أحمد حسن الشرقاوي يتساءل: لماذا تستغربون تورط (رويترز) في إجهاض تجربة الديمقراطية بمصر بعد ثورة 2011 ؟!
عندما كان المهاتما غاندي يجوب أنحاء الهند على قدميه لحث الناس على مقاطعة المنتجات البريطانية، كان في كل منطقة أو قرية يقابل “صحفياََ ” أو” مندوباََ ” عن وكالة رويترز البريطانية للأنباء.
وبريطانيا كانت هي الدولة المستعمرة للهند وتعتبر الهند درة التاج في ممتلكات تلك الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس.
وفي إحدى المرات، استغرب غاندي من هذا التواجد المكثف لصحفيي ومندوبي رويترز المنتشرين في كل قرية أو مدينة يزورها كجزء من حملته السلمية لتخليص الهند من الاستعمار البريطاني.
مندوب رويترز في تلك القرية النائية البعيدة القابعة في أحضان جبال الهمالايا على الحدود مع الصين، سأل غاندي عن أسباب زيارته للقرية، ومن سوف يستضيفه من وجهائها للإقامة في بيته، وما الى ذلك من الأسئلة، فقال له غاندي مستغربا:” في كل مدينة أو قرية أجد مندوباََ لرويترز يستقبلني ويستجوبني، أظن أنني عندما أموت وأذهب الى الجحيم، سيستقبلني أحد مندوبي رويترز هناك ليسألني عن اسباب وجودي في ذلك الجحيم ومن سألتقي بهم هناك”!!!
وكانت تلك المزحة الساخرة والمريرة من المهاتما غاندي تشير بوضوح الى ارتباط وكالة رويترز بالسلطات البريطانية وبشكل ما بأجهزتها الأمنية والاستخباراتية !!
هذا أمر يعرفه الكثير من الصحافيين والدارسين لعلوم الاعلام والممارسين للمهنة من ذوي الخبرة، لكن البعض يحاول إخفاء نور الشمس بغربال !
باختصار، في يوم 6 يوليو الجاري، قمت بنشر نتائج تحقيق مترجم من اللغة الانجليزية بعنوان :موقع استقصائي أميركي: رويترز ساعدت في نجاح انقلاب العسكر على الديمقراطية بمصر، وحظي الموضوع بحجم كبير من المشاهدات فقد تجاوز عدد مشاهداته على حسابي هذا على تويتر، أكثر من نصف مليون مشاهدة، إضافة الى عدد كبير من المشاهدات على موقع الشادوف الإخباري الذي أترأس هيئة التحرير فيه.
الحقيقة أنني تلقيت تعليقات على الموقع و على حسابات التواصل الاجتماعي المختلفة، شكرتني على حسن اختياري للموضوع، وشجاعتي في نشره بدون حسابات، وأرسل الى بعض القراء والمتابعين رسائل على الخاص يسألون فيها عن أسماء وهوية ذلك العدد الكبير من الصحفيين المصريين (300 صحفي) الذين تم تشغيلهم وتدريبهم في موقع (أصوات مصرية).
وبحكم خبرتي في العمل في الصحافة منذ عقود طويلة، قلت انه ليس من المهم معرفة أسماء هؤلاء الشبان والشابات، لكن الأهم هو معرفة إدارة تحرير الموقع التي تدير العملية التحريرية ونشر الأخبار في تلك المنصة التي أطلقوا عليها اسم (أصوات مصرية).
من أغرب الحقائق التي كشف عنها التقرير هي تلك الوثائق المسرّبة التي أكدت أن وكالة “رويترز” للأنباء عملت كقناة خلفية وسرية لوزارة الخارجية البريطانية لتمويل إنشاء منفذ إعلامي مصري بشكل سري (أصوات مصرية) بما ساهم في الإطاحة بأول زعيم مدني منتخب ديمقراطيًا في البلاد، وهو الرئيس الشهيد الدكتور محمد مرسي، عليه رحمة الله ورضوانه.
وجه الغرابة هنا هو أن تنخرط وكالة صحفية عالمية ودولة غربية تدعي احترامها للديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان وعلى رأسها حقوقه السياسية، في عملية قذرة للإطاحة بحكومة منتخبة عبر وسيلة غير ديمقراطية!
وكشفت الوثائق المسربة التي استعرضها موقع “ذا غراي زون” أو المنطقة الرمادية الأميركي أن وكالة “رويترز” تعاونت بشكل وثيق مع وزارة الخارجية البريطانية لقيادة الأحداث المصيرية التي انتهت بوقوع الانقلاب العسكري في الثالث من شهر تموز/ يوليو 2013.
وكشفت الوثائق أن جواسيس بريطانيون أبرموا صفقة سريّة مع وكالة “رويترز”.
وحسب معلوماتي فإن مدير التحرير الذي يقوم على إدارة دولاب العمل اليومي بالموقع، هو الصحفي ( عماد عمر ) قبل إغلاق الموقع في العام 2017، وأن اللجنة الثلاثية التي تشرف على العملية التحريرية هي الأساتذة: هاني شكر الله، من القسم الخارجي بصحيفة الأهرام ونجلاء العمري، المذيعة السابقة في إذاعة ( بي بي سي) وأستاذ الاعلام بالجامعة البريطانية فى القاهرة، وسلمى حسين، رئيس قسم الاقتصاد بصحيفة (الأهرام إبدو) الناطقة باللغة الفرنسية والصادرة عن مؤسسة الأهرام. وهذه الأسماء لا تزال موجودة على موقع (أصوات مصرية) حتي اليوم!
وهذا هو الرابط:
غير أنني فوجئت أمس السبت 8 يوليو 2023 بأن أحد الأصدقاء من الصحافيين العرب المخضرمين،أرسل لي رسالة على الخاص تتضمن فيديو يفيد قيام ” مذيع مصري” وصفه بأنه “غير متخصص في العمل الصحافي الاستقصائي المكتوب” وقال إنه ينتقد ضمناََ قيامي بنشر الموضوع على تويتر وعلى موقع الشادوف، وهو ما لم أتفق مع زميلي فيه، وقلت له إن الكل من حقه أن يقدم رأيه كيفما يشاء..
وإذا كان ما تقوله صحيحا من انتقاده نشر الموضوع، وأظنه لم يفعل ذلك لأنه يعرف أبجديات النشر الصحفي، فإن هذا المذيع الزميل كان يمكن أن يذكرني بالاسم لو أراد انتقاد قيامي بنشر نتائج ذلك التحقيق، فلماذا لم يفعل ذلك في رأيك؟!
تهرب الصديق “المخضرم” من الإجابة غير انه عاد لمحاولة إقناعي بالقول إن المذيع غير المتخصص في الصحافة والاعلام، قام بتفكيك و”إعادة انتاج القصة الإخبارية ” للتشكيك في النتائج التي توصل اليها التحقيق الاستقصائي الأميركي حتى يقلل من حجم الفضيحة بالنسبة لوكالة رويترز، وللحكومة البريطانية، من خلال مراجعة شهادات الأطراف المختلفة التي وردت في التحقيق الاستقصائي، بل وإعادة توجيه نفس الأسئلة اليها مرة أخرى!!
وسألني بشكل مباشر: هل تعتبر أن (الناشر ) يتعين أن يقوم بتفكيك الخبر قبل نشره وإعادة انتاجه أملا في الوصول الى نتائج مختلفة؟!
قلت طبعا لا، وأتصور أن هذا عمل غير مطلوب من الناحية المهنية لـ”ناشر الخبر”، وإذا قام به من ينشر الخبر،أي خبر، مهما كانت أهميته خصوصا إذا كان تحقيقا استقصائيا، فإن قيامه بالتفكيك وإعادة التركيب يعد إنحيازاََ مهنياََ لأحد الأطراف المتضررين من التحقيق الاستقصائي، أو ربما كل المتضررين، عبر التشكيك في بعض أو كل النتائج التي توصل إليها هذا التحقيق الاستقصائي.
ورغم ذلك، فإن ما رأيته في الفيديو من “تفكيك” وإعادة سؤال الخارجية البريطانية أو مؤسسة (تومبسون رويترز) أو الصحفي الزميل الذي قام بإعداد التحقيق الاستقصائي أملا في إعادة تركيب القصة الإخبارية مجددا، وتقديمها بصورة مختلفة، لم يأت أيضا بنتائج مختلفة عما جاء فى التحقيق الاستقصائي الأصلي!!
وبالتالي تصبح المحاولة نوعاََ من (السذاجة المهنية) التي كشفت عن وجود أجندة أهداف سياسية وغير مهنية لمن قام بهذه المراجعة.
بعد هذه الرسالة، اتصل بي صديقي صحافي آخر لكن هذه المرة من مصر، فأوضحت له عبر الهاتف أن القيام بإعادة نفس الخطوات التي قام بها الصحفي الاستقصائي هي نوع من “السذاجة المهنية”، وإلا فما معنى أنك تقوم بسؤال ذات المصادر عن ذات المعلومات وذات الوثائق بلا جديد على الإطلاق، بل وتنتهج ذات الخطوات وتراجع نفس الجهات التي قام بها صاحب التحقيق الأصلي الذي تريد أنت فقط أن تنشره!!
سألني الزميل المصري، ماذا كنت تفعل لو أنك صاحب قرار النشر؟
قلت له أنا نشرت بالفعل على موقع الشادوف وعلى تويتر، لكن إن كنت تسأل عن بدائل قرار النشر، ففي تقديري، فإن القرار المهني واضح في مسألة النشر، إما أن تقوم بالنشر وتطالب الأطراف المختلفة بالرد على ما جاء فيه، وهذه الأطراف مدعوة أصلا وبشكل طبيعي للرد حتى بدون أن يطالبها الناشر بالرد، وإلبديل الثاني هو أن تتجاهل نشر التحقيق الاستقصائي، وسيكون ذلك أفضل لك مهنيا من القيام بعملية التفكيك وإعادة التركيب أملا في الحصول على نتائج جديدة تفيد أجندتك السياسية التي تحاول إخفائها بسذاجة. هذا رأيي المبني على خبرتي.
وبما أن صاحب البديل الثالث لم يستطع الوصول لنتائج جديدة من محاولة التفكيك وإعادة تركيب القصة الإخبارية، فقد كشف نفسه وأصبح كمن يسعى لذر الرماد في العيون للتغطية على فضيحة كبيرة لرويترز، ولبريطانيا ووزارة خارجيتها، والأمر بات مكشوفا ومفضوحا لكل ذي عينين، خصوصا أن من يقوم بذلك يتواجد على الأراضي البريطانية !!
ولذلك قلت لصديقي المصري، الحقيقة التي يعرفها أمثالك في مهنة البحث عن المتاعب هي أن ( النشر ) لا يتطلب بالضرورة ( إعادة انتاج ) القصة الإخبارية من جديد.
قال موافقا: نعم هذه حقيقة بسيطة نُعلمُها لأبنائنا الذين ينضمون للمهنة حديثا، باعتبارها من البديهيات في أصول نشر الموضوعات والقصص الإخبارية.
بادرته بالقول: دعني أزيدك من الشعر بيتا، فإن التشكيك في نتائج هذا التحقيق الاستقصائي الأميركي بالتحديد، كان يمكن أن يتم بطرق “أكثر احترافية”، من بينها على سبيل المثال لا الحصر، إثبات زيف أو عدم مصداقية الوثائق التي استند إليها التحقيق الاستقصائي رغم أن هذا ليس من واجبات عمل الناشر الصحفي المحايد إنما هو مسؤولية الأطراف المتضررة التي بمقدورها هدم تلك القصة الإخبارية بالرد والتفنيد عملا بحق الرد بما ينسف كل نتائج التحقيق.
وهذا ما لم يحدث من صاحبنا الذي قام بعملية التفكيك وإعادة تركيب القصة الإخبارية على هواه، وكان ملكيا أكثر من الملك ذاته، فكشف انحيازاته الشخصية ضد الحقيقة التي خلص اليها التحقيق الاستقصائي..
معارضة الأنظمة المستبدة إعلاميا سعيا لإسقاطها، أو حتى التخديم عليها وإبراز إنجازاتها ليس عملية بسيطة وسهلة تتم بمجرد هز الأكتاف وانتفاخ الأوداج، وارتفاع الأصوات أو التسبيل بالعيون الناعسة لصاحبات الوجوة البائسة. إنها حرفة الإعلام يا سادة، وهي علم من أخطر علوم العصر الحديث.
لذلك، فإن وكالة رويترز العالمية عندما أسست موقع (أصوات مصرية) لم تجعل مجموعة من الهواة حديثي الخبرة يديرون الموقع، بل وضعت الشباب في المقدمة ومن خلفهم زملاء مخضرمين مثل (هاني شكر الله) و(نجلاء العمري) و(سلمى حسين) بخبراتهم الكبيرة التي يقفون عليها حقاََ لا ادعاءََ وزعماََ، حتى يوجهوا الشباب حديث السن والخبرة لأفضل أساليب “الدعاية السوداء” ضد رئيس ونظام سياسي منتخب ديمقراطيا من الشعب، ونجحوا فعلا في اسقاطه، فهل نتعلم منهم هذا الدرس بالغ البساطة ؟!!
لا أظن !!