7 خصائص للمواجهة الحالية بفلسطين المحتلة..تجعل القدس أقرب

0 511

شنَّت قوات الاحتلال الإسرائيلي حروب عدة على غزة بعد انسحابها منها في العام 2005؛ في العام 2008، استمرّت الحرب 21 يوماً، وفي العام 2012 استمرت 8 أيام، وفي العام 2014، استمرّت 51 يوماً. سبق ذلك أيضاً أكثر من عدوان في الأعوام 2006 و2007.

مقارنة بتلك الجولات، هناك مجموعة من الخصائص التي تميّز المعركة الحالية، وتسجّل نقلات نوعية وسوابق على مستوى المواجهة، وتجعل القدس أقرب أكثر من أي وقت مضى.

تحديد ساعة الهجوم
بدأ الأمر بإنذار وجّهه القائد العام لكتائب عز الدين القسام محمد الضيف إلى قوات الاحتلال والمستوطنين، بفعل تماديهم في الاعتداء على أهالي القدس في حي الشيخ جرّاح وفي حرم المسجد الأقصى. الإثنين الماضي أمهل الناطق باسم “القسام”، أبو عبيدة، العدو ساعتين لإخلاء الأقصى من الجنود الصهاينة. وعند السادسة مساء، أطلقت صلية صواريخ إلى منطقة القدس. نفّذت المقاومة الفلسطينية وعيدها في الموعد المحدد لانتهاء المهلة. انتقلت التحذيرات والإنذارات وتحديد المهل من الجانب الإسرائيلي إلى الجانب الفلسطيني.

مساء الثلاثاء، جاء الرد على استهداف الأبراج السكنية في غزة، على لسان الناطق باسم “سرايا القدس” أبو حمزة، حين ضرب موعداً للصهاينة عند التاسعة مساء. وفي “توقيت البهاء” نفذت المقاومة وعيدها. تكرّر الأمر مساء الأربعاء، حين توعّدت “سرايا القدس” مجدداً بأنها ستفاجئ المستوطنات بليلة حمراء عند التاسعة مساء.

هذا الأسلوب الجديد في الإدارة الإعلامية للمعركة ينطوي على جوانب نفسية ومعنوية، سواء لدى جمهور المقاومة أو في جبهة العدو، فهو يؤشر إلى أن يد المقاومة هي العليا وينقل القدرة على المبادرة وتفعيلها من قوات الاحتلال إلى قوى المقاومة. كما أن له جوانب عملياتية ولوجستية تتقاطع مع الجانب الإعلامي، وتثبت أن المقاومة، وعلى الرغم من الرقابة الدقيقة واللصيقة والمتابعة الدؤوبة لمساحة جغرافية محدودة ومحاصرة على امتداد قطاع غزة، استطاعت تحدي العدو ونجحت في تنفيذ وعيدها.

تغيير قواعد الاشتباك
نحت “إسرائيل” نحو اعتماد استراتيجية فصل الساحات والجبهات، تسهيلاً للاستفراد بكلّ جبهة على حدة، ولتخفيف الأعباء عنها. وعلى الرغم من محاولتها في السنوات الأخيرة إجراء مناورات على جبهات متعدّدة وحديثها عنها، ومنها مناورة “مركبات النار” التي علّقتها أخيراً، فإنَّ ربط الجبهات هو في الأساس استراتيجية المقاومة التي حاولت “إسرائيل” التكيّف والتأقلم معها، وليس العكس.

هذه المرة، دخلت غزة على خط المواجهة، وهي التي حدّدت ساعة الصفر. صحيح أنها الطرف الذي بادر ابتداء، لكنها مبادرة في إطار الدفاع عن النفس لنصرة الفلسطينيين على امتداد كل فلسطين، لا في غزة حصراً، على عكس المعادلة التي يحاول الإسرائيلي تكريسها عبر عزل الساحات عن بعضها. تأتي المبادرة بهذا المعنى في إطار وضع حد لمسلسل التهويد والاستيطان الذي انفلت من عقاله بعد “صفقة القرن”، وبدا أنه يتّجه إلى نكبة جديدة (الطبيعة الجوهرية للكيان هي الإحلال والتهجير)، بعد أن بلغت استفزازات المستوطين وقوات الاحتلال واعتداءاتهم أوجها في حي الشيخ جراح وفي حرم المسجد الأقصى.

لم يتعلّق الأمر هذه المرة بإدخال المحروقات والمواد الغذائية وتأمين الكهرباء والأموال وفك الحصار عن غزة، بل بالقدس. هذا الأمر عبّر عنه رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” بالقول إن هناك ميزان قوة جديداً انطلق من القدس والأقصى، وإن معادلة ربط غزة بالقدس هي معادلة ربط المقاومة بالهُوية، مشدداً على أن “معادلة الاستفراد بالقدس انتهت”.

فاجأ هذا الأمر كيان الاحتلال، فعلّق عليه الكاتب الإسرائيلي بن كسبيت في صحيفة “معاريف”، بالقول إن “ثقة إسرائيل الفائقة بقدرتها على ضبط الأمن دفعها إلى الاعتداء على المسجد الأقصى وحيّ الشيخ جراح، لكن ما لم يكن متوقعاً هو تقدّم غزة إلى المعادلة وانفجار الوضع”. أما المراسل العسكري للقناة “12” العبرية، روني دانيل، فاختصر مجريات المعارك بالقول: “إسرائيل أفلست”.

تهاوي الردع
تجلّى تآكل الردع الإسرائيلي على المستوى النفسي للفرد الفلسطيني، قبل أن ينعكس على مستوى مبادرة تنظيمات المقاومة. لقد ظهر على مرأى العالم كيف يلتحم الشباب في القدس وأراضي الـ48 مع قوات الاحتلال والمستوطنين بوجوه واضحة غير ملثّمة، غير آبهين بكل إجراءات العقاب والرسائل النصية المتوعّدة والمهدّدة التي وصلت إلى هواتفهم الشخصية.

تكامل هذا السّلوك الفرديّ والجماعيّ ضمن أراضي الـ48 مع تآكل الردع العسكري بمواجهة تنظيمات المقاومة في غزة، والتي تكاملت في غرفة عمليات موحّدة. عبّر عن ذلك العميد احتياط في “الجيش” الإسرائيلي تسفيكا فوغل بالقول: “كنّا موهومين بأنَّ الهدوء مع غزة نتيجة ردع، لكنّه انفجر في وجهنا”، فيما اعترفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” بهذا الواقع، فكتبت أن “قوة الردع الإسرائيلية ضد غزة تآكلت تماماً، وهو ما تؤكّده الصواريخ التي ضربت القدس وتل أبيب بشكل مباشر”.

توالت التعبيرات عن هذا الأمر في مختلف وسائل الإعلام الإسرائيلية، فكتب معلّق الشؤون السياسية في صحيفة “إسرائيل اليوم”، يوآف ليمور، أنّ “الادّعاء بأنّ حماس مرتدعة وستحاول إشعال القدس مع الحفاظ على الهدوء في القطاع، أثبت خطأه”.

الفكرة نفسها طرحتها معلّقة الشؤون السياسية في “إسرائيل هيوم”، ليلاخ شوفال، التي رجّحت أن تكون الرغبة العارمة للقيادة العسكرية العسكرية في تهدئة أمنية في غزّة أثّرت في التقديرات الاستخباراتية التي نصّت على أنّ “حماس” لن تدخل في معركة مع “إسرائيل”، لأنها مُرتدعة.

مراسل الشؤون العسكرية في إذاعة “جيش” الاحتلال، تساحي دافوش، رأى بدوره أنَّ “حركة حماس تحولت إلى حزب الله 2 على حدود إسرائيل الجنوبية، والأحداث أثبتت أنَّ ميزان ردع إسرائيل مع حماس تغير، وسيزداد سوءاً مع مرور الوقت”.

الانقسام الإسرائيلي مقابل التوحّد الفلسطيني
تعاظمَ الانقسام الإسرائيلي على مستويات عدة في السنوات الأخيرة، وأتت نتائج الانتخابات الأخيرة لتجعله واضحاً جلياً، مُظهرةً عمق التصدّعات داخل “المجتمع” الإسرائيلي – اليهودي وبين تياراته.

تتمحور أبرز عناوين هذا الانقسام حول مسألة الدين والدولة والموقف من فلسطينيّي الـ48. يرجع عمر تلك الانقسامات إلى ما قبل الأزمة الحكومية المستمرّة منذ سنتين، ولا ينافي ذلك أنها أسهمت في تعميقه.

حضر هذا التحدّي في تقدير “معهد أبحاث الأمن القومي” الإسرائيلي للعام 2021، وهو أمر يحصل للمرة الأولى في تاريخه. اعتبر المعهد أنَّ الانقسام الداخلي في الكيان هو مصدر مباشر للتهديدات التي قد تمسّ بالأمن القومي، بما يعكس الخطورة الكامنة؛ خطورة عبّر عنها في الساعات الأخيرة وزير الأمن الإسرائيلي، بيني غانتس، بقوله: “إن الشرخ الداخلي يهدد إسرائيل، وهو لا يقل خطراً عن صواريخ حماس”.

للمرة الأولى ربما ينتقل الانقسام بهذا الشكل إلى داخل معسكر العدو، فيصبح التخبّط سمة أساسية في هذه الجولة. في المقلب الفلسطيني، كانت الصورة معاكسة. وقد تجلّت من خلال التنسيق الميداني وإدارة المعركة عبر غرفة عمليات موحّدة في غزة، وكذلك على مستوى المواجهة بشقيها المدني والعسكري على امتداد فلسطين المحتلة، إضافةً إلى التوحّد الوجداني والوطني الذي ساهمت فيه – من دون شكّ – شجاعة المقدسيين وتصديهم للاحتلال، وكذلك بسالة الفلسطينيين داخل أراضي الـ48.

هذا الأمر دفع المختصّة في الشؤون العربية في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، مئير شمريت، إلى التغريد عبر “تويتر” قائلةً إن “أحد الإنجازات الكبيرة التي حصّلناها (سابقاً) كانت الانشقاق في صفوف الشعب الفلسطيني. الفلسطينيون كانوا أضعف من أي زمن، وما نراه الآن هو اتحاد لروح قومية فلسطينية جديدة تلحم هذا الانشقاق. بالنسبة إلينا (أي في الجانب الإسرائيلي)، أرى عملية عكسيّة. إنه أمر مقلق”.

فلسطينيو القدس والـ48 على خطّ المواجهة بقوة
ليس من المبالغة القول إنَّ الفضل الأساسي في كسر الكبرياء الإسرائيلي وعنجهيته في هذه المعركة يعود إلى المقدسيين وإلى فلسطينيي الـ48. إنَّ بسالتهم وصمودهم وإصرارهم على المواجهة، التي من معالمها محاولتهم بلوغ المسجد الأقصى مشياً على الأقدام، هو ما فرض دخول غزة على خط المواجهة العسكرية، وأدى إلى تثبيت معادلات جديدة، وإلى قلب “صفقة القرن” رأساً على عقب، فارضين أجندتهم على العالم أجمع، بما فيه أنظمة التطبيع.

وللمرة الأولى، وخلافاً للمواجهات السابقة، ينخرط فلسطينيو الـ48 بهذه القوة في العديد من المدن والبلدات على مساحة فلسطين، ليصبحوا رأس حربة، مكرسين تحوّلاً مهماً وبالغ الدلالات والأثر في المواجهة.

وإذا قسنا النتائج حتى الآن، يمكن القول إن إرادة هؤلاء تفوقت على إرادة أنظمة الأسرلة، رغم التفاوت الهائل في الإمكانيات والقدرات. وما اضطرار أنظمة الاستسلام والتطبيع إلى إصدار بيانات الشجب والتعاطف سوى دليل على حراجة مواقفهم أمام شعوبهم، فأصبحوا هم المحاصَرين، وغدا أحرار فلسطين هم المحاصِرين.

ما يؤشر إلى خطورة هذا التطور هو إعلان وزير الأمن الإسرائيلي بيني غانتس، في جلسة الكابينت الأخيرة، “أن ما يحدث في الشوارع أخطر من المعارك العسكرية”.

البيئة الإقليمية لمصلحة قوى المقاومة
“لا أريد أن أفكّر في ما يدور في ذهن ‎نصر الله الليلة”. بهذه الكلمات، عبّر الصحافي الإسرائيلي روعي قيس عن مجريات المعركة، فيما رأى مراسل إذاعة “الجيش” الصهيوني أنّ “الإسرائيليين تلقّوا اليوم تصوّراً عن الحرب مع حزب الله”.

لا يغيب عن بال الإسرائيليين وقادتهم تأهّب المقاومة واستنفارها في الجانب اللبناني، فقد تلقّوا قبل نحو أسبوع في إطار تحضيراتهم للمناورة “المعلّقة” تحذيراً واضحاً من قائد المقاومة السيد حسن نصر الله.

أبعد من ذلك، هم يراقبون التطورات والتحوّلات في البيئة الإقليمية، من لبنان إلى سوريا إلى العراق إلى اليمن، بموازاة المحادثات حول الاتفاق النووي في فيينا وما تعكسه من رغبة أميركية في الانسحاب التدريجي من غرب آسيا، من أجل التفرّغ لأولوية المواجهة مع الصين وروسيا.

هذا الأمر معطوفاً على سير المواجهة في فلسطين المحتلة يغري بالمقارنة الافتراضية لما يمكن أن يكون عليه الحال في أي مواجهة مع إيران أو “حزب الله”. هذا الأمر يضيف مصداقية أعلى إلى تهديد قائد الحرس الثوري الإيراني، اللواء حسين سلامي، الخميس الماضي، حين وصف النظام الأمني الإسرائيلي بأنه “مجرد فقاعة وانفجرت”، في ضوء فشل منظومتها في اعتراض “صاروخ ديمونا”.

سلامي أعلن قبل اندلاع المواجهة الحالية بأربعة أيام أن “أول ضربة تتعرَّض لها إسرائيل ستكون آخر ضربة، وأن أي إجراء تكتيكي ضدها سيؤدي إلى إلحاق هزيمة استراتيجية بها”.

وأشار إلى أنَّها تتعرّض للانهيار من الداخل، وباتت “أركانها الداخلية هشة سياسياً واجتماعياً واقتصادياً”.

إدارة معركة الصّواريخ والميزان الاستراتيجيّ
تميّزت عمليات إطلاق الصواريخ من غزة حتى الآن بالكفاءة في الإدارة والسيطرة والتحكم. هذا الأمر قد لا يكون جديداً، إنما العامل المستجد هو دقة الاستهداف وكثافة الصليات ومديات الصواريخ. وخلافاً للسابق، حيث كانت المعركة تتدرج من غلاف غزة وصولاً إلى مديات أبعد في عمق الأراضي المحتلة، بلغت الصواريخ هذه المرة منذ بداية المعركة شعاع القدس، تلاه تل أبيب، وبكثافة صليات عبّرت عنها الغرفة المشتركة يوم الأربعاء بالقول إنّ “المقاومة وجّهت اليوم أكبر ضربة صاروخية في تاريخ الصراع، وخصوصاً لمواقع العدو في تلّ أبيب”.

وفق أليكس فيشمان، محلّل الشؤون العسكرية في “يديعوت أحرونوت”، تسيطر “حماس” على وتيرة القصف ونوعيته، وهي لم تمتشق بعد سلاحها الجديد: قذيفة صاروخية اسمها “رعد”، قادرة على اختراق أسقفٍ إسمنتية بواسطة رأسٍ حربي ثقيل.

بطبيعة الحال، لم تفرغ المقاومة كلّ ما في جعبتها بعد، وما زالت تحتفظ بأوراق قوة ومفاجآت إلى اللحظة المناسبة، آخذة بعين الاعتبار إدارة معركة طويلة الأمد زمنياً. لهذا السبب، كانت كثافة الصواريخ مفاجئة في الأيام الأولى، ويسجّل لها النجاح في اختراق القبة الحديدة، من خلال تكتيكات دلّت على دراسة سابقة لنقاط الضعف فيها.

العنصر الأهم في هذا الإطار هو النتائج السياسية والمعنوية التي تمخّضت عن هذا الأداء، وهو ما دفع نائب رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي سابقاً، عران عتسيون، إلى الإقرار بأن “إسرائيل لا يمكنها الانتصار في النقطة الزمنية الحالية”، مضيفاً أن “الإنجاز العسكري الأقصى الذي يمكن للجيش الإسرائيلي تحقيقه هو تصفية القادة”، وهو ما سيكون، في رأيه، إنجازاً مؤقتاً ومحدوداً، ولن يكون مكافئاً لإنجازات “حماس” في الوعي والسياسة.

أما عاموس يدلين، الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، فقال: “حتى الآن، حماس استحوذت على الساحة الفلسطينية، وجعلتنا في نزاع مع عرب إسرائيل، وأوقفت التطبيع. لا يجب النظر إلى الطائرات والغارات فحسب. حماس في ميزان إيجابي في هذه اللحظة. لذلك، إن الميزان الاستراتيجي ليس جيداً”.

على فواز

كاتب صحافي من لبنان

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.