشان لا نٌصدم: تعالوا لقينا مينا، وافتكرنا إنه عايش، وبوصولنا القسم قالوا: البقاء لله».
ووجه الاستغراب هنا، هو كيف يقع في بيارة الصرف الصحي ويظل فى المياه عدة أيام بينما يظل تليفونه أو حتى شريحة التليفون تعمل ، ثم تجدها الشرطة وتتصل بالأسرة منها، ويتمالك الأب أعصابه بالكاد، وقلبه لم يهدأ للحيرة التي انتباته: «يا عالم ابنى ملوش عداوات، كان عاوز يسلك سلك الرهبنة، حاسس إنه مختلف عن الناس، ولو عيل صغير غلط فيه كان بيقول له: الله يسامحك، الناس كلها بتحلف بيه».
نجوى كامل، والدة مينا، ناشد “الرئيس” عبدالفتاح السيسى بالقول : «يا سيادة الرئيس كان عندنا أمل مينا يرجع في حضننا تانى لكن رجع جثة محترقة عليها آثار تشبه التعذيب، واستلمت ابني والكدمات في عينه وحروق في جسمه، نريد فقط أن نعرف كيف مات ولو اتقتل، من قتله، وليه قتله؟!».
جاءت تلك الواقعة المثيرة للجدل بخصوص المواطن المسيحي مينا عبد السيد غداة الذكرى الحادية عشرة لثورة 25 يناير 2011 لتتزامن مع واقعة اختفاء قسري أخرى لشاب مسلم من ثوار 25 يناير وهو هيثم البنا عضو حزب الدستور المصري حيث ألقت الشرطة القبض عليه من منزله، منذ يوم الأحد 30 يناير/كانون الثاني الماضي، وأخفته قسرياً حتى الآن، بسبب منشور كتبه عن ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 في ذكراها الحادية عشرة.
وعلى وسم “هيثمالبنافين”، قالت شقيقته شيماء البنا: “إن قوة أمنية أخذته من بيته، من حضن أمه يوم الأحد الساعة 12 صباحاً، وحتى تلك اللحظة فإن هيثم مختف قسريا ولا نعرف عنه أي شيء، أمه حرفياً بتموت.. كل الموضوع أنه كتب منشورين على صفحته بيفتكر فيهم ثورة يناير.. هيثم عمره ما أذى أحدا. أحنّ وأجدع إنسان في الدنيا.. مسالم جداً وبيحب الخير للناس أكثر ما بيحبه لنفسه”.
وطلبت شقيقة هيثم البنا من جميع أصدقائه ومعارفه تفعيل وسمي “هيثم البنا فين” و”رجعواهيثمالبنا_لوالدته”.
ويعدّ الاختفاء القسري في مصر، واحداً من أبشع الجرائم التي يرتكبها النظام السياسي الحالي بحق معارضيه، ولا يُستثنى من ذلك المعارضون ذوو الشهرة والتأثير على الرأي العام، أو المواطنون العاديون، ممن لم يسمع عنهم أحد من قبل.
وتعد جريمة الإخفاء القسري، انتهاكاً صريحاً لنصوص الدستور والمواثيق والمعاهدات الدولية. إذ تنص المادة 54 من الدستور المصري على: “الحرية الشخصية حق طبيعي، وهى مصونة لا تُمس، وفيما عدا حالة التلبس، لا يجوز القبض على أحد، أو تفتيشه، أو حبسه، أو تقييد حريته بأي قيد إلا بأمر قضائي مسبب يستلزمه التحقيق”.
وفي أغسطس/آب 2020، حصلت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، منظمة مجتمع مدني مصرية، على حكم قضائي بإلزام وزارة الداخلية المصرية، بالبحث والكشف عن مصير المختفين قسرياً، وعدم الاكتفاء بنفي وجودهم في مقار الاحتجاز والسجون، وهو حكم قضائي يعد الأول من نوعه، لكن لم ينفذ في أي واقعة منذ صدور الحكم وحتى الآن.
ونص الحكم على أنه “ينبغي على المسؤولين بوزارة الداخلية الامتثال لحكم القضاء الإداري، وأن تقوم بدورها المحدد دستورياً وقانونياً وتأديته على الوجه اﻷكمل، ومن أهم تلك الواجبات العلم بمكان تواجد أي مواطن وإقامته ما دام حياً، وأن تقوم بما تملكه من أجهزة بالبحث والتحري عن مكان أي مواطن يختفي، وأن تحدد مكانه أو تبين مصيره، ولا يجوز لها الاكتفاء بذكر أن المواطن غير موجود بالسجون، وإلا اختل اﻷمن والنظام في المجتمع وسادت الفوضى والاضطرابات، وأضحي التزام وزارة الداخلية وواجبها في المحافظة على أرواح المواطنين ليس إلا تسجيلاً في سطور، ومداداً على ورق دون أدنى فائدة ترجى منه”.
المصدر: الشادوف+مواقع التواصل+صحف