دليل المصري «المخدوع» في إعلام «البتوع»!

للمصريين قدرة عجيبة على تحويل المآسي الى نكات. يسخر المصريون من كل شيء وأي شيء، بل أنهم يسخرون أحيانا من أنفسهم وحكامهم وواقعهم الكئيب وحياتهم الشاقة. وهم فى سبيل تلك السخرية المريرة لا يلجأون فقط الى النكات والقفشات المضحكة لكنهم ايضا يصكون تعبيرات ومصطلحات عجيبة وغريبة من بينها تعبير “جهاز الكفتة” الذي ظهر للسخرية والاستهزاء بمزاعم الإعلام العسكري باكتشاف اللواء ابراهيم عبد العاطي جهازا يكشف ويعالج في آن واحد مرضي الالتهاب الكبدي الوبائي ( فيروس سي ) ونقص المناعة المكتسبة ( الإيدز). وثبت حتي الآن انه لم يصمد أمام البحث العلمي الدقيق. أي انه أصبح ” فنكوش”. وهو تعبير مصري آخر له دلالة.

المهم انه في الأسبوع الماضي، سخر المصريون كثيرا من تسريبات خرجت من مكتب عبد الفتاح السيسي وقتما كان وزيرا للدفاع قبيل أحداث 3 يوليو 2013،يقوم فيها مدير مكتب السيسي اللواء عباس كامل- بعد تشاور مع السيسي أو بتعليمات مباشرة منه- بإصدار توجيهات للاعلاميين عبر المتحدث العسكري السابق العقيد أحمد علي.

في التسريب يتحدث مدير مكتب السيسي عن الاعلاميين “بتوعنا” ويستخدم تعبير ” البتاعة ” و” البتاع”، وباعتباري مواطنا مصريا يريد أن يشارك في الجهد الوطني لصك التعبيرات الساخرة في هذه الأيام المصيرية، اقترحت في تعليقي على هذه التسريبات في العديد من القنوات الفضائية ان نسمي أبواق الدعاية الموجودة فى مصر حاليا:” إعلام البتوع”!! أولا لأن “البتاع ” و “البتاعة” وجمع التكسير منهم هو ” البتوع” كلها كلمات دارجة نعرف كمصريين انه يتم اللجوء اليها عندما تعجز ذاكرة شخص ما أو قريحته عن إيجاد الكلمة المناسبة في الوقت المناسب. 

علي سبيل المثال: عندما يدخل الأب على ابنه في أوقات الامتحانات فيجده جالسا أمام التليفزيون، فتثور ثائرته ويقول له: إنت يا بتاع ( تحقيرا له)، قوم اقفل البتاع اللي بتتفرج عليه ده، وافتح ” البتوع” المقفولين على طول دول..وهكذا فان الأب الغاضب من تصرفات ابنه استخدم مشتقات “البتاع” للتعبير عن 3 أشياء: ابنه والتليفزيون والكتب. إذن فان لفظة البتاع مهمة للغاية فى لغة المصريين الدارجة. لكن هل يوجد أصل لغوي لكلمة البتاع؟!! 

وفقا لمعجم فرج في اللغة العامية المصرية لصاحبه المهندس محسن فرج فان كلمة ( البتاع ) تستخدم كأداة اضافة. ويقال ” الشيء ده بتاع فلان” أي ملك لفلان. واصل الكلمة في اللغة العربية هو ( متاع ) وحدث ابدال في الحروف، فاستبدل حرف ( الميم ) بحرف ( الباء ) فأصبحت ( بتاع ). والمتاع أو البتاع باللهجة المصرية هو كل ما ينتفع به صاحبه .. وهو تعبير شائع أكثر في لغة قبيلة قيس العربية التي وفد أفرادها لمصر إبان الفتح العربي الاسلامي، وانتقلت اللغة العربية الي الدلتا ومناطق مصر الشمالية والوسطي عن طريق أبناء تلك القبيلة العربية بينما انتشرت لغة الضاد في بقية أرجاء مصر عن طريق قبائل أخري بلهجات مختلفة، ولعل هذا ما يفسر ان لهجة أبناء القاهرة و الدلتا وشمال مصر تختلف عن لهجة أهل الصعيد الذين انتقلت اليهم اللغة عن طريق قبائل يمانية تختلف لهجاتها عن لهجة قبيلة قيس. كما ان البعض يتحدث عن أصل فرعوني وقبطي للفظة بتاع وقربها من بتاح، وحتي لا نبتعد عن الفكرة التي نناقشها هنا فانني أتصور ان الاعلاميين أمثال توفيق عكاشة ووائل الابراشي وابراهيم عيسي وعمرو أديب ولميس الحديدي وأماني الخياط ومحمود سعد ومجدي الجلاد وخالد صلاح وأسامة كمال وجابر القرموطي وخالد أبو بكر ومحمد شردي ونائلة عمارة بل وسما المصري وغيرهم الكثير والكثير هم بالمفهوم الاصطلاحي اللغوي ” بتوع الاعلام العسكري”..أي متاع أو ملك يمين الاعلام الأمني في دولة البوليس والمخابرات بمصر. لماذا ؟ لأن هذا هو ما جاء على لسان اللواء عباس كامل بالنص فى التسريب الذى بثته قناة مكملين مساء الاثنين الماضي، فقد قال: عاوزين الاعلاميين بتوعنا. أحمد موسى بقى على وائل الإبراشي على إبراهيم عيسى على… على… على…على..على، والعيال بقى بتوع (قناة) الأون تي في، على أماني (الخياط) على هنا على هنا..على بتاع!!!
لاحظوا هنا كم مرة كرر لفظ”بتاع” فى فقرة واحدة فقط من هذا التسريب الطويل. ألا يدل ذلك على ان تلك النوعية من الدعاية الفجة يمكن أن أطلق عليه: إعلام البتوع ! مع شديد اعتذاري للاعلام بالمفهوم المهني الصحيح. وللشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم قصيدة مشهورة اسمها ( البتاع) شاهدوها هنا بصوته وهو يتحدث عن الانفتاح الاقتصادي فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات، وقد قمنا بتوضيح المقصود من كل مرة تم فيها ذكر لفظ ( البتاع) فى القصيدة.

 

أحمد حسن الشرقاوي
كاتب صحافي مصري

هذا المقال نشرته جريدة العرب القطرية- السبت 24 يناير 2015

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن الموقع أو سياساته التحريرية

Comments (0)
Add Comment