محمد عماد صابر يكتب لـ (الشادوف): وفود أجنبية لتهنئة المستشار بولس إسكندر .. لماذا ؟

0 499

يجب أن ندرك عمق التحولات التاريخية التي يشهدها الغرب الآن والتي تشهد بوادر قريبة المدى لعودة التكتلات في الغرب على أساس المسيحية، بعد استنفاذ المنظومة القيمية العلمانية لرصيدها في البقاء، الأمر الذى يدفع باتجاه استنهاض البعد الديني الصريح في الصراع بين الغرب والإسلام بصفة عامة ..
المسيحية أساسا لم تختفِ من السياسة الأوروبية كما يظن البعض، حتى مع الهيمنة العلمانية، بل ظلت هى الهوية الكامنة والظاهرة وإن تخلى الغربيون عن ممارسة شعائرها وطقوسها وإن عبَّروا عن ازدرائها والتنصل من التزاماتها، طريقة تفكير الأوروبيين اليوم هى وليدة انفعالات ومشاعر أنشأتها في الأساس الحروب الصليبية .. نعم، فقد البابا جزءًا كبيرًا من نفوذه الروحي، وفقدت الكنيسة قدرًا عظيمًا من نفوذها السياسي، وهُزِمت المسيحية أمام العلمانية على مستوى العبادات والشعائر والسلوك الشخصي حتى اضطر بعض رجالها أن يشرعن الزواج المدنى وأن يشرعن زواج الشواذ.

لكن إذا نظرنا في السياسة الغربية الداخلية والخارجية بإجمال فلن نجد حيادًا تجاه الأديان، بل لا تزال المسيحية هي الدين الأثير، ولا تزال الكنائس تتمتع بأنهار من الأموال والذهب والنشاطات الواسعة البعيدة، ولا يزال الفاتيكان حجر أساس في السياسة الدولية، وأما فى بلادنا هنا، كانت ومازالت الأقليات المسيحية تنعم بالحنان والدفء والاهتمام الغربي، ورغم الدخول الغربي في الحقبة العلمانية منذ أكثر من قرنين فلا تزال الروح الصليبية ظاهرة حاضرة، فالأعلام الأوروبية زاخرة بالصليب والبرتوكولات الملكية والرئاسية حافلة بمراسم وتقاليد وأشكال صليبية، وحين دخل الجنرال ألنبى القدس نشرت الصحف الإنجليزية عنوانا يقول “الآن انتهت الحروب الصليبية” ورسمت إحداها كاريكاتيرًا لريتشارد قلب الأسد وقد قرّت عينه باحتلال القدس، وحرص غورو قائد جيش الجمهورية الفرنسية “العلمانية” أن يركل قلب صلاح الدين في دمشق قائلًا: “ها قد عدنا يا صلاح الدين”، ووقفت أوروبا وماطلت ضد دخول تركيا -يوم أن كانت علمانية مخلصة للعلمانية- إلى الاتحاد الأوروبي، وكاد بندكت السادس عشر ينجح في أن يضع ضمن بنود ميثاق الاتحاد الأوروبي ميثاقًا عن الهوية الصليبية لأوروبا، وتخبرنا كونداليزا رايس في مذكراتها أنه حتى عهد جورج بوش الابن كانت المنظومة المدفعية الأمريكية الرئيسية الموجهة للسوفيت تسمى crusader “صليبية”، وجميعنا يذكر ما قاله بوش الابن عن حربه المرتقبة على الإسلام “إنها حملة صليبية جديدة”! ثم استدركها مستشاروه وقالوا: “إنها فلتة لسان”، وإنى لأصدقهم في أنها فلتة لسان، ولكنها كما قيل: “فلتات اللسان تخبر عن مكنونات الصدور”.

الخلاصة أن أوروبا لم تتخل عن الهوية المسيحية الصليبية كى تستدعيها من جديد، لقد كانت دائمًا حاضرة حتى وإن تخفت أحيانا تحت زخارف علمانية عصرية ومقولات مادية عقلانية .. وما كان ممكنًا أصلًا أن تتخلى أوروبا عن المسيحية فإنها هوية عميقة دفينة راسخة في الغرب رسوخًا عظيمًا كذلك.

السيسي وعصابة الحكم في مصر يدركون هذا البعد الذي تحدثنا عنه، ولذلك فهم يدغدغون مشاعر الغرب، وفى هذا السياق يأتي تعيين بولس فهمي (المسيحي) رئيسا للمحكمة الدستورية العليا كسابقة أولى في تاريخ مصر، كما يأتى تعينه فى سياق استراتيجية السيسى المعروفة ب”الاستراتيجية المضادة للانقلابات”، والتي ترتكز على عدة نقاط منها:

1- التلاعب بالمؤسسات.

2- نسج شبكة من العلاقات داخل المؤسسات العسكرية والأمنية والدينية وغيرها تدين بالولاء له.

3- نسج شبكة من العلاقات الخارجية تدعم بقاءه في السلطة.

4- إيجاد نوع من التبريرات الايديولوجية التي تناسب حكمه وعصره وتلقى قبولا من الغرب.

5- تفعيل دور الحاشية المقربة التي تدعم أجندته السياسية على غرار النمط الخليجي.

وهكذا .. فإن كل رئيس يأتى ومعه استراتيجيته الخاصة والمضادة للانقلاب عليه بكل خططها وتكتيكاتها على المستوي الداخلي.. والخارجي أيضا .

محمد عماد صابر

سياسي وبرلماني مصري

من نواب برلمان الثورة 2012 

*********************************************************************

الآراء الواردة فى المقال تعبر عن صاحبها، ولا تعبر بالضرورة عن موقع الشادوف أو تمثل سياساته التحريرية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.