استيقظنا هذا الصّباح على إعلان الحُكومة السودانيّة عن إحباط “مُحاولة انقلابيّة” واتهمت حكومة الخرطوم ضُبّاطًا من فُلول النظام البائِد بتنفيذها، على رأسهم اللواء عبد الباقي بكراوي.. فمن هو بكراوي وما علاقته بالقاهرة ونظام السيسي في مصر؟!!
وقبل الدخول فى الموضوع ، أود القول إن أول معلومة يجب أن تعرفها في موضوع انقلاب السودان الفاشل هو أن الفترة الانتقالية التي يتعين بعدها أن يتم تسليم السلطة وإجراء انتخابات حرة ونزيهة فى البلاد هو شهر نوفمبر المقبل.. أي بعد شهرين فقط !
المعلومة الثانية، هي التساؤل المهم فى علم الجريمة والعقاب وهو: من المستفيد ؟! لأنك ببساطة لو حددت المستفيد فسوف تعرف الدافع وبالتالي يتم التوصل الى مرتكب الواقعة أو الجناية أو الجريمة.
لذلك لم أستغرب عندما ذكر مصدر عسكري يُعتقد انه وزير الدفاع لوسائل إعلام سودانية قبل قليل أنه “تم توقيف عدد من الضباط المتورطين” دون ان يحدد عددهم أو الجهة التي ينتمون اليها. وأن قائد المحاولة الانقلابية الفاشلة هو ( اللواء عبد الباقي بكراوي) ، إذ زعم عدد من المسؤولين العسكريين ومجموعة من وسائل الإعلام السودانية أن يكون لهذه الشخصية العسكرية دور في الأحداث الجارية.
اللواء بكراوي شغل العديد من المناصب في الجيش السوداني في عهد الرئيس المعزول عمر البشير حتى العام 2019 .
كان بكراوي عضواً في حزب المؤتمر الوطني الحاكم مع الرئيس المعزول عمر البشير، وتخرج من الكلية الحربية السودانية عام 1967 ثم نال شهادة الماجستير في العلوم العسكرية بكلية القادة والأركان عام 1981، ثم ماجستير العلوم العسكرية من ماليزيا في عام 1983، وزمالة أكاديمية السودان للعلوم الإدارية عام 1987. وقد شارك في حرب أكتوبر من العام 1973.
ذكرت وسائل إعلام سودانية أن البكراوي عاد إلى الخرطوم قبل أسبوع قادما من القاهرة حيث كان يتلقى العلاج عقب بتر ساقه وإجراء العملية الجراحية فى أحد المستشفيات العسكرية المصرية، وهذا هو مربط الفرس !!
من المهم أيضا أن نعرف أن هذه المحاولة الانقلابية التي تعد السادسة منذ الإطاحة بنظام عمر البشير، يقف خلفها سلاح المدرعات بضاحية الشجرة جنوبي الخرطوم، وهو السلاح ذاته الذي تردد أنه يقف خلف محاولة سابقة، وقد ارتبطت تلك المحاولة السابقة باسم اللواء عبد الباقي بكراوي، إذ ذكرت تقارير محلية أنه رفض تسلم مهام قائده اللواء نصر الدين عبد الفتاح بعد اعتقاله.
وكان سلاح المدرعات السوداني قد شهد إقالة 8 جنرالات في وقت سابق بحسب تقارير محلية، ومن بين من تمت إقالتهم من سلاح المدرعات، اللواء عبد الباقي بكراوي الذي كان القائد الثاني ( رئيس أركان سلاح المدرعات) قبل نقله إلى الأكاديمية العسكرية بالخرطوم.
وتشير تكهنات بعض السودانيين الى توتر شديد فى العلاقة بين اللواء بكراوي خلال وجوده في سلاح المدرعات مع قوات الدعم السريع إثر رفض بكراوي تمركز قوات الدعم السريع في محيط المنطقة المكلف بالانتشار فيها”.
وفي وقت سابق أيضا تم تداول إحالة عبدالباقي البكراوي للتحقيق بعد تسجيل مسرب قيل إنه تضمن إساءات لمحمد حمدان دقلو (حميدتي) الذي يعد النائب الأول لرئيس مجلس السيادة السوداني.
وكل تلك المؤشرات ترجح ضلوع القاهرة في المحاولة الانقلابية الفاشلة في محاولة لإطالة عمر الحكم العسكري فى السودان وتمديد الفترة الانتقالية للمرة الثانية، والحيلولة دون إجراء انتخابات حرة ونزيهة يتم من خلالها تسليم السلطة للمدنيين.
بالطبع، من المبكر القفز لتلك النتيجة، التي لا تؤيدها أدلة دامغة، لكن المؤشرات تقود الى ذلك الاعتقاد، لكن من ناحية أخرى وكما يقول الزميل عبد الباري عطوان فإن السودان، ومنذ ان نقل البندقية في أواخِر أيّام حُكم الرئيس البشير، إلى كتف المُعسكر الأمريكي، فإن أحوال السودان تسير من سيء إلى أسوأ، ووصل هذا السُّوء ذروته بلُجوء النّظام العسكري الحاكم في الخرطوم حاليًّا إلى مُغازَلة دولة الاحتِلال الاسرائيلي، وتوقيع مُعاهدة “سلام أبراهام” التطبيعيّة معها.
المعلومات الواردة حول هذا الانقِلاب، شحيحة، ومن مصدر واحد، هو الحُكم العسكري والنّاطق باسمه، باستِثناء أنباء اعتقال 11 ضابطًا وبعض الجُنود مثلما جاء في بيانٍ للسيّد حمزة بلول، وزير الإعلام والثقافة، وتسريبات عسكريّة أُخرى تُؤكّد أنّ بعض الانقِلابيين ينتمون إلى سلاح المُدرّعات.
صحافي سوداني صديق ومهني، يتواجد حاليًّا في الخرطوم، أكّد لنا في اتّصالٍ هاتفيّ، أنّ هذا الانقِلاب “مُفَبْرك” مثله مثل سبع انقِلابات سبقته أعلن عنها النظام العسكري نفسه، وأنّ من أعلن عنه هو الجِنرال محمد الفكي سليمان، عُضو مجلس السّيادة العسكري، والذي طالب النّاس بحِماية الثّورة ولم يَخرُج مدني واحِد لتلبية هذا النّداء، والظّاهرة اللّافتة في جميع هذه الانقِلابات أنّه لم يُقَدَّم جِنرال واحِد إلى المُحاكمة وإدانته بالتّالي.
ويضيف: مُعظَم الانقِلابات العسكريّة في السودان شملت حملات اعتِقال مُوسّعة، ونُزول دبّابات إلى الشّوارع، وأصوات إطلاق رصاص، باستِثناء هذا الانقِلاب الذي تمّت السّيطرة عليه في ساعاتٍ معدودة، وعادت الحياة إلى هُدوئها الطّبيعي في أقلّ من أربع ساعات.
قبل أيّام معدودة، من الإعلان عن هذا الانقِلاب، تحدّثت صُحف ومواقع سودانيّة بإسهابٍ عن احتِمال حُدوث انقلاب في البِلاد، وقال محمد الفكي سليمان في تصريحٍ مُوثّق له، قبل يومين “إنّ المرحلة الانتقاليّة أصبحت مُهَدَّدةً من خِلال النّشاط المُتزايِد لفُلول الحزب المَحلول من داخِل وخارج الدّولة”، أمّا بعض شباب الثّورة السوداني فقد تحدّثوا، وحذّروا من احتِمال قِيام الجيش السوداني نفسه بمُحاولةٍ انقلابيّة لمنع انتِقال مجلس السّيادة من قبضة العسكر إلى المدنيين في تشرين الثاني (نوفمبر)، حسب الاتّفاق المُوقّع بين الجانبين.
هذه مجرد ملاحظات أولية.. والأيام كاشفة
أحمد حسن الشرقاوي
سياسي وصحافي مصري
نائب مدير وكالة أنباء الشرق الأوسط ( أ.ش.أ) سابقا
مدير مكتب وكالة الأنباء المصرية ( أ.ش.أ) في لندن ( 2002-2006 )
@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@
الآراء الواردة فى مقالات الرأي تعبر عن صاحبها، ولا تعبر بالضرورة عن موقع الشادوف أو سياساته التحريرية
السودان تحتاج للإنقلاب يطيح بحمدوك و البرهان و حميدني .