وزراء مصريون سابقون: برامج صندوق النقد “وصفة إفساد لا إصلاح” للاقتصاد
حذر وزراء اقتصاد سابقون من تعرّض مصر لكارثة مالية خلال الفترة المقبلة، مع إصرار الحكومة على اللجوء إلى المزيد من القروض الأجنبية والمحلية لسداد العجز في النفقات على مشروعات عديمة الجدوى، وعدم وضع أولويات المجتمع في حساباتها.
وأبدى الوزراء السابقون، في الندوة التي عقدت مساء الأربعاء في جمعية الاقتصاد السياسي بالعاصمة القاهرة، دهشتهم من لجوء الحكومة إلى خفض قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار في كل مرة تتعرض فيها إلى ضغوط وترغب في الحصول على قروض دولية.
ووصف وزير المالية الأسبق أحمد جلال البرنامج الاقتصادي، الذي أعلنه رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي الأحد الماضي، بأنه “برنامج للفساد السياسي”.
وأضاف جلال أنّ “الاقتصاد المصري مريض، وعندما يلجأ للعلاج بنفس الروشتة التي حصل عليها من صندوق النقد من قبل، وفشلت في تحقيق نتائجها، فالقرار يصبح خائباً، ولا تلومن إلا أنفسكم”.
وأكد وزير المالية الأسبق أنّ “الإصلاح يجب أن يبدأ من الداخل، وأن نذهب إلى صندوق النقد بشروطنا، بدلاً من اللجوء إلى خفض قيمة الجنيه في كل مرة، بما يرفع تكاليف الإنتاج والأسعار ويعطل الإنتاج الصناعي والزراعي”.
وشرح جلال أسباب الأزمة بأنّ “من يدير الاقتصاد ليس من أهل الخبرة والعلم، ويترك أمره في يد محاسبين يهتمون برصد أرقام عن معدلات التنمية، مشكوك في إحصاءاتها”.
ووصف جلال وضع المجتمع بأنه “يعاني من مشاكل كثيرة”، محذراً من أن يظل الناس يواجهون حالة عدم الاستقرار، وأن تظل المشكلة السكانية شماعة يلقي بها المسؤولون لفشلهم في مواجهة المشاكل المزمنة للاقتصاد، معتبراً أنه “لولا أموال المصريين العاملين في الخارج، لما وفرنا قيمة طعامنا الذي نستورده وأصبحنا على الحديدة (مفلسين)”.
وأضاف أنّ “الوضع الاقتصادي مقلق للغاية، وهناك عيب في الهيكل الاقتصادي للدولة، الذي يعتمد 60% منه على قطاع الخدمات، والعقار، بينما تراجعت الزراعة والصناعة، بما جعله اقتصاداً شديد الهشاشة، لن يمكنه الاستمرار بهذه الطريقة”.
وشدد جلال على “ضرورة أن تتولي الدولة صناعة السياسات الاقتصادية”، وأن “تعرض الحكومة وثيقة الاستثمار الجديدة على الشعب، محددة الأولويات”.
وقال: “إذا كنت تتكلم في الاقتصاد من دون أن تتكلم في السياسة، فأنت لا تفهم شيئاً على الإطلاق”، مطالباً “بالانفتاح السياسي لأنه يصنع المستحيل”.
ودعا الدولة المصرية إلى التوقف عن التركيز على القطاع العقاري والخدمات، ووقف تحكمها في سلع تحتكرها وتمنع الآخرين من التنافس عليها.
وطالب جلال بضبط السياسة النقدية المالية، التي تعتمد على رفع الفائدة والتحكم في رؤوس الأموال وسعر الصرف في آن واحد، “بينما هذه المعادلة لم تقدر أي دولة، مهما عظمت، على التحكم بها على الإطلاق، لأنها توفر الحل الأسهل للمسؤولين، بجعلهم يلجؤون إلى تعويم الجنيه كلما تعرضوا إلى ضغوط في تمويل المشروعات”، كما قال.
وذكر أنّ أكثر ما يعيب السياسة المالية هو تخلّي الحكومة عن مبدأ وحدة الموازنة، وعمل صناديق سيادية تدير وتمول مشروعات خارج الموازنة.
من جانبه، قال وزير التضامن المصري الأسبق جودة عبد الخالق: “أخشى أن يكون البرنامج الحكومي المطروح لبيع الشركات والمرافق العامة مقدمة لما هو متفق عليه مسبقاً مع صندوق النقد الدولي، لنجد أنفسنا أمام برنامج جديد للإصلاح (موديل) 2022، بعد فشل برنامج 2016 الموقع مع الصندوق في تحقيق أهدافه”.
وأيّد عبد الخالق ما ذكره جلال أنّ البرنامج الاقتصادي الذي تسوقه الحكومة حالياً “برنامج للإفساد الاقتصادي”، مبيّناً أنه “لا يحقق العدالة، وهي هدف أصيب في مقتل، لأنه يؤدي إلى مزيد من التضخم، ويوسع الفوارق بين من يملكون ومن لا يملكون”.
وتساءل: “كيف تدار الأمور بهذا البلد، فنحن نصر على الثبات في موقعنا بينما العالم يتحرك للأمام؟!”.
وعبّر وزير التضامن الأسبق عن قلقه من زيادة العجز الكبير في الدين الخارجي والداخلي، وارتفاع النفقات عن الإيرادات بخط متصاعد سنوياً، ناتج عن قصور في الرؤية، مع عدم وضع أي قرار للحسابات الاقتصادية.
وأكد أنّ “الأزمة الحالية التي تواجهها الدولة ليست من صنع الخارج والحرب كما تقول الحكومة، ولكنها كانت كاشفة للأزمات التي نعيش فيها، بعد أن أهملنا الزراعة والصناعة، فغاب الأمن الاقتصادي وأضعفنا الأمن القومي”.
وطالب عبد الخالق بعودة الاهتمام بالزراعة التي أصبحت تمثل 16% من الناتج القومي في دولة زراعية، بينما تصدر المشهد القطاع العقاري والخدمي، الذي لن يستطع توفير القمح وتصديره للخارج.
وقال متهكماً إنّ “الحكومة قامت بتغيير ثقاقة الوطن باستبدال كلمة الدين والاستدانة بالتمويلات، وبدلاً من تشجيع الناس على الإدخار، تدفعهم مثلها للاقتراض، وأصبح برنامجها الاقتصادي هو تعويم الجنيه المصري، بزعم أنه يقوي الصادرات”.
وتساءل جودة “أين هي الصادرات التي زادت؟”، مشيراً إلى أنّ تعويم الجنيه “لم يؤدِ في كل مرة إلا إلى زيادة في تكاليف الإنتاج والمعيشة وتراجع الزراعة والصناعة”.
وتابع “تحوّل الاقتصاد المصري إلى اقتصاد ريعي قائم على المعونات، لا يقدر على توفير القمح لأفراده، وأعرف، من خلال خبرتي بوزارة التضامن، كيف تتكالب قوى، في الداخل والخارج، لتكبيل يد هذه البلد، كي يظل مستورداً للقمح، طالباً للمعونات”.
واستشهد جودة بقول جبران خليل جبران “بئس أمة أكلت خبزاً لم تزرعه، ولبست ثوباً لم تصنعه”.
ووسط تصفيق حاد من الحضور، قال جودة: “كيف تقبل مصر أن تكون يد شعبها هي اليد السفلى، ويزداد فقراً بمعدلات كبيرة، لأنّ الحكومة لا تدير بمنطق اقتصادي، واستمرأت اللجوء إلى طلب المعونات من الخليج والخارج، فتسعى إلى مواجهة تداعيات قراراتها التي تؤدي إلى زيادة الفقر، فتضع علاجاً مؤقتاً، بينما هي في الأصل المتسببة في المرض؟”.
وطالب جودة الحكومة المصرية بأن “تلتزم بتمويل مشروعات الصحة والتعليم وتنمية البشر، وليس بناء الحجر، الذي علينا أن نكف عن توجيه أموال الدولة إليه”، مشيراً إلى “وجود ملايين الوحدات الخالية، بينما الملايين من الناس يعيشون من دون سقف في بيوتهم والمدارس أصبحت تعمل 4 فترات على مدار اليوم”.
وقال “على المسؤول أن يفاجئنا بزيارة للمدارس بدلاً من زيارته المفاجئة للكباري”، مضيفاً “نحن الآن أمة في خطر، نتيجة لما اعترى التعليم من تراجع والصحة من إهمال”.
المصدر: الشادوف+العربي الجديد ( من عادل صبري )