مسعود حامد يكتب: حكاية قرية مصرية اسمها (ناهيا) بمحافظة الجيزة

0 381

منذ أكثر من نصف قرن، تشتهر قرية ( ناهيا) التابعة لمحافظة الجيزة المصرية بأنها أكبر قرية سياسية في مصر، لكون التمثيل في المجالس النيابية لا يخرج إلا منها، وإن تناوبه حزبا الوفد والوطني، على أن القرية راسخة في العمل السياسي منذ قرنين ويزيد ،وجاء منها أول رئيس وزراء في تاريخ مصر الجديث.
الشيخ محمد المهدي أول رئيس وزراء مصري في العصر الحديث، بحسب لويس عوض، ووفقاً لكتاب ”ناهيا في ذاكرة التاريخ وقلب الحدث” لأحمد عبد اللطيف الزمر.
برز دور الشيخ عندما احتدم الصراع بين الشعب المصري من جانب، والوالي العثماني خورشيد باشا من ناحية أخرى، واستعان وقتها قادة الشعب وعلماؤه بمحمد علي كبديل للوالى المعين من قِـبل السلطان العثماني.
فكان أن اجتمع العلماء والمشايخ وسط تجمع شعبي كبير في 13 مايو 1805 وأعلنوا عزل خورشيد باشا عن الحكم وتولية محمـد عـلي.

ووفقا لكتاب (تاريخ الحركة القومية لعبد الرحمن الرافعي – الجـزء الثاني) فقد كتب محضـر هـذا الاجتماع بخط يده الشيخ محمد المهدي ابن قرية ناهيا، وجاء فيه ما نصه: «إن للشعوب، طبقاً لما جرى به العرف قديماً وما تقضي به أحكام الشريعة، الحق في أن يقـيمـوا الـولاة، ولهـم أن يعـزلوهـم إذا انحرفوا عـن سنن العـدل وساروا بالظلم؛ لأن الحكام الظالمين خارجـون عـلى الشريعـة”.

هذه الرسالة قال عنها الدكتور لويس عوض، في بحثه عن الحياة النيابية المصرية في العصر الحديث، إنها أرست مبدأ ” الأمة مصـدر السلطات”، وأن هـذه الجملة كانت تمهيداً لنشأة الفقـه الدستوري في تاريخ مصر الحديث.
لكن في نهج مغاير تماماً لذلك المبدأ الذي عمد الشيخ المهدي إلى إرسائه، تشدد (محمد علي باشا) في سياسة الحكم المنفرد وإزاحة أية زعامة شعبية قد تهدد انفراده بحكم مصر، وكان من ضمن تلك الزعامات الشيخ المهدي نفسه، الذي رفض محمد علي تعيينه بالأزهر. وقد كانت إحدى تلك التدابير الرامية إلى إحكام قبضة محمد علي على البلاد، والتي لها علاقة بحكايتنا عن ناهيا، أنه قام بضم كل الأراضي المصرية إلى أملاكه، لم يستثنِ من ذلك إلا الأراضي التي استطاع أصحابها إثبات ملكيتهم لها. وهو الأمر الذي انطبق على ناهيا، حيث كان الشيخ أحمد الزمر يمتلك ألفي فدان بها كانا قد آلا إليه قبل 30 عاماً، وذلك كمكافأة له من محمد بك أبو الدهب نظير مساندته له في انقلابه على سيده علي بك الكبير (والذي كان بدوره قد انقلب على السلطان العثمانى في محاولة باءت بالفشل لاستقلاله بحكم مصر .
وهكذا بقيت ناهيا خارج نطاق أملاك محمد علي؛ وهو ما يفسر تسمية ترعة الزمر باسم هذه العائلة، كما أنجبت أعلاما في عالم السياسة والإعلام والرياضة ليس أخرهم عصام العريان وأحمد ناصر وفريدة الزمر ومحمد أبوتريكة وغيرهم.
وهو ما يفسر أيضا: لماذا استمرت النظم العسكرية المتعاقبة في انتهاج سياسات وتطبيق ممارسات تستهدف قمع تلك القرية وحصارها، ولم تزل.

مسعود حامد

صحافي مصري مقيم باسطنبول

عضو نقابة الصحفيين المصريين

@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن الموقع أو سياساته التحريرية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.