محمد عماد صابر يكتب عن : مصر .. والأزمة الأوكرانية !
لماذا التزمت مصر الحياد فى أزمة الحرب، الغزو الروسي لأوكرانيا؟ رغم الموقف الأميركى والغربى الواضح من عملية الغزو الواسعة والمدمرة إلا أن الموقف المصرى جاء محايدا أو تائها بين الموقف الدولى والموقف الروسى،حيث دعت فى بيان لها “تغليب لغة الحوار والحلول الدبلوماسية والمساعى التى من شأنها سرعة تسوية الأزمة سياسياً بما يحافظ على الأمن والاستقرار الدوليين”.
السؤال؛
-لماذا التزمت مصر الحياد في أزمة الغزو الروسى لأوكرانيا؟
-وما دلالة بيان خارجيتها الذى دعا إلى تسوية الأزمة سياسيا والحفاظ على الأمن والاستقرار الدوليين؟
-أين تقف مصالح مصر فى تلك الأزمة؟
الحقيقة: حال مصر السيسي حيال الأزمة الأوكرانية هو نفس حال باقى الأنظمة العربية، حيث التزم الجميع الصمت.
فى هذا السياق آثرت مصر الإبقاء على”مسافة أمان” تفصلها عن الفرقاء المتورطين في لعبة كسر العظام، وعرض العضلات .. ولاذت مصر بالصمت – رسمياً – تاركةً للإعلام وحده، مهمة الذهاب فى كل الاتجاهات، بالمواقف والتحليلات.
الأزمة الأوكرانية عكست، حجم التراجع فى المكانة الشرق أوسطية للولايات المتحدة، حتى في أوساط حلفائها التقليديين، وأظهرت فى المقابل، حجم “الاختراق” الذى سجلته علاقات موسكو بدول المنطقة، خلال السنوات العشر الفائتة.
ويبدو واضحا أن مصر السيسي، لا ترغب فى استثارة غضب روسيا المتواجدة عسكريا في سوريا وليبيا وبعض دول أفريقيا .. خاصة وأن واشنطن نفسها وحلفاؤها الغربيون لم يظهروا الصلابة والقدرة الردعية الكافية، حيال الغزو الروسي لأوكرانيا، واكتفوا جميعا بفرض عقوبات اقتصادية..!!
فى هذا السياق تأتي مصر السيسي، التى تقيم علاقات وثيقة مع روسيا، وبينهما ملفات وساحات عمل مشترك، ليست ليبيا، أقلها شأناً، فلا يغيب عن الأذهان الدور الروسي في الصراع الليبي، سواء عبر تسليح “الجيش” الذى يقوده المشير خليفة حفتر، أو عبر مجموعة “فاغنر” شبه العسكرية التي انتشرت على الأرض.
خلاصة القول، أن “الهدوء” الذى ميز مواقف مصر وباقي عواصم المنطقة وردود أفعالها حيال الأزمة الأوكرانية، إنما يكشف عن متغيرين اثنين:
-الأول؛ نجاح روسيا في نسج علاقات وشبكات مصالح مع الإقليم، حتى مع أقرب حلفاء واشنطن .. فلتجارة الأسلحة الروسية دون شك دور في حسم مواقف الدول العربية، إذ عملت موسكو خلال السنوات الأخيرة على استعادة مكانتها في دول عربية كان لديها نفوذ فيها في الحقبة السوفياتية، واعتمدت على تجارة الأسلحة بشكل كبير لتحقيق هذا الهدف.
-والثاني؛ تراجع ثقل واشنطن ومكانتها في المنطقة، وأن الزمن الذى كانت فيه معظم الدول الحليفة، تصطف تلقائياً خلف واشنطن في حروبها ومعاركها الحربية والدبلوماسية، قد ولّى،
و ربما ينتظر الجميع بفارغ الصبر،
ولادة نظام عالمي جديد، قائم على التعددية القطبية في المرحلة المقبلة.
وهذا يعكس مدى التغيير في الشرق الأوسط بسبب قرار الرئيس باراك أوباما والذي تبناه لاحقاً الرئيس دونالد ترامب وفرضه الآن جو بايدن، بوضع الشرق الأوسط في أسفل قائمة أولويات السياسة الخارجية لواشنطن، الأمر الذي قلص توقعات شركاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط من واشنطن.
لذلك فإن الصمت العلني لمصر وباقي دول المنطقة، يتحدث عن مجلدات حول الجغرافيا السياسية الجديدة للشرق الأوسط .. أصبحت روسيا لاعباً في المنطقة وملأت جزئياً الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة، ولبعض حلفاء الولايات المتحدة تبدو موسكو أكثر موثوقية من واشنطن.
وبجانب كل ما تقدم، فإن روسيا وأوكرانيا من أهم مصدري القمح لعدد كبير من الدول العربية فى مقدمتهم مصر وتمر معظم هذه الصادرات عبر البحر الأسود الذي يقع في محور الأزمة الحالية .. الأمر الذي دفع بمصر إلى التزام الصمت والحياد حيال هذه الأزمة.
محمد عماد صابر
سياسي وبرلماني مصري
من نواب برلمان الثورة 2012
*********************************************************************
الآراء الواردة فى المقال تعبر عن صاحبها، ولا تعبر بالضرورة عن موقع الشادوف أو تمثل سياساته التحريرية