محمد عماد صابر يتساءل: هل يستعيد بوتين “مجد أوراسيا” الروسي ؟! (2-2 )
السؤال الذين يطرح نفسه: كيف يبني الروس سياستهم نحو المجد الأوراسي بالمخ أم بالعضلات؟
السياسة الروسية تستلهم خطواتها وفق ما يسُمي حقاً “العقيدة الأوراسية”، والتي ترتكز على قاعدتين أساسيتين:
الأولى: بناء الشراكات والتقارب مع قوى مناوئة أو متوجسة من النفوذ الأمريكي.
الثانية: توسيع أراضيها التي تشكل قوساً جغرافياً إستراتيجياً، وتضم أراضٍ شاسعة فيها مخزون من أكبر مخازن الثروة الباطنية في العالم.
فالمرتكز الأساسي هو التخطيط واستغلال الفجوات في سياسة القطبية الواحدة، ومن ثم استخدام العضلات عند اللزوم، ويقول ألكسندر دوغين في كتابه (أسس الجيوبوليتيكا) : “قطبان كحد أدنى أو الموت”، هذه هي نتيجة الصراع بين الغربيين والروس.
فإذا نجحت روسيا في مشروعها الأوراسي (بدايةً في أوكرانيا) ستكون ضمانة للاستقلال الثقافي والديني واللغوي والاقتصادي والسياسي المستقبلي، يليه دون شك زيادة أكبر لعدد الحلفاء والتابعين لروسيا في شرق العالم وغربه.
إذن، هذه الحرب على الجغرافيا هي حصيلة ثلاثة عقود من الأخذ والرد بين الهواجس الأمنية والمطامح للتموضع الإستراتيجي والاستحواذ على المكانة والنفوذ الدولي، وهذا لا يقتصر بنظر الروس على التراب الأوكراني، بل يتعداه لمفاوضة الغرب على ميراث الاتحاد السوفيتي ودوله التي انضمت واحدةً تلو الأخرى للاتحاد الأوروبي وحلف الناتو “بولندا والمجر وسلوفينيا ورومانيا وليتوانيا واستوينا ولاتفيا”، وبالتالي على مستقبل النظام الأمني الأوروبي الذي هيكلته واشنطن والدول الغربية بعد الانهيار السوفيتي، وقد كرر بوتين على مدار العقدين أمام القادة الغربيين بأن لموسكو نفوذ وامتياز استثنائي داخل الفضاء السوفيتي السابق، وهذا ما دفعة للسيطرة على شمال جورجيا وشبه جزيرة القرم قبل أوكرانيا.
مشروع بوتين الأوراسي مرهون الآن بتطورات المشهد الأوكراني وما يليه من أحداث، ومدى صمود حلفاء الغرب في “كييف” تحت ضربات الجيش الروسي في ظل الإمداد الأمريكي والأوروبي لهم، فإن كانت النتيجة تحييد أوكرانيا ونزع سلاح جيشها، ودخولها تحت العباءة الإدارية الروسية، فهو ذروة المجد الأوراسي وانتصاراً لعقيدة بوتين الإمبراطورية، وإذا غرق بوتين وجنوده في المستنقع الأوكراني وهذا محتمل، والوقت ليس فى صالحه “استنزاف واستغراق”، فهي النتيجة التي لن يرضى بها الروس بعد سنوات الإعداد لمثل هذه الخطوة التاريخية الحاسمة، وستكون تسوية تاريخية فاصلة بين الأوراسيين والأطلسيين.’
د. محمد عماد صابر
سياسي وبرلماني مصري
من نواب برلمان الثورة 2012
*********************************************************************
الآراء الواردة فى المقال تعبر عن صاحبها، ولا تعبر بالضرورة عن موقع الشادوف أو تمثل سياساته التحريرية