محمد عماد صابر يكتب: قراءة في عقلية الروس والأمريكان (2-3)

0 568

المعضلة الأمنية وعدم الثقة ومن ثم العداء الأبدى بين الروس والأمريكان له جذور عميقة، ضاربة في التاريخ، ولفهم ذلك يتطلب فهم عقلية الأمريكان والروس، تلك العقلية التى ترسم السياسات الخارجية، و تحدد متى الخوف والقلق، وبالتالي ترسم الخطوط الفاصلة بين الأصدقاء والحلفاء والخصوم والأعداء.

“الجغرافيا السبب الرئيسى في تشكل عقلية القطبين”

لكى نفهم عقلية الروس والأمريكان لابد من فهم الجغرافيا فهي السبب الرئيسي الذي رسم وشكل كلا العقليتين.. تعد أمريكا من الدول التي خاضت حروبا كثيرة، قبل استقلالها وبعده، فهي أمة لا تضع السلاح، فعلى مدار التاريخ الأميركي ( 24-76 عاما ) غاب تورط الجيش الأميركي في مغامرات عسكرية بالخارج 17 عاما فقط، ويمثل ذلك نسبة 7% من التاريخ الأمريكى، أى أن أمريكا كانت فى صراعات عسكرية خارجية مدة 93% من تاريخها!!، لكن حروب الولايات المتحدة يمكن تسميتها بحروب الدولة المطمئنة للدفاع عن مصالحها وليست حروب وجودية أو مصيرية، على عكس الروس حروبهم وجودية فهم يدافعون عما يعتقدون أنه ( إما نكون أو لا نكون)، الروس مثلا لم تكن لديهم رغبة في دخول الحرب العالمية الثانية، لكن الذي دفعهم لدخول الحرب هو غزو هتلر للاتحاد السوفيتي فيما عرف بعملية بربروسا سنة 1941، وبالتالي وجد الاتحاد السوفيتي نفسه مضطرا لدخول الحرب والتحالف مع الغرب لدفع خطر هتلر الذي يهدد وجودهم.. بينما الدافع الأساسي للولايات المتحدة الأمريكية لدخول الحرب هو رغبتها بأن تكون دولة عظمى.

” استمرار رغبة الأمريكان كدولة عظمى “

في هذا السياق يتحدث اثنان من كبار منظري الحرب الباردة ويشرحان الاستراتيجية الكبرى للولايات المتحدة الأمريكية ومتى يجب أن تحارب: الشخصية الأولى “جورج كينان” (1904-2005) إحدى الشخصيات الأمريكية التي ساهمت في تغيير العالم بطرحها لمبدأ الاحتواء، والذي يطلق عليه لقب مهندس الحرب الباردة.
والشخصية الثانية “والتر ليلمان”(1889- 1974) وهو من أوائل من أدخلوا مفهوم الحرب الباردة.. الرجلان وفي سياقين مختلفين عرَّفا بعد نهاية الحرب الحرب العالمية الثانية أن الاستراتيجية الكبرى للولايات المتحدة الأمريكية لكى تصبح دولة عظمى، عليها أن تقوم بقطع الطريق على صعود أي دولة أخرى فى العالم وتحديدا في أوروبا وآسيا وذلك من خلال منعها من أن تمتلك أى موارد اقتصادية (القدرات الصناعية الكبيرة)، تفوق موارد الولايات المتحدة، وحتى لا تصبح تلك الدولة مصدر تهديد لها، علي أمريكا أن تتأكد أنها سوف تحارب وسوف تحشد لقطع الطريق على أي دولة طامحة أن تصبح في وضع يهدد الوضع الإمبراطوري للولايات المتحدة.
وهذا يعني أن أمريكا حاربت الاتحاد السوفيتي وتسعى الآن للحرب مع روسيا والصين ليس بالضرورة لأن هذه الدول دول معادية، ولكن لأنها يمكن أن تمثل خطرا على الولايات المتحدة.
في هذا السياق أيضا يقول البروفسير “والتر راسل ميد” في كتابة ( العناية الإلهية. السياسة الأمريكية الخارجية وكيف غيرت العالم) حيث تكلم عن التوجهات الرئيسية في السياسة الخارجية منذ نشأت الولايات المتحدة، وذكر أن أحد هذه التوجهات أن الأمريكان يؤمنون أنه لكي يصبحوا دولة عظمى يجب أن يتبعوا خطى بريطانيا العظمى، حيث كانت بريطانيا العظمى تعرف الدولة العظمى من خلال امتلاكها اقتصاد قوي.. والاقتصاد القوى لا يتحقق إلا من خلال شركات داخل أمريكا وخارجها، وأن على الدولة الأمريكية وجيشها حماية مصالح هذه الشركات، وخلق نظام دولى تعمل فيه الشركات الأمريكية بحرية ومحابي لها، وقطع الطريق على أي دولة يمكن أن تهدد المصالح الاقتصادية الأمريكية. وذلك من خلال تحالف الأمريكان مع أصدقائهم لاحتواء هذه الدولة إما سِلما أو باستخدام القوات العسكرية.. ما يقوله “والتر راسل ميد” يذكرنا بالتعبير الشهير الذي أشاعه البروفسير “جراهام أليسون” في الأوساط الأكاديمية والسياسية والدبلوماسية هذا التعبير هو “مصيدة ثيوسيديدس” في كتابة الشهير ( متجهون للحرب: هل تستطيع أمريكا والصين الهروب من فخ ثيوسيديدس؟)
ومصيدة ثيوسيديدس تعبير قديم و ثيوسيديدس هو الجنرال الذي أرخ لحرب اسبرطة وأثينا من حوالي 2400 سنة، وقتها أدرك بعبقريته أن الحرب بين اسبرطة القوى الكبرى المهيمنة وأثينا القوى الوليدة لم تكن بالضرورة لأن أثينا أضرت بمصلحة اسبرطة، ولكن لأن اسبرطة شعرت بالقلق من تنامى قوة أثينا، وبالتالي يمكن أن تؤثر على مصالحها ونفوذها في المستقبل. وهكذا تحولت “مصيدة ثيوسيديدس” إلى نظرية سياسية على يد جراهام أليسون. وللحديث بقية.

د. محمد عماد صابر

سياسي وبرلماني مصري

من نواب برلمان الثورة 2012 

*********************************************************************

الآراء الواردة فى المقال تعبر عن صاحبها، ولا تعبر بالضرورة عن موقع الشادوف أو تمثل سياساته التحريرية

المشاركات الاخيرة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.