محمود السعدني يتساءل: ضجيج بلا معركة أم طحين بلا جعجعة؟
تكاد القيود تشل حركتهم، والأصفاد جاهزة دوماً لتزيين معاصمهم، والتهديدات ترن في آذانهم أناء الليل وأطراف النهار بضرورة تسكينهم في فرشهم الأثيرة أسرى متراكمين ومتلاصقين داخل أقبية الزنازين الضيقة، في البرودة القارصة حيناً، وفى الحرارة العالية حيناً، وتحت ضغط نفسي وجسدي هائل لا يتلاءم مع مبادئ حقوق الإنسان، وبصحبتهم جمع هائل ومتنوع من غرائب الحشرات الزاحف منها والطائر، وذلك ليس عقاب لذنب قائم على دليل واضح ، أو نتيجة لحكم قضائي بات نهائي، بل إيمان من أولى الأمر بأن هؤلاء أدران غريبة عن المجتمع يستوجب وجودهم الانتفاء،أوعلى الأقل الإقصاء، درءاً للفتن، وحباً للوطن. .
وبعيداً عن أقبية السجون الضيقة، وفى أفنية فضاء الحرية الواسع، تلاحقهم الاتهامات، وتصب عليهم اللعنات من كل حدب وصوب، وفى كل وقت وحين، فكلامهم عجيب، وسكوتهم مريب، وتحركهم تآمر، وسكونهم تواطئ، وتواجدهم في كل الأحوال غير مرغوب فيه. .
فكيف يعيش قوم في مجتمع من يوجهه ويديره يتجاهلهم ويقصيهم ؟ وكل من يتغنى بمآثر الآمر الناهي فيه وولى نعمته، يقرن فضائله الفريدة برذائلهم الرائجة، زيادة في التقرب والتزلف . .
هذا حال ومآل الإخوان المسلمين وإخوانهم، تحاصرهم المحن، وتواجههم الخطوب، وتكتويهم نار خصومهم الكثر لأغراض محبوسة، وبتبريرات واهية. .
وعلى الرغم من كل هذا البلاء المنصب عليهم، اكتشفنا بعد تجميد أموالهم فى جمعياتهم الخيرية، إنها قد وصلت مساهماتها الفعالة لخدمة المجتمع لمستويات قياسية خرافية، بل وتغطى خدماتها جميع أنحاء الجمهورية صحية كانت أم اجتماعية، تعليمية كانت أو حتى ترفيهية.
فهم يعيشون في مجتمع يناصبهم فيه رؤساؤه الكره و العداء، ويشاطرون مرؤوسيه الحب والوفاء. .
فخدماتهم الصحية المقدمة لكل إفراد المجتمع على السواء فاقت وفضحت ما تقدمه الوزارة المعنية بهذا الأمر ذات الميزانية الواسعة، والخدمات المترهلة والمشفرة. .
وفضلاً عن تميزهم بتنوع كوادرهم في كل المجالات، وشعبيتهم الجارفة في كافة المنتديات، فريادتهم في اقتناص القيادة في حقل المؤسسات الشعبية تتم بسهولة، وتفوقهم في إدارة المؤسسات الاقتصادية الخاصة تسير بسلاسة وبدون ضجيج، وبنفس السهولة يتم الإطاحة بقيادتهم المنتخبة، فباتت قيود السجون بديلاً عن قلائد التتويج، وتجلت غريزة الغل الواضح في مصادرة ممتلكاتهم الخاصة، وشركاتهم الناجحة في حضرة وحضور عدالة القانون، وفى أجواء من ضجيج إعلامي صارخ يأخذ طابع التشفي الواضح الذي هو من ضرورات التقرب، وموجبات التزلف . .
وتكراراً لما حدث مراراً كانت مصادرة أموالهم والاستحواذ على ممتلكاتهم حدثاً روتينياً وصل لفرط تكراره لمرحلة الملل، سبقه أداء متشابه في المصادرة والاعتقال، وسوف يلحقه المزيد من المصادرة والملاحقة، كما تلاحقهم أحكام إعدام بالجملة وصلت لأرقام قياسية ناقصة في إجراءاتها، وسريعة في مداولاتها، وقاسية في أحكامها، ويتم قبولها بشجاعة ورباطة جاش تذهل خصومهم قبل مريدوهم، وبعد زوال الغمة وانتهاء الكرب، يزيلون بعض من أدران اليأس الذي ربما علق في نفوسهم، و يعودون لعملهم بحيوية ونشاط، مستعيدين مراكزهم المفقودة، ومعوضين أموالهم المنهوبة، ومحققين مكاسب قياسية في الكثرة في أوقات قياسية في القلة، فتضحيات الإخوان تتم في صمت، وإنجازاتهم الرائدة بدون ضجيج ، وطحينهم ــ دوماً ــ بلا جعجعة.
محمود السعدني
أديب وروائي مصري
وكيل وزارة بالتربية والتعليم بمصر سابقا
*********************************************************************
الآراء الواردة فى المقال تعبر عن صاحبها، ولا تعبر بالضرورة عن موقع الشادوف أو تمثل سياساته التحريرية