تعيش الشقيقة تونس خلال هذه الساعات لحظة عصيبة في مسيرتها المتعرجة فى مسار الديمقراطية منذ نجاح ثورة الياسمين، باكورة ثورات الربيع العربي، وأكثرها استقرارا منذ بداية العام 2011.
الرئيس التونسي قيس سعيد قام منذ لحظات بتجميد البرلمان وسحب الحصانة من كافة أعضاء المجلس التشريعي، وإقالة الحكومة برئاسة هشام المشيشي، كما نصب نفسه مدعيا عاما للبلاد بذريعة محاكمة الفساد. أي أن الرئيس المنتخب قام بتجميد صلاحيات البرلمانيين المنتخبين، كما أقال الحكومة التي أقرها البرلمان، واعتدى على السلطة القضائية بتنصيب نفسه مدعيا عاما للبلاد.
باختصار، فإن قيس سعيد قام بتعطيل السلطة التشريعية، وصادر السلطة التنفيذية لمصلحته وركزها بين يديه.. كما اجترأ على السلطة القضائية!! فهل في ذلك عودة الى النموذج الأثير فى حكم الشعوب العربية: حكم الطغيان أو الاستبداد !!
نرى حاليا مشاهد على التلفاز في تونس الحبيبة، سبق أن رأيناها فى مصر.. نخب طامحة للحكم والسلطة تفتقر الى جماهيرية شعبية.. خذلتها صناديق الانتخابات.. وأغلبية شجعتها الصناديق، لكن قادتها لا يتمتعون بالمرونة السياسية الكافية أو الحصافة اللازمة للتعامل مع مثل تلك الأزمات.
المجتمع التونسي فى هذه اللحظات يقف على أطراف أصابعه..تجميد البرلمان الذي يمثل الشعب، وانتشار مجموعات من الغوغاء يشبهون جماعات “بلاك بلوك” بمصر بدأوا فى الهجوم على مقرات حزب النهضة التونسي برئاسة الغنوشي. الرئيس قيس سعيد يستعين بالجيش ويجتمع معهم بدون حضور رئيس البرلمان راشد الغنوشي، ويبدو أن الصراع بين الجانبين وصل الى طريق مسدود.
نفس السيناريو الذي حدث فى مصر عام 2013 مع اختلاف طفيف فى بعض التفاصيل الصغيرة غير الجوهرية فى السياق العام.
لا شك عندي أن فرنسا التي تولي أهمية كبري لتونس ودول شمال افريقيا تقف وراء أحد الفريقين، وربما تستغل رجالها فى الفريقين ليزداد اشتعال الموقف، فهي فى النهاية ومعها الغرب كله ستكون الرابحة من تأجيج تلك الخلافات.
ربما تقف وراء هذه الخلافات، بعض الكيانات الاقليمية الأخرى مثل اسرائيل والامارات العربية المتحدة وربما دول أخرى، تعادي جميعها فكرة الربيع العربي، وتريد ضرب ثورات الشعوب في مقتل إذا تم ضرب النموذج التونسي فى التعايش بين القوى السياسية ذات المظهر الاسلامي من ناحية، وبقية القوى السياسية الأخرى فى المجتمعات العربية والشرق أوسطية.
وقد تحدثت على التليفزيون الرسمي المصري، قبيل ساعات من الانقلاب العسكري الدموي فى مصر يوم 3 يوليو 2013، وحذرت من اتخاذ تدابير استثنائية متطرفة ..وحذرت من الانقلاب العسكري الذي تدفع مصر ثمنه باهظا حتى اليوم.
ومثلما حذرت قبل 8 سنوات في مصر، فإنني اليوم الأحد الموافق 25 يوليو 2012 ، أطلب من الأشقاء التونسيين أن يراجعوا تجربة مصر المريرة.. وأستعيد ما كتبته في صحيفة العرب القطرية يوم السبت 30 يوليو من العام 2016 بعنوان: الابتزاز الغربي للمنقلبين.
وفي هذا المقال كتبت التالي:
عنوان هذا المقال (الابتزاز الغربي للمنقلبين)، ليس دفاعا عن أية انقلابات سواء في مصر أو خارجها، لكنها كلمات ربما نحتاجها لكي نفهم الموقف الحقيقي في مصر، خصوصا بعد فشل انقلاب مروع في تركيا مؤخرا.
الموقف كالتالي: بعض السياسيين والنشطاء وقطاع من النخبة المصرية والعربية يعتبر -ولايزال- أن الغرب صديق لمصر، ويرغب في أن تقوى بلادنا وتزدهر، ولا أذيع سرا أنني كمواطن مصري -قبل سنوات قليلة فقط- كنت واحدا من هؤلاء!
بعد الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية، أصبح علي الاختيار بين مرشح العسكر (أحمد شفيق)، ومرشح الإخوان المسلمين (الدكتور محمد مرسي -فك الله أسره-)، ولجأت إلى فطرتي واستفتيت قلبي، فوقفت بكل ما أوتيت من قوة إلى جانب مرشح الثورة (مرسي)، ضد مرشح الثورة المضادة (شفيق)، لدرجة أنني قمت بأشياء غريبة من بينها المشاركة مع زملائي بالمؤسسة في وقفة احتجاجية أمام مبنى وكالة أنباء الشرق الأوسط بالقاهرة (رغم أنني كنت نائبا للمدير!) للاعتراض على ميل السياسة الصحفية والتحريرية للمؤسسة لصالح مرشح العسكر (أحمد شفيق)، وهذا الموقف مسجل وموجود على اليوتيوب.
المهم، عشت مع غيري من المصريين حلم الثورة الجميل بعد الانتخابات الرئاسية في يونيو من العام 2012 -رغم تحفظاتنا على أداء من يحكمون- لكن تقديري -في ذلك الوقت ولا يزال- أن آليات الديمقراطية أهم من أشخاص من يحكمون، سواء كأفراد أو جماعات، وأن وجود الشعب المصري -بكل أطيافه- في مربع الحكم وعدم استبعاده من جانب الحكام كفيل بتصحيح الأخطاء، استنادا إلى (معيار الصندوق الانتخابي)، الشعب هو الحكم على أداء من يحكمون.
وقفت بقوة ضد الانقلاب العسكري منذ ظهور بوادره الأولى قبل 3 يوليو 2013 بشهور طويلة، ولا زلت متمسكا بموقفي، وأدعو الله أن يثبتني عليه.
على كل الأحوال، لقد زاد اقتناعي حاليا بأن الغرب يقوم بإغراء النخب المصرية بوعود بمعونات ومساعدات اقتصادية ضخمة، وهذه الوعود هي المدخل للتأثير على من يصلون إلى الحكم والسلطة، لينصب للسذج والأغبياء من الحكام فخا وكمينا محكما!
يقيني أن تلك الوعود بالمساعدات قدمت للعسكر الانقلابيين قبل قيامهم بانقلابهم العسكري الدموي في مصر، وبعد أن قاموا بانقلابهم المشؤوم، تبخرت تلك الوعود، والدليل هو نتائج المؤتمرات الاقتصادية التي عقدت بمصر خلال الفترة الماضية، وخير دليل هو أن يتحسس المواطن جيبه ليرى بعد 3 سنوات ماذا قدم له هذا الانقلاب!
ثغرة الإغراء هي أيضا مدخل الغرب لابتزاز هؤلاء الحكام الانقلابيين، لأنه يتبخر على صخرة حاجة الانقلابيين للحصول على دعم الغرب لتأكيد شرعيتهم المجروحة، يتناسى العسكر الانقلابيون وعود الغرب بتحسين معيشة الشعب المصري، ويستبدلونها بدعم الغرب لشرعية جرحها انقلاب العسكر تمهيدا لإدخالهم مثل «ثور غبي» حظيرة مصالح الغرب وحروبه على بلادنا وديننا ومعتقداتنا. وبالمناسبة هذا الفخ بافتراض أن هناك حسن نية ومجرد طمع في الوصول للحكم من جانب بعض الانقلابيين من العسكر، مع إقراري الواضح والتام بعدم استبعاد الخيانة والتواطؤ بل والعمالة المباشرة من جانب بعض هؤلاء الانقلابيين لأسيادهم المتصهينين في الغرب وفي الكيان الصهيوني.
الى هنا انتهى المقال، لكن يبدو أن الأحداث الجسيمة فى تونس لم تكد تبدأ بعد. وربنا يستر !!
أحمد حسن الشرقاوي
سياسي وصحافي مصري
نائب مدير وكالة أنباء الشرق الأوسط ( أ.ش.أ) سابقا
مدير مكتب وكالة الأنباء المصرية ( أ.ش.أ) في لندن ( 2002-2006 )
@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@
الآراء الواردة فى مقالات الرأي تعبر عن صاحبها، ولا تعبر بالضرورة عن موقع الشادوف أو سياساته التحريرية