محمد ابراهيم العشماوي يرد على ضلالات ابراهيم عيسى وسعد الهلالي !

0 855

هذه مقالة كتبتها على عجل، أناقش فيها ما ورد مؤخرا منسوبا إلى الدكتور سعد الهلالي، وشاركتها على صفحته، ومن الله أستمد التوفيق.
أولا: قوله: (بأنه راجع المسلسل فقهيا، ويتحمل كل كلمة فقهية قيلت فيه)؛ ليته لم يقله؛ فإنه يغض من قيمته، وقد عهدنا رجال الأزهر يراجعون المسلسلات الدينية والتاريخية، دون هذه المسلسلات التي تروج لأفكار مسمومة ضد الدين، ولم لم يقل إنه راجعه لكنا نستدل بمحتواه على أنه راجعه؛ فإن المسلسل يحوم حول نفس المشروع الذي يتبناه الدكتور الهلالي، وهو نسبية الدين، وهي نظرية كارثية بكل المقاييس!
وبتصريحه هذا اتضح لنا من هو الدكتور سعد الهلالي؟! وماذا يريد؟!


ثانيا: قوله: (إنه يتمنى أن يخرج أحد لينتقد المسلسل نقدا موضوعيا؛ ليرد عليه بالحجج والبراهين)؛ وها قد خرجنا ورددنا عليه في بعض ما شاهدناه، ووصل إلينا علمه، وهو المشهد الذي تقول فيه الممثلة للشيخ: (أنا مش عايزة تفسيركم أنتم، أنا عايزة كلام ربنا)، وهذه الجملة هي محور المشروع الهلالي العيسوي البحيري، وقد ناقشناه مرارا على صفحتنا في مشروعه، وخلاصة المناقشات أنه كما يدعي الدكتور الهلالي أن كلام الفقهاء يحتمل الخطأ والصواب؛ فكلامه أيضا يحتمل الخطأ والصواب، فلماذا يطالبنا باتباع كلامه، دون اتباع كلام الفقهاء؟! ومطالبته بالتحرر من سلطة الفقهاء، والرجوع إلى ما يستريح إليه الإنسان؛ يفضي إلى أن تكون هناك أديان شتى، بل أهواء شتى، ويجعل العوام بمنزلة الفقهاء، ويبطل المنهج العلمي؛ لتتحول الأمور إلى فوضى لا نهاية لها، وهو إلحاد صريح!


ثالثا: قوله: (آراء الفقهاء فقه بشري، يحتمل الخطأ والصواب)؛ كلام صحيح بنسبة مئة في المئة، ولم يقل أحد إنهم معصومون من الخطأ، وهم أنفسهم قد صرحوا بذلك، وقالوا: (رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب)، وقالوا: (رأينا هذا أحسن ما قدرنا عليه، فمن كان عنده أحسن منه فليأتنا به)، ولكن هذا لا يعني ترك اتباعهم؛ لأنهم اجتهدوا في فهم النصوص وهم أهل للاجتهاد، والأصل أن غير المجتهد يقلد المجتهد، وغير المتأهل يقلد المتأهل، لأن فهم النصوص يحتاج إلى آلات خاصة، لا توجد إلا في هؤلاء الفقهاء، والله قد أوجب الرجوع إليهم عند عدم العلم، فقال: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)، وأوجب الرجوع إلى استنباطهم دون غيرهم، وسماهم أولي الأمر، وقرن الرجوع إليهم بالرجوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم؛ لعلمه الذين يستنبطونه منهم)!

ولو فرضنا أننا تركنا الرجوع إليهم وهم خير القرون؛ فإلى من نرجع؟! إلى الدكتور سعد الهلالي؟! وما منزلته بالنسبة لهم؟! أو نرجع إلى إبراهيم عيسى أو إسلام بحيري؟! أو إلى العوام؟! هذا ما لا يقول به عاقل أصلا!


رابعا: قوله: (إبراهيم عيسى مفكر واع ومخلص)؛ قولٌ صدقٌ؛ هو مفكر، نعم، لكن في الشر، وواع، نعم، لكن في طرقه، ومخلص، نعم، لكن في الدعوة إليه! ولا يوجد أكثر تفكيرا من الشيطان، ولا أوعى منه بطرق الضلال والإضلال، ولا أخلص في مهمته منه!
خامسا: قوله: (أرفض وصف القرآن بأنه دستور أو قانون؛ لأن ذلك ينتقص من قدره)؛ هذه تسميات اصطلاحية عصرية، ولا مشاحة في الاصطلاح، فسمه ما شئت، مما يعبر عن حقيقته، المهم أن تعمل به، وقد سماه الله نورا وهدى ورحمة وموعظة وبشرى وقرآنا وفرقانا وذكرا وضياء وصراطا مستقيما وغير ذلك من أسماء القرآن، مع أن تسميته دستورا وقانونا ليست ببعيدة، والقصد منها الدستور الإلهي أو القانون الإلهي، والدكتور دراز سمى كتابه (دستور الأخلاق في القرآن الكريم)، وهذه التسميات العصرية القصد منها التماشي مع لغة العصر، وتقريب لغة القرآن، كما أن اشتمال كلمتي الدستور والقانون على معنى الإلزام بالعمل، والتحاكم عند النزاع؛ موجود في القرآن الكريم، وكونه نصوصا جامعة مختصرة تنظم شؤون المجتمعات والعلاقات المتعددة، أشبه بنصوص الدساتير والقوانين، لكن على نحو معصوم من الخطأ!
سادسا: قوله: (القرآن حمال أوجه، بينما الدستور والقانون أحادي الدلالة)؛ غير صحيح إلا فيما دلالته ظنية من نصوص القرآن، أما النصوص القرآنية ذات الدلالة القطعية فهي أحادية الدلالة!
أما أن الدستور والقانون أحادي الدلالة؛ فهذا كلام يردُّه فقهاء القانون، الذين يختلفون حول تفسير النصوص الدستورية والقانونية، ولا يتعارض هذا مع طبيعة تلك النصوص من كونها صيغت بطريقة حاسمة، مانعة للاختلاف؛ لأن ذات الصياغة يمكن أن يقع الاختلاف في فهمها، والدليل على ذلك اختلاف فقهاء القانون في تفسير كثير من النصوص، وما يترتب عليه من اختلاف الأحكام القضائية، التي قد تصل أحيانا إلى حد التناقض!


سابعا: قوله: (يجوز أن نتوقف عن العمل ببعض آيات القرآن)؛ كلام صحيح، يشير به إلى وقف سيدنا عمر العمل بحد السرقة المنصوص عليه في القرآن عام الرمادة، ووقف العمل بسهم المؤلفة قلوبهم بعد استغناء الإسلام عنهم، ولكن هذا الأمر يعود إلى السياسة الشرعية، وليس تابعا للأهواء، ولا يعني إبطال الأحكام الشرعية أو إلغاءها بالكلية، بل يعني وقفها لحالة أو لظرف، ثم عودتها إلى العمل بعد انتهاء الحالة أو الظرف، مثلما يدرأ الحد بالشبهة، أو بعدم استيفاء شرط إقامته، فهذا لا يعني إلغاء الحد، بل يعني أن مناطه لم يوجد، بحيث إذا وُجد المناط أقيم الحد!


وما يهدف إليه مشروع الدكتور سعد الهلالي – كما يبدو لنا – هو الوقف الكلي للعمل ببعض آيات القرآن الكريم؛ لعدم صلاحيتها للتطبيق في عصرنا، بزعمه، وفارق كبير بين الوقف الجزئي والوقف الكلي!

ثامنا: قوله: (المسلمون لا يحتاجون أوصياء عليهم)؛ هذا القول يردده الدكتور سعد كثيرا، في إشارة إلى وصاية الفقهاء والعلماء على المسلمين، وهو تصور خاطئ، مبني على وهم؛ فإن علاقة العلماء والفقهاء بالعوام ليست علاقة الوصاية، بل علاقة الهداية والإرشاد، وليس عليهم إلا البلاغ، والدكتور سعد يعلم ويدرِّس لطلابه أن الفتوى غير ملزمة، فمن أين جاء بفكرة الوصاية؟!


إن فكرة الوصاية التي يرددها الدكتور سعد؛ هي فكرة كنسية بحتة، حيث كان رجال الدين المسيحي في العصور الوسطى أنصاف آلهة، وكانوا يفرضون على العوام الوصاية الفكرية والدينية، ولا يسمحون لأحد بالخروج عليها، ومن خرج عليها يعاقب، فهل يوجد مثل هذا عند علماء المسلمين؟!


الواقع أن المسلمين يستفتون العلماء، فيفتيهم العلماء، وينتهي دورهم عند هذا الحد، فمن شاء عمل بالفتوى، ومن شاء لم يعمل بها، فأين الوصاية إذن؟! بل إن ما يقوم به الدكتور سعد؛ هو نفسه وصاية فكرية؛ لأنه يشوش على المسلمين أمر دينهم، ويدعو إلى اتباع فكرته، في صورة منفرة!

محمد إبراهيم العشماوي
أستاذ الحديث الشريف وعلومه في جامعة الأزهر الشريف

الآراء الواردة فى المقال تعبر عن صاحبها، ولا تعبر بالضرورة عن موقع (الشادوف) أو تمثل سياساته التحريرية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.