محمد عماد صابر يكتب: مفتي الإعدامات والافتراء على الإخوان

0 538

دَرج النظام العسكري الحاكم في مصر- كغيره من أنظمة المنطقة- على تخليق نماذج من شيوخ السلطان في معاملها، ظاهرها عمامة أزهرية وباطنها بيادة عسكرية، يخدرون العوام، ويُعطون المشروعية لقرارات النظام، ويبررون جرائمه ولو كانت قتل النفس التي حرم الله، في مجازر تقشعر لها الأبدان، أو بتنفيذ أحكام إعدام جائرة أقرتها محاكم مشبوهة.


ومعيار مشايخ السلطة أنك تفتقدهم في النصح والنقد، ولا تجدهم إلا حيث يأمر السلطان أو ينهى، أو حيث يحب ويكره، فهم لا ينطقون إلا بما يوافق هوى الحاكم، فلا يغضبونه، ولا يقولون ما يسوؤه. وهكذا فلكل عصر سحرة، يسبحون بحمد الحاكم، يسحرون أعين الناس ويسترهبونهم.

شوقى علام مفتى الإعدامات، تحركاته المثيرة للجدل كفتاويه وتصريحاته، عيّنه الرئيس الراحل محمد مرسي احتراماً للدستور والقانون في فبراير/ 2013، ومدد له السيسي، ثم جدد له عاماً أخر في منصبه، خلافاً للدستور والقانون.. توجه علام منذ ثلاثة أيام إلى برلمان بريطانيا، يوزع تقريراً عن “عنف الإخوان”وحرية الاعتقاد وحرية الرأى والتعبير وحفظ الكرامة الانسانية”!!.
وحتى تتخيل بوضوح حجم الجريمة التي يشارك فيها مفتي الجمهورية، فيكفيك أن تعلم أنه منذ انقلاب 2013 وحتى أغسطس/ 2021، وافق علام على إعدام أكثر من 1600 مواطن في قضايا ذات طابع سياسي فقط!، لتحتل مصر في عهد هذا المفتي المرتبة الأولى في الدول التي تصدر أحكاماً بالإعدام على مستوى العالم.
وهكذا أصبحنا نسمع ونقرأ بأن الإخوان هم أصل البلاء، وأنهم أدخلوا التشدد في الدين، وأنهم السبب في ظاهرة التكفير والعنف والارهاب إلى غير ذلك من الاتهامات الخالية من الإثبات، لكن السؤال هنا هل تقييم المفتي لجماعة الإخوان كان نتاجاً للنظر في تاريخهم بأسره؟ أم هو نتاجٌ لآخر تسع سنوات؟!
فإن كانت الأولى، فكيف يفسر هؤلاء وجود الإخوان في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية بقوة طيلة هذه العقود؟. هل كانت السلطات تغض البصر عن هذه الجماعة الإرهابية خوفا أو طمعًا؟ وكيف يفسرون هذا الانصهار القوي لتلك الجماعة مع المجتمع، والتعبير بقوة عن كونها جزءًا من هذا النسيج؟ وكيف يفسرون التفاف الجماهير حولها كحزب معارض في كثير من الدول العربية؟.
أما إن كان اتهامها بالإرهاب نتاجا للنظر في السنوات الأخيرة من بعد ثورات الربيع العربي، فإنه قول لا يعبر إلا عن توجهات أرباب الثورات المضادة، الذين رأوا كيف قامت الجماهير بتصعيد الإسلاميين ودعمهم، لأنهم يقودون مرحلة ما بعد الثورات، لقد ساءهم أن يروا الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج وهي ترجم كافة المبادئ المستوردة من الغرب والشرق وتتشبث بهويتها الإسلامية وترفع الشعارات التي تؤكد انتماءها للإسلام، وتعرض عما سواه، ولما كان للاخوان الدور الرائد في تشبث الجماهير بإسلامها؛ لم يجد أرباب الثورة المضادة سوى تهمة الإرهاب والخروج، ليناجزوا بها جماعة الإخوان ذات الحواضن الشعبية القوية، بعد أن أعيتهم الحيل في وأدها، فكان الحل الأمثل هو فك الارتباط بين الجماعة والمجتمعات، وشقها إلى شقين، الإخوان في جانب، والنظام بقيادته ومؤسساته في جانب، فإما أن تكون تابعا مؤيداً لسياسات النظام، أو تكون إخوانياً، والشعب كأنه غير موجود على الخريطة.

الرد على افتراءات المفتي

أولا: الإخوان منذ نشأتها هيئة إصلاحية جامعة، يعرفهم الشعب المصرى ويعرفهم العرب والمسلمون ويعرفهم العالم أجمع، لايخافون من أحد، ولايخوفون أحداً، أيديهم ممدودة وقلوبهم مفتوحة، رغم بعض إخفاقاتهم السياسية كما غيرهم، إلا أنهم أبعد الجماعات والفصائل الإسلامية عن الإرهاب والتطرف، لأسباب عدة، أبرزها وسطية الفكر، ومتانة التنظيم الذي يحكم السيطرة على عناصرها فلا يجنحون إلى التكفير والعنف والإرهاب، ولذلك تجد أن أفرادهم لاعلاقة لهم إطلاقاً بالجماعات المسلحة والتكفيرية، التى تكفر الإخوان انفسهم.

ثانيا: أعضاء الإخوان مهما كان الانشقاق بين قيادتهم – خاصة في هذه الآونة – إلا إنهم لا يحيدون عن النهج العام والخطوط العريضة الأساسية لهذا التيار، التي من أبرزها السلمية في مواجهة ضغط الواقع. ويرجع السبب في ذلك إلى أن محاضنهم التربوية تحقق للمتربي نوعاً من الإشباع، بالحديث المتكرر عن تاريخ الجماعة وقوتها وإنجازاتها وتمددها في دول العالم، ونتيجة لهذا التشبع يرى المتربي، أن هذه الجماعة مهما تلبست بالضعف أو الانشقاقات، فسوف تظل هي الأقدر والأولى لقيادة الأمة، ومن ثم لا يحدث الجنوح الفكري والسلوكي إلا نادراً جداً.

ثالثا: من العجيب والغريب أن ينسب منهج الإخوان إلى التشدد والغلو، مع أنها بالأساس تعتمد منهج مدرسة التيسير في الفتوى، إلى الحد الذي اتهمهم غيرهم بالتهاون في الدين، وقد شاهدنا معركة شرسة في الفروع بينهم وبين منتقديهم.. الإخوان هم أبعد الناس عن ظاهرة التشدد الديني والفقهي، وإن آلاف الكتب والرسائل التي كتبها قادة الإخوان ومفكروهم ودعاتهم من أمثال الإمام حسن البنا وحسن الهضيبي وعمر التلمساني ومصطفى مشهور ومصطفى السباعي ويوسف القرضاوي، ومحمد الغزالي وفتحي يكن وغيرهم الكثير لهي خير شاهد على أن الإخوان أبعد الناس عن التشدد والغلو في الدين.

رابعا: من العجيب والغريب أيضا، أن يتهم الإخوان المسلمون بالإرهاب، وكثير منهم إما خلف القضبان، أو تحت التراب، أو في المنافى، وهو الثمن الذي دفعوه ليظلوا على سلميتهم، ولو كانوا يبغونها عنفاً، لحمل كل منهم السلاح، ولم يكن ذلك عسيراً، بل كان الشباب المتعجل ينتظر أن يؤمر بذلك تحت وطأة الإجراءات التعسفية القمعية لحكومات الثورة المضادة.

خامساً: الإخوان اليوم أصبحوا الشماعة المفضلة للمستبدين، ليعلقوا عليها أخطاءهم بحق شعوبهم وفشلهم في إدارة أزماتهم، فإذا ما طولبوا بالوفاء بوعودهم الإصلاحية قالوا: ألا ترون أننا أنجيناكم من حكم الإخوان الإرهابييين؟، ألا ترون أنهم بنا يتربصون؟، فيلقمون الناس الطين كي يصمتوا.
الإخوان اليوم أصبحوا ورقة الرعب التي تشهر في وجه أي معارض، فإذا ما خرج أحدهم عن الخطوط الحمراء وتكلم في الحقوق والواجبات؛ لاحقته التهمة بأنه من الإخوان، بل أصبح الإخوان اليوم، التهمة المعلبة الجاهزة لكل من يسعى إلى الإصلاح ونشر الفضيلة، بل لكل من يتحفظ أو يتعفف عن الإسفاف. وحال ذلك كحال قوم لوط (أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون).. المهم مادامت هناك احتمالات مرجحة باندلاع إضرابات اجتماعية بسب تداعيات الأزمة الاقتصادية، والتي سوف تتفاقم بشكل جنوني فى الأيام المقبلة فإن النظام سيلجأ إلى شماعة الإرهاب سواء على المستوى الميداني في سيناء بتسخين الأجواء، أو على المستوى الدبلوماسي في المحافل الدولية بالحديث عن الإخوان ومتلازمة الإرهاب كما يفعل الآن مفتى الإعدامات شوقي علام، لدغدغة مشاعر الأوربيين، وكسب حيادهم إذا ما اندلعت مظاهرات وواجهها النظام بالآلة العسكرية.
فالنظام يخطط لما هو قادم ومتوقع، وما يقلق النظام أكثر هو ما يظهر من إشارات تنبئ بلجوء أمريكا لتفعيل ورقة التيارات الإسلامية في المنطقة وحول العالم خلال حربها ضد روسيا والصين، فالسيسي لايملك أي ورقة حالياً يستطيع بها إقناع الشعب بالصبر، كما فعل في السنوات السابقة، فالأزمة الاقتصادية العالمية كاسحة وساحقة خصوصا في الدول الفقيرة.
سادساً: ليس منطقياً أن تصف الإخوان بأنهم إرهابيون في حين أن حكومات بل والمجتمع الدولي بأسره يتعاملون مع دول الإخوان فيها يمثلون تكتلات قوية في برلماناتها، وربما كان هذا هو العائق لدى أمريكا وأوروبا أمام تصنيف الجماعة بأنها إرهابية، رغم مواقفها المتشددة تجاه الإخوان عموماً، لأن تصنيفها بأنها جماعة إرهابية قد يخلق أزمات سياسية بين تلك الدول وبعض البلاد التي تغلغل الإخوان في مفاصلها أو برلماناتها، ولهم ثقلهم السياسي فيها، كما هو الحال في الكويت والأردن والمغرب وغيرها.
ومن عجائب الصراعات السياسية وتعقيداتها أن نرى هذا التناقض:
1- النظام السعودي يصنف جماعة الإخوان جماعة إرهابية، وفي نفس الوقت يدعم إخوان اليمن كجزء من التحالف الدولي.
2- نظام السيسي يصنف جماعة الإخوان جماعة ارهابية وفي نفس الوقت يرفع حماس من قائمة الإرهاب، ويجري معها الحوارات حفاظاً على دور النظام الوظيفي في الملف الفلسطيني ومكتسبات هذا الدور.
2- بريطانيا تصنف حماس سياسياً وعسكريا ضمن التنظيمات الإرهابية، لكنها لا تصنف إخوان مصر كجماعة إرهابية، وكذلك الأمر بالنسبة لأمريكا!.
4- بل الاعجب من ذلك كله دولة الاحتلال الإسرائيلي تصنف حماس منظمة إرهابية بينما لا تصنف منصور عباس وحزبه بهذا الوصف، وهو نائب رئيس الحركة الإسلامية (الشق الجنوبي للإخوان المسلمين في فلسطين الداخل منذ العام 2010), وهو زعيم القائمة العربية الموحدة، وعضو في الكنيست عن الحزب!.
فالصراع جوهره سياسي بين الأنظمة وتيارات تريد التغيير السياسي سواء إسلامية أو غير إسلامية، فكل من يريد التغيير متهم بالإرهاب أو داعم له، وفي هذا الصراع توظف فيه كل الأوراق وبشكل ساخر متناقض.

سابعاً: الإخوان خطر على الحكام المستبدين وليسوا خطراً على الشعوب، وتفوق خطورتهم على هؤلاء المستبدين خطورة الجماعات الإرهابية المسلحة، لأن مواجهة هذه الفصائل التكفيرية الإرهابية محل إجماع، وليست لهم حاضنة شعبية، أما الإخوان فعملهم السلمي في الميدان السياسي والاجتماعي والاقتصادي والإعلامي، وانخراطهم في المجال الخدمي، وتاريخهم في مواجهة المحتلين جعل لهم حاضنة شعبية تؤيدهم، حتى يومنا هذا.

ثامناً: إن أكثر ما ينبغي التدقيق به عند الترويج بأن هذه الجماعة إرهابية أن جماعة الإخوان لم تصنف في كافة الدول العربيةـ عدا النظام السوري- كجماعة إرهابية إلا بعد ثورات الربيع العربي، والسبب واضح، أنها كانت جزءاً حيوياً من هذه الثورات، وصعدتهم الجماهير لأنهم أقرب القوى المدنية لتسيير الحياة السياسية بعد عصر الديكتاتوريات.

محمد عماد صابر

سياسي وبرلماني مصري
من نواب برلمان الثورة 2012

الآراء الواردة فى المقال تعبر عن صاحبها، ولا تعبر بالضرورة عن موقع الشادوف أو تمثل سياساته التحريرية

المشاركات الاخيرة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.