محمد عماد صابر يكتب: بديع ليس الأول ولن يكون الأخير..مأساة أمة لا الإخوان وحدهم !
حبس انفرادي على مدار أعوام يضاعف عقوبة السجن، ومنع نهائي من الزيارات يضيف أبعادًا بلا نهاية للظلم والمعاناة وانتهاك أبسط الحقوق الأساسية للإنسانية. هذا هو حال المرشد العام لجماعة الإخوان أ د محمد بديع، والذي قارب الثمانين عاما، قضى منها أكثر من 20 عاما في سجون النظام المصري على مدار عمره، منها هذا الحبس الأخير منذ أكثر من 8 سنوات، و أكرر هو حبس انفرادي منعت عنه الزيارة تمامًا.
محمد بديع: الداعية الراقى، الذي لم يختلف اثنان ممن احتكوا به على دماثة خلقة وحسن معشره فاجتمعت حوله القلوب من كل حدب وصوب يغرس فيهم تعاليم الإسلام ويرسخ في نفوسهم معاني الإيمان وهو يطوف بهم بين أيات القرآن وحديث المصطفى العدنان عليه الصلاة والسلام.
محمد بديع: هذا الشاب الشجاع، الذي أتوا به وهو معتقل في ريعان شبابه يطلبون منه سب امرأة- الحاجة زينب الغزالى- من الصالحات وهي بين يدي السجان، حتى يخففوا عنه العذاب فأبي وتحمل في سبيل حرصه على أخلاقه ومبادئه ما لا يقوي على تحمله أشد الرجال.
محمد بديع: الإنسان المتواضع، الذي دخل الي مسجد الكلية فوجد اهمالا في نظافته فذهب الي بيته وأحضر مكنسته الكهربائية وشرع ينظف المسجد وهو الأستاذ الجامعي دون تأفف أو استعلاء.
محمد بديع: الوطنى المخلص، الذى كان شفوقاً بالناس ولو كانوا على غير ملته يتمنى الخير لهم جميعا وقد تربى في هذا على يد معلمه الاستاذ سيد قطب.
محمد بديع: العالم الفقيه، الذي كانت له نظرات ربانية في كتاب الله قد لا تسمعها من أحد غيره، الرقيق، الشفوق، صاحب الصوت الندى، المنشد، المبدع، العملاق، الودود.
محمد بديع: الذي كان هاشا باشا لكل من حولة رغم ما يعانيه من مكابدة الدعوة ولوءاء الحياة وتضييق أجهزة النظام الأمنية عليه.
محمد بديع: الأمين الخبير، الذى كان يوازن بين متطلبات الحياة من عمل وتربية أبناء ودعوة الي الله فلا تراه يهدر جزءا من ذلك على حساب أخر.
محمد بديع: الجبل الراسخ، الذي لم يغيره واقع السجن والسجان وظل محافظا على خلقه ودينه لايعطي فيهما الدنية .. كيف لهذه القلوب التي تحبسه أن تكون بهذه الوحشية والاجرام فرغم حبسه ظلما وهو “الداعي إلى السلام”، إلا أنهم أجرموا في طريقة حبسه فوضعوه في ظروف لا يتحملها بشر.
الدكتور محمد بديع هو شيخي وأستاذي ومعلمي، شيخي اخوانياً، ومعلمي أخلاقياً، وأستاذي مهنيا، نعم، هو كل هؤلاء بالنسبة لى، بديع القامة العلمية الكبيرة، أستاذ علم الأمراض “الباثولوجيا” بكلية الطب البيطري جامعة بني سويف، الذي سبق أن صنفته الهيئة العامة للاستعلامات المصرية- مؤسسة حكومية مصرية- عام 1999، كأحد أعظم مائة عالم عربي.
“التخصص الوظيفي وكفاية الكفاءات”
أغلب أعضاء الحركات الإسلامية انشغلوا واشتغلوا بلغة الخطاب الدعوي أو السياسي أو كلاهما معا، بطريقة طغت على باقي جوانب حياتهم الشخصية وتخصصاتهم الوظيفية والعلمية، لدرجة أنك تسمع وربما تعرف القيادي الحركي الدكتور فلان أو المهندس فلان لكن لا تعرف تخصصه العلمي ولا إسهاماته العلمية في مجال تخصصه، هل هم تفرغوا للعمل العام أم أنهم ليسوا مبرزين في تخصصاتهم العلمية؟، وهذا أمر لافت للانتباه، ويحتاج اعادة نظر.
لكن، هناك استثناءات منها الأستاذ الدكتور محمد بديع سامى مرشد الإخوان حيث كان أحد أفضل 100 عالم في العالم العربي بكم أبحاثه واسهاماته العلمية، شخصيا أعرف ذلك وأدركه بحكم أننى طبيب بيطرى وأحد تلاميذ الأستاذ، وأتصور أن هناك إشكالية كبيرة ومعقدة في هذا المربع، مربع التخصص الوظيفي وإعداد الكفاءات العلمية في مختلف المجالات، وقد عايشتها بنفسي خلال عام حكم الرئيس الشهيد مرسي رحمه الله حين ظهر النقص الحاد في الكفاءات الإدارية والفنية والسياسية في أغلب مؤسسات الدولة.
“بديع والاخوان”
انتُخب محمد بديع لعضوية مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين عام 1994، وبعد عزل الرئيس الراحل محمد مرسي، صدر قرار بضبطه وإحضاره في 11 يوليو/تموز 2013، لاتهامه “زوراً وبهتاناً” بالتحريض على الاشتباكات، وحكم عليه بالإعدام مرتين، الأولى في 24 مارس/آذار 2014، والثانية في 18 يونيو/حزيران 2014. فضلًا عن 4 أحكام بالمؤبد لتصل جملة الأحكام عليه لمائة عام في السجن.
يحدث ذلك ومصر والعالم العربى والاسلامي، بل والعالم أجمع سمع ورأى بديع “مرشد الاخوان” على “منصة رابعة”، واقفا شامخا يعلنها مدويةً صريحةً “سلميتنا أقوى من الرصاص”، قالها وتحمل تبعاتها كاملة بكل شرف وأمانه.
واليوم يتعرض د. بديع لعمليات تنكيل مستمرة في محبسه الانفرادي المجرد، إضافة إلى منعه من مقابلة محاميه. كما يعاني من تآكل في الغضاريف وكسر قديم في العمود الفقري، ولا يستطيع الجلوس على الأرض ولا النهوض منها إلا بالاستناد إلى الكرسى، ولا يستطيع السجود أو حتى الركوع فكان يصلي على كرسي قبل أن يسحبه السجانون، حسبما أفادت كريمته ضحى .. كل هذا التنكيل يحدث مع بديع، في الوقت الذي ينص فيه القانون المصري صراحة على أنه “إذا كان المحكوم عليه بعقوبة مقيدة للحرية مُصابًا بمرضٍ يهدد بذاته أو بسبب التنفيذ، حياته بالخطر، جاز تأجيل تنفيذ العقوبة”، كما جاء في نص المادة 486 من قانون الإجراءات الجنائية المصري، الذي لا يتم تطبيقه على مئات المرضى والمسنين في السجون المصرية، وكان أبرزهم الشيخ الشهيد محمد مهدي عاكف رحمه الله، حيث كان محمد شرين فهمي أحد القضاة الذين يستخدمهم نظام السيسي لإصدار أحكام عشوائية وقاسية وغير مسبوقة في قضايا ملفقة ضد المعتقلين السياسيين للإخوان المسلمين، وطلب المحامون منه أن يفرج عن الرجل، لكن شرين نظر في التقارير الطبية ثم إلى المحامين الذين كانوا يأملون أن يكون في قلبه مثقال ذرة من الإنسانية ثم قال لهم رغم كل هذا فإني أرفض الإفراج عنه وتؤجل القضية إلى 30 أكتوبر حتى يحضر عاكف من محبسه في المستشفى إلى القفص، لكن أقدار الله كانت سباقة وتوفي عاكف في محبسه قبل موعد الجلسة، لتكون وفاته شهادة على حجم الحقد والقسوة وانعدام الإنسانية لدى السيسي وكل أركان نظامه بشكل عام وعلى قضاته الذين ارتدوا ثوب الجلادين وهم يجلسون على كراسي القضاة.
إن الإهمال الطبي في السجون ومقار الاحتجاز المختلفة كان سببًا رئيسيًا في وفاة أكثر من 900 سجينًا على الأقل خلال الفترة السابقة، فقد زاد عدد الذين قتلوا ببطء في سجون السيسي سواء تحت التعذيب المباشر أو غير المباشر من خلال الإهمال الطبي أو منع الأدوية عنهم أو وضعهم في ظروف اعتقال تعسفية، أو الذين أصيبوا إصابات دائمة نتيجة رفض علاجهم من الكسور أو منع الطعام عنهم، فسجون السيسي عبارة عن مقبرة مفتوحة وضع السيسي فيها معارضيه في ظروف الموت البطيء في زنزانات منفردة ضيقة نتنة مظلمة لا يدخلها الهواء أو الضوء، لا تفتح إلا ساعة في اليوم مع طعام رديء يسبب الأمراض، فضلا عن منع الأدوية والزيارات عنهم، بعضهم لم ير عائلته منذ شهور طويلة، مع إيذاء نفسي وجسدي يوصل الإنسان السوي إلى حافة الهذيان والجنون والموت البطيء، ولولا رحمة الله بهم وعنايته لهم لما بقي منهم أحد .. حجم ما يتعرض له المعتقلون في سجون السيسي من أنواع التعذيب يفوق الخيال، فالسجن أشبه ما يكون بسجن تازمامارت الذي أقامه الحسن الثاني لمعارضيه بأن يبقوا فيه معزولين عن الدنيا حتى يموتوا موتا بطيئا عبر تعذيب نفسي وجسدي طويل المدي تذوب فيه أجسادهم وتنهشهم الأمراض والعلل حتى إذا خرجوا منه لا يعودوا أسوياء كما كانوا.
” مأساة أمة”
نعم .. إنها مأساة أمة وليست مأساة الإخوان أو الشعب المصري وحده، لقد اجتمع على الأمة العربية المسلمة أعداء الداخل والخارج، وأنظمة مستبدة فاسدة لا تملك مشروعا ينهض بشعوب الأمة العربية المسلمة، بل هم خدم في المشروع الغربي الاستعمارى ينفذون ما يرسم لهم من استراتيجيات: تبديد و نهب الثروات واخضاع وإذلال شعوب المنطقة .. فلا عجب أن تشهد المنطقة سفاهة منقطعة النظير من قبل أنظمة القمع العربي في نهب وتبديد أموال الأجيال التي من الله بها على الأمة من خلال النفط وخيرات الله الأخرى، لقد اهدروا مئات المليارات من الدولارات، وهم يصنعون الفوضى ويمولون وقود الحروب التي لا تقتل سوى المسلمين ولا تدمر غير بلاد المسلمين، إنهم لا يملكون العقل والفكر والرؤية التي تؤهلهم لاستخدام هذا المال بالشكل الصحيح، لذلك فإن أموال المسلمين تبدد في تدمير وقتل المسلمين لأنها وقعت في أيدي مجموعة من السفهاء والطواغيت والحمقى، إنهم ينتقلون من إخفاق إلى إخفاق، ومن فشل إلى فشل، ومن خيبة إلى أكبر منها، حتى صاروا أضحوكة بين الأمم.
إن أسوأ ما يمكن أن تبتلي به الأمم هو تحطيم الإنسان، الإنسان محور البناء في المجتمع إذا تم تحطيمه تم تحطيم المجتمع، ولذلك فإن المجتمعات الناهضة هى التى تقوم على عكس ذلك تماما، تستثمر في الإنسان قبل كل شئ وبعد كل شئ.
مصر ليست استثناءاً، من سياسات النهب والاخضاع والاذلال، بل على العكس لقد حاول طغاة مصر السابقون التعامل مع خصومهم بالقوة وفشلوا. وحظ السيسي لن يكون أفضل ممن سبقوه، لاسيما وأن السيسي فاشل وغاشم كما أن أسلوبه الدموي لم يعد مقنعا لأحد حتى للسياسيين الغربيين الذين يدعمونه.
إنها مأساة إنسانية صنعها حكام فاسدون يجهرون بعمالتهم للأعداء ومن ثم فهي مأساة أمة وليست مأساة الإخوان وحدهم، ومحمد بديع ليس الأول ولن يكون الأخير، حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.
وفى الختام نقول: ليد الظلم والبغي والطغيان حنانيكم فعما قريب سيكون انتقام الحكم العدل في الدنيا والآخرة إلا أن تتوبوا وترجعوا الي الله قبل فوات الاوان.
ونقول لمرشدنا الجليل: اننا لا نملك إلا أن ننحني إحتراماً لهذة الشجاعة الفريدة وهذه القمة الشامخة التي تظل ثابتة على موقفها رغم التنكيل والايذاء .. تحية إجلال واكبار للدكتور محمد بديع، هذا الرمز التاريخي والطود الشامخ، ولعنة تطارد كل من أذى عباد الله الصالحين، وذلاً يصحبهم في الدنيا والأخرة.
محمد عماد صابر
سياسي وبرلماني مصري
من نواب برلمان الثورة 2012
*********************************************************************
الآراء الواردة فى المقال تعبر عن صاحبها، ولا تعبر بالضرورة عن موقع الشادوف أو تمثل سياساته التحريرية