الميكيافيليون الجدد !

1 780

أحمد حسن الشرقاوي

السبت، 02 مايو 2020

في جامعة القاهرة في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، كنت مندفعاً في دراسة العلوم السياسية، وكنت قرأت كتاب «البرنس» لميكافيللي قبل دخول الجامعة، ولم يعجبني!
دخلت في مناقشات جادة وأحياناً حادة مع أساتذة درسوا في الجامعات في أميركا والغرب، ولا يعرفون سوى أن كتاب «ذى برنس» هو بمثابة دليل للسياسيين في فنون استخدام المكر وعدم الرحمة للوصول لأهدافهم، وأن هذا الدليل يرقى إلى مرتبة كونه «نظرية في السياسة تسمى «الميكافيللية»، وكانت اعتراضاتي تتركز على ما إذا كانت السياسة هي «فن الممكن» وأن السبل التي تؤدي إلى توافقات أو تفاهمات لا يتعين أن تكون غير أخلاقية أو غير مشروعة.
أتذكر أن أستاذ مادة «النظرية السياسية» واسمه البروفيسور علي عبدالقادر، الذي درس في الجامعات الأميركية وعاش بأميركا لسنوات طويلة وتشبع بمفاهيم الحضارة الغربية، كان أحد أشد المتحمسين لريادة ميكافيللي في تأسيس أصول العلوم السياسية، غير أنني كنت أخالفه الرأي، وأعتبر أن فلاسفة الحضارة الإسلامية مثل ابن خلدون وغيره كانوا أفضل من ميكافيللي من كل النواحي.
في تلك الفترة، كنت أقرأ كتاباً عن تاريخ الدولة السلجوقية، وقرأت عن الوزير الأول نظام الملك الذي عمل مع ثاني حكام السلاجقة وهو ألب أرسلان ثم مع ابنه ملكشاه، وعرفت أن الوزير السلجوقي كتب كتاباً للسلطان السلجوقي الشاب عن نصائحه في أمور الإدارة والحكم وتدبير شؤون الدولة بعد وفاة والده العظيم ألب أرسلان.
اكتشفت أن هناك من كتب كتاباً يقدم فيها نصائح للسلطان قبل ميكافيللي بنحو 3 قرون كاملة!!
إنه «الأتابك» السلجوقي الوزير نظام الملك الطوسي «1017- 1092م» واسمه قوام الدين أبوعلي الحسن بن علي بن إسحاق بن العباس الطوسي الملقب بـ «خواجة بزك» أي نظام الملك.
كتاب «سياست نامه» أو سير الملوك، لم يحظَ بشهرة كتاب «الأمير» لميكافيللي رغم أن «الأتابك» قدم النصائح للسلطان السلجوقي بشكل مفيد وفي إطار القيم والأخلاق الشرقية، عكس ميكافيللي الذي يمكن تلخيص مجمل نصائحه للسلطان، بأنها تدور جميعها حول مبدأ «الغاية تبرر الوسيلة»، والذي صار المبدأ المعتمد كأساس تقوم عليه الحضارة الغربية ككل.
حصلت على نسخة من كتاب سير الملوك أو «سياست نامه»، وسارعت به إلى أستاذي، الذي طلب مني أن أكتب بحثاً أقارن فيه بين الكتابين، وهو ما حدث ونلت بسببه درجة عالية في هذه المادة «النظرية السياسية»، وقال لي الأستاذ إن تلك الدرجة لم يحصل عليها طالب آخر منذ سنوات.
ومن خلال المقارنة بين الكتابين، تأكدت من فشل ما يروّج له الغرب دوماً بأن له الريادة والقيادة، وأننا لا نملك سوى الاقتداء بنموذجه الحضاري، وتوصلت إلى نتيجة مفادها أن هذا الزعم ليس سوى حجة يقدمها لنا الغرب، ليضمن بها استمرار علاقة التبعية بيننا وبينه.
إن معرفة ذلك ليست أمراً صعباً، لكنها تتطلب جهداً وشجاعة، وعدم الركون للميكافيللية الفجة قصيرة النظر، كما يفعل بعض صبيان ومراهقي السياسة في منطقتنا، ممن يظنون أن قوة الغرب ونفوذه وسطوته سوف تستمر إلى الأبد.

@@@@@@@@@

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن الموقع أو سياساته التحريرية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.