ممدوح اسماعيل المحامي يكتب: الانقلابات داخل الإخوان.. أزمة ام نهاية؟!
الخلافات والانقسامات تعد شيئاً عادياً فى كل تجمع بشري، والمسلمون ليسوا ملائكة ولكن المطلوب منهم دائماً التصحيح للأخطاء!
وطوال تاريخها، شهدت جماعة الإخوان المسلمين مع كل محنة انقسامات شديدة، فعقب وفاة حسن البنا رحمه الله انفجرت خلافات شديدة ادت لمقتل عضو الاخوان السيد فايز رحمه الله وكان الحل لتهدئة الأزمة فرض المستشار حسن الهضيبى من خارج الاخوان كمرشد للجماعة..ولكن ظلت أعمدة الخلاف قائمة
و مع ظهور سيد قطب رحمه الله بكتابه (معالم فى الطريق) وتنظيم 65 حدث انقسام شديد وكانت النتيجة ظهور تيار وجماعة جديدة تم إطلاق لفظ القطبيين عليهم نسبة لسيد قطب رحمه الله*
وانغلقت جماعة الاخوان على كتاب الهضيبى ( دعاة لاقضاة) كمهرب من معالم فى الطريق وتبعاته الفكرية، ومع توقف قطار المحن بالتوافق مع حكم السادات، إنطلقت الجماعة كالقطار السريع ثم مع مبارك اتسع نشاط الجماعة أكثر وأكثر، واستفادت من حالة صراع الجماعات الإسلامية مع النظام فى زيادة الإنتشار معتمدة على رفضها مواجهة النظام مهما كان استبداده!
لكن نظام مبارك فى منتصف التسعينات عمل على “فرملة” الجماعة ببعض المحاكمات والاعتقالات التى لم تصبها بأذى شديد لكنها استمرت وحققت قدراََ من النجاحات الدعوية والسياسية فى النقابات والعمل التربوى والإجتماعى
حتى جاءت ثورة25 يناير وكانت جماعة الاخوان هى القوة الوحيدة فى الإسلاميين المحافظة على تنظيمها وقوتها فانطلقت تقود الثورة ليتم الإطاحة بمبارك وتصعد جماعة الإخوان للبرلمان ثم رئاسة الجمهورية.. وطوال تلك المرحلة لم تقم الجماعة بأى مراجعة لتصحيح ماوقعت فيه من اخطاء ، فكان الانقلاب العسكرى الذى لم يسبق له مثيل فى دمويته وظلمه فأطاح بالجماعة بالقتل والسجون والتشريد والإستيلاء على الأموال لتشهد جماعة الاخوان محنة لم يسبق لها مثيل ولانظير فظهرت المظاهرات القوية ثم مايسمى بالعمليات النوعية وظهر اسم (مكتب الأزمة) ليدل على وجود تفاعل من جماعة الاخوان ضد ظلم ودموية الانقلاب
لكن سرعان ماظهرت الخلافات التى أسفرت عن حالة من الانقلابات داخل الجماعة خارج مصر (تركيا خاصة) وكان أهمها انقلاب محمود حسين فى نهاية 2015 على مكتب الأزمة المنتخب والإطاحة به ورفضه كل حلول الشورى، ورفضه حلول الشيخ القرضاوى وخالد مشعل لتفعيل حق اعضاء الجماعة فى الشورى و الرأى!!!
وكعادة الانقلابيين تسلح محمود حسين بدعم الدولة العميقة فى الإخوان المسيطرة على مراكز الإدارة والمال مستغلاً الحالة الإقتصادية فى المهجر لاستقطاب مؤيدين وكان يمكن لانقلاب محمود حسين أن يسقط لولا الآتى :
1_ دعم الحالة الفكرية القابعة داخل فكر كثير من الاخوان المهيمن عليها التماهى مع النظم المستبدة تحت يافطة السلمية والاسترخاء على حبال الصبر والتشبث بسراب انقلاب عسكرى يطيح بانقلاب السيسى وظهور ( أنور السادات الجديد ) !!
2_دعم الجبهة الإنجليزية للاخوان المتمثلة فى إبراهيم منير والابيارى ومن معهم وقتها، وقد نتج عن إنقلاب محمود حسين قررات بفصل قادة كبار من الاخوان اصحاب تاريخ فى الجماعة
مع بداية عام 2016 ظهر مكتب الأزمة بكيان مستقل عن كيان محمود حسين وتصادمت البيانات والتحركات بينهما ليظهر بوضوح وجود انقسام فكرى وعملى وإدارى داخل جماعة الاخوان، وكان ذروته عند اغتيال الدكتور محمد كمال في القاهرة بعد أن انطلقت إتهامات من مكتب الأزمة بضلوع كيان محمود حسين فى الاغتيال لرفضه العمل الثورى ( الذي كان من المفترض أن يقوم به محمد كمال رحمة الله عليه )
وبعد مرور مايقرب من6 سنوات أدرك ابراهيم منير (نائب المرشد) وأفاق على أن محمود حسين يستغل مكانته كأمين عام وان محمود حسين استاثر بالحكم والإدارة من ورائه وتسبب في حدوث اشكاليات متزايدة داخل الجماعة، وان الجماعة تسقط وهو لايدرى فى لندن!!
فقرر عمل انتخابات جديدة داخل الاخوان وافق عليها محمود حسين وجماعته و أسفرت عن ظهور شخصيات جديدة غير موالية لمحمود حسين الذى سرعان ما أعلن رفض النتيجة والتمرد عليها هو وجماعته، فكان الرد من إبراهيم منير ايقاف محمود حسين ومعه خمسة أشخاص واحالتهم جميعا للتحقيق.
لكن جماعة محمود حسين أعلنت الانقلاب الصريح وسحبت الثقة من إبراهيم منير.!!!!
فانفجرت الخلافات والانقسامات !!
*إلى هنا أتوقف بوضوح بعيدا عن الرماديين لكن متبحراً فى الواقع على مدى العقود الماضية حتى الآن واشرح بعض الأسباب لما طفح على السطح مستعيناً بالله، وأقول التالي:
*أولاً : فرضت جماعة الاخوان على أعضائها السمع والطاعة المطلق للجماعة فأنتجت قوالب شبه عسكرية من الأتباع.. طاعة الجماعة عندهم هدف فوق الحق ذاته وهى نقطة مفروضة للرسول صلى الله عليه وسلم ثم الخلفاء الراشدين وعلى تفصيل لكن الاخوان (و كل الجماعات استغلوها خطأ)*
ثانياً :افتقاد تفعيل الشورى الحقيقية داخل الجماعة مما أنتج حالة من سيطرة القرار المستبد معتمداً على الثقة والسمع والطاعة فأنتج عقولاً جامدة
ثالثاً :وضع مصلحة التنظيم فوق كل اعتبار وقيمة مما أنتج حالة من التقديس للجماعة فألغى الكثيرون علو الحق والتفكير بعقولهم ومعرفة مايحدث من حولهم من أجل مصلحة التنظيم، وهمشوا فى تفكيرهم وعملهم غيرهم من الكفاءات والمفكرين حتى من الإسلاميين أنفسهم ناهيك عمن هم من غير الاسلاميين !!
*رابعاً :ترهل جسد الجماعة بعد انتشاره الكبير فى الثمانينات ومابعدها مما سمح للكثيرين من أصحاب المصالح الشخصية بالإنضمام للجماعة وهو ما أحدث اختراقاً للبنية التنظيمية
* الولاء اصبح اهم من الكفاءات فحدثت اشكاليات داخلية ظلت مكتومة وانتشر المرض بدون علاج*
خامساً : دموية العسكر أنتجت هزيمة داخلية عند قطاع من الاخوان فتخندق حول مصلحته والبحث عن ملاذ آمن والبحث عن أى شكل مصالحة مع نظام السيسى برره برفض الثورة وخطأ التطلع السياسى وان الاخوان (دعاة لا قضاة)
سادساً :الأخطاء التى حدثت من جماعة الاخوان فى فترة حكم الرئيس مرسى رحمه الله أنتجت حالة تخبط شديد داخل الاخوان خاصة مع ارتفاع صوت النقد واللوم الذى قابله التبرير
سابعاً :حالة السقوط المتوالى لأحزاب منتمية للإخوان فى العراق وتونس والمغرب أوجد حالة من عدم الاتزان فى الرؤية عند بعض قيادات الاخوان وداخل الجماعة
كل ذلك انتج حالة متشاحنة منقسمة افرزت حالات الانقلاب التى لها أنصار وانقسامات لم تنتهى
لكن رغم كل ماحدث وما لايسعه المقال ولا النشر
إلا انه يوجد نقطة فيها جانب مشرق فقد ظهر داخل الاخوان المتقولبين حالة جديدة للخروج من القولبة وتفهم مايحدث والتحرر من القيود الاخوانية العتيقة وفهم ما حدث داخل الجماعة من استبداد وغياب للشورى مما سبب اخطاء كثيرة منها الانقلاب العسكرى
والانتخابات الأخيرة داخل الاخوان خطوة تصحيحية مهمة لكنها واحدة فقط من بين مائة خطوة أخرى، فالأمر جلل وخطير !!
على العموم جماعة الاخوان داخلها خير كثير وقدمت الكثير من التضحيات والعمل للإسلام
لكنها الآن تحتاج ثورة تصحيح وأهمها:
1_ تحقيق ركن التجرد او على الأصح الإخلاص لله وليس الإخلاص للجماعة والفرق كبير ودقيق
2_تحتاج قيادة (ذكية حكيمة شجاعة)
3_مراجعة فكرية وعقدية وتنظيمية
لكن هل فات الأوان خاصة مع اعتقال كل مكتب الإرشاد وقيادات الصف الثانى والثالث وضرب كل قواعد الاخوان والاستيلاء على أموالهم ومقارهم؟
*و هل دوامة السقوط فى بئر الانقسامات لن تنتهى؟
الواقع يقول ان محمود حسين لن يستسلم وستستمر المشكلة، لكن يبقى: أن ماحدث فى المحنة الأخيرة للاخوان لامثيل ولامقارب له من المحن السابقة ومع ظهور تغيير كبير فى وسائل التواصل والأفكار واستهداف جماعة الاخوان و اليوم غير الأمس فى السبيعينات عندما لملمت الجماعة جراح الخمسينات والستينات التى لاتقارن بجراح اليوم فماذا بعد؟
وهل سيستغل العسكر الخلافات لزيادة تفتيت الجماعة واللعب مع احد اطرافها؟
اسئلة كثيرة اجاباتها نتركها للتاريخ الذى قال ان سنن الله فى الحياة لايقف أمامها أية قوة، فالتاريخ يحكى ان الدولة الأموية التى حققت فتوحات ومجد وجهاد وحضارة وعلم وثقافة للإسلام وامتدت رقعة دولة الإسلام فى عهدها حتى وصلت الهند قد انتهت بعد93عاماً (جماعة الاخوان 91عام) وكان آخر حاكم لها مروان بن محمد الملقب بمروان الحمار وكان قائداً شجاعاً فتح ارمينيا واذربيجان
ولكن ذلك لم يمنع من سنن الله بانتهاء الدولة الأموية
*(قيل جلس مروان يوماً وقد أحيط به وعلى رأسه خادم له قائم، فقال مروان لبعض من يخاطبه: ألا ترى ما نحن فيه؟ لهفي على أيد ما ذكرت، ونعم ما شكرت، ودولة ما نصرت، فقال الخادم: يا أمير المؤمنين! من ترك القليل حتى يكثر، والصغير حتى يكبر، والخفي حتى يظهر، وأخر فعل اليوم لغد، حل به أكثر من هذا، فقال مروان: هذا القول أشد عليَّ من فقد الخلافة)*
.. وانتهت الخلافة الأموية.
. فهل ستكون تلك الانقسامات مع المحن والتساقط هى نهاية جماعة الإخوان تنظيمياً ؟
لست من الاخوان ولست منتمياً لأى جماعة ولكننى أتمنى من كل قلبى للإخوان كل الخير والتوفيق والسداد
ومهما كان: المسلم هدفه نصرة الإسلام..وكل الجماعات هى وسائل
ولكن التعصب مرض صعب، فمهما حدث لأى تنظيم وانتهى فكم من دول عظيمة سقطت وانتهت
المهم لا يسقط الإسلام*
ممدوح اسماعيل
محامي ونائب برلماني مصري فى برلمان الثورة 2012
أحد أبرز وجوه التيار الاسلامي في مصر
@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@
المقالات الواردة فى باب الرأي تعبر عن أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن الموقع وسياساته التحريرية