محمد عماد صابر يكتب لـ ( الشادوف ) عن : “دولة عسكر بابا” !!
عبر التاريخ البشرى فإن الشعوب هي التي تقيم نظاما وتسميه دولة وتختار له رئيسا ومؤسسات، كى تؤدى تلك الدولة دورا وظيفيا وهو خدمة الشعب في كل المجالات، فى الصحة والتعليم والمواصلات وإيجاد فرص عمل للمواطن… الخ
فماذا حدث في مصر؟؟.. في مصر إستولى الجيش على الدولة في 52، وتحت شعارات التخلص من الملك الفاسد والاحتلال الإنجليزى، تم الإستيلاء على الدولة، حاول عبد الناصر أن يؤدى دور الدولة الوظيفى، ولكنه وهو يفعل ذلك فرض الوصاية على الشعب ودمر النظام السياسى عبر الإعتقالات والسجون وأصبحت دولة الصوت الواحد، وهذا مافعله كل الطغاة عبر التاريخ وهنا تحول الشعب إلى خادم لدولة عبد الناصر ( دولة بابا )، فانقلبت الأدوار، وتوارى الشعب بتياراته السياسية في ركن مظلم، ووسط قنابل الدخان من الأناشيد الوطنية والثورية، صودرت مقدرات الشعب لحساب دكتاتور عسكرى وطغمة من العسكريين والسياسيين.
عندما إعتلى السادات سدة الحكم، وانتهت حرب 73، كانت خزينة مصر قد أفلست بسبب سياسات عبد الناصر الفاشلة وسياسة الصوت الواحد، لقد كانت ورطة كبرى، أصبحت دولة بابا دولة فاشلة، هنا لجأ العسكر كعادتهم لتحميل المسؤلية للشعب.. فتم الترويج لفكرة أن الحرب مع إسرائيل هي سبب الإفلاس والفشل ( طبعا دول كثيرة خاضت حروب طويلة وبها ميزانيات عسكرية ضخمة ولم تفشل مثلنا )
المهم تم صناعة تمثيلية السلام مع إسرائيل، حتى يأكل المصريون الشهد من جراء التطبيع مع الصهاينة.. ثم تم الترويج لفكرة، أن المصريين شعب كسول غبى لا يحسن إلا التناسل وأن زيادة السكان تلتهم كل عمليات التنمية في مصر التي تقوم بها.. دولة بابا.. وعليه فقد بدأت دولة السادات تنسحب من حياة المواطن، باختصار بابا، مش معاه، ( أنا لو معايا أديك ) فلا فرص عمل، ولا تعليم جيد، ولا صحة حقيقية، ولا مواصلات آدميه، ولا مسكن ..الخ
طبعا تسارعت وتيرة انسحاب دولة بابا في عصر مبارك (بابا الحرامى).. كل ذلك مع زيادة حجم الفساد والسرقة مع اتساع رقعة النخبة الفاسدة التي تدير دولة بابا، العسكريه، وتم رهن مقدرات مصر لحساب القروض والرز الخليجى.
ولأن الشعوب لازم تعيش.. فقد صنع الشعب دولة موازية لدولة بابا.. كى تلبى الحد الأدنى لاحتياجاتهم.. فكانت الدروس الخصوصية، والمستوصفات الخاصة، ودولة الميكروباص والتوك توك، وخرج ملايين المصريين يبحثون عن لقمة العيش المغموسة بالذل والمهانة في أرجاء الدنيا، ومن لم يستطع السفر لجأ للرشوة والفساد، وانتشرت تجارة المخدرات والدعارة القانونية عبر بيع بناتنا للخلايجة، والدعارة غير القانونية، وكل وسائل الكسب غير المشروعة،
وبنى الناس مساكنهم الخاصة، وانتشرت العشوائيات، في كل مدن وقرى مصر حتى سكن ملايين المصريين المقابر في ظاهرة لم تعرفها أي بلد أن يسكن الأحياء مع الأموات ( طبعا حاز العسكر والنخبة الفاسدة القسط الأعظم من الإستيلاء على أفضل أراضى مصر وشواطئها ).
ثم كانت ثورة 25 يناير.. والتى حاول فيها الشعب أن يتخلص من دولة بابا وينشأ دولة حقيقية تخدمه وتلبى طموحاته، ولكن العسكر رفض ذلك، وكان الإنقلاب العسكرى، لتعود دولة بابا، وليعود الشعب إلى مربعه المظلم، ينتظر الهبات والعطايا من بابا الذى يعرف مصلحته أكثر منه،
وبعد سبع سنوات من الفشل، وجدت دولة بابا، نفسها تختنق، بسبب الديون والأزمات من جراء مشاريع الفنكوش السيساوية، من قناة السويس، إلى العاصمة الإدارية، إلى بيع تيران وصنافير، إلى أزمة مياه النيل، إلى قصور انتصار.. هنا عادت دولة بابا إلى عادتها القديمة، بابا لم يفشل،
المشكلة هي في هذا الشعب الكسول الغبى الذى يتناسل مثل الأرانب، ويغتصب أراضى الدولة، ولايجيد عملا، سوى الأكل والشرب والتزاوج .. أيها الشعب الغبى أخرج كى تبحث عن لقمة العيش خارج مصر، أما هذا المنزل المخالف الذى بنيته بعرق السنين سوف نهدمه على رأسك إن لم تدفع لنا اللى وراك واللى قدامك، هكذا قالت دولة بابا.. أيها الناس باختصار إن مصر مخطوفة منذ سبعين عاما لحساب دولة بابا.. وأخشى ما أخشاه أننا لو تذمرنا من بابا، أن يخرج لنا بابا من صندوقه الأسود، عقدا مسجلا في الشهر العقارى، بأن أسلافه من العسكر قد اشتروا مصر من الملك فاروق منذ 52.. ومن حكم في ماله فما ظلم!!.
الخلاصة؛ الواقع يؤكد أن رجال الجيش ليسوا مستعدين قط للتخلي عن الحكم، أو البعد عن السياسة، بل متشبسين بالبقاء في الحكم إلى أجل غير مسمى، حفاظا على الميزات الاعتبارية والاقتصادية التي يتمتعون بها وحماية للمصالح الاستعمارية الغربية.. ويؤكد كذلك أن الدولة العسكرية منذ 52 ومصر في منحني هابط نحو الخراب والانهيار على كافة الأصعدة اقتصاديا وتعليميا وصحيا وإجتماعيا وأخلاقيا وإنسانياً، لقد جربت الشعوب العربية الحكم العسكري فوق النصف قرن والأرقام التي تخرج من المؤسسات الدولية عن هذه الحقب وحال تلك الشعوب مخيف ومرعب ولايبشر بخير، من حيث ارتفاع الدين الخارجي والداخلي، وارتفاع نسبة الفقر، وتدني المعيشة، والتدهور المستمر في قطاعات حيوية مثل الصحة والتعليم والصناعة والزراعة والمياه والبطالة وانتشار الأمراض المزمنة الفتاكة، وارتفاع نسبة الجريمة، وتعاطي المخدرات، والانفلات الأمني، وتوحش طبقة الرأسماليين وتضخم ثرواتهم، وكذلك الهزة المجتمعية التي أصابت أخلاق المجتمع وقيمه بشرخ كبير يحتاج علاجه لوقت طويل.. لذا يجب الإصرار على الخلاص من حكم العسكر، والسعي بكل السبل نحو الحكم الرشيد، الذى يتمتع فيه الفرد بكامل حريته.. وهنا تقع المسؤولية على عاتق رجالات الصفوة المخلصة، والنخب السياسية والاجتماعية الصادقة والواعية.. وذلك يحتاج إلى بذل الجهود، ورفع الوعي، وتوحيد الصف الوطني على اختلاف مشاربه، والتعاون البنّاء بينهم، وتقديم مصلحة الوطن على كل مصلحة شخصية أو حزبية أو طائفية، والزمن جزء من العلاج.
محمد عماد صابر
سياسي وبرلماني مصري
من نواب برلمان الثورة 2012
الآراء الواردة فى المقال تعبر عن صاحبها، ولا تعبر بالضرورة عن موقع الشادوف أو تمثل سياساته التحريرية