ماذا يحدث للمشهد الإعلامي المصري؟..اتجاه لضم مؤسسات صحافية كبرى لإعلام المخابرات!
فيما يتعرض المشهد الإعلامي المصري لمجموعة من التغييرات المتسارعة، قررت الهيئة الوطنية للصحافة في مصر، وقف صدور النسخة الورقية من مجلة “الكواكب” أشهر وأقدم مجلة فنية محلية، التي صدر عددها الأول قبل 90 عاما، في سياق توجه رسمي نحو “رقمنة” الصحف ودمج المؤسسات الصحافية القومية الكبرى.
وجاء إعلان شهادة وفاة مجلة “الكواكب” الورقية العريقة، خلال اجتماع عقدته الهيئة الرسمية المعنية بتنظيم شؤون الصحافة بمصر أمس الخميس، انتهى إلى دمج مجلتي الكواكب ( صدرت لأول مرة عام 1932) و”طبيبك الخاص” (طبية صدر عددها الأول عام 1969) في مجلة حواء (المتخصصة في شؤون المرأة التى صدرت لأول مرة عام 1954)، وجميعها تصدر عن مؤسسة دار الهلال، مع إنشاء موقع إلكتروني لكل إصدار، على أن يتم ذلك اعتبارا من العدد الأول لشهر يونيو/ حزيران المقبل.
وأوضحت الهيئة، في بيان، أن العاملين بالإصدارات المشار إليها سيحتفظون بكافة وظائفهم وحقوقهم المالية من أجور ومزايا مالية أخرى، كما وافقت على البدء في الإجراءات الخاصة باستثمار عدد من الأصول غير المستغلة بمؤسسات الأهرام ودار التحرير وروز اليوسف (رسمية).
ويأتي القرار بعد نحو عام من إعلان الهيئة في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ الصحافة المصرية، تحويل إصدارات مسائية لمؤسسات صحفية قومية إلى النسخة الإلكترونية، وإلغاء طبعاتها الورقية التي يعود تاريخ نشأتها إلى منتصف القرن الماضي.
وأبرز هذه الإصدارات التي توقفت عن الطبع “الأهرام المسائي” التابعة لمؤسسة الأهرام، و”الأخبار المسائي” الصادرة عن مؤسسة أخبار اليوم، و”المساء” والتي تعد أول جريدة مسائية في مصر وكانت بمثابة الصوت الرسمي لثورة 23 يوليو/ تموز 1952 (أنهت النظام الملكي وأعلنت الجمهورية) والتي تصدر عن مؤسسة دار التحرير للطبع والنشر.
وخلافا للمؤسسات الصحفية الرسمية، كانت مجموعة من الصحف والمواقع الإلكترونية الخاصة -واسعة الانتشار- قد اتجهت في السنوات الأخيرة نحو “الرقمنة” أو الإغلاق الكامل، لأسباب كان أبرزها غياب الحريات الإعلامية والتضييق الأمني، وفق تصريحات سابقة لصحافيين ومتخصصين إعلاميين مصريين.
الأقدم والأشهر فنيا
ومجلة الكواكب تصدر عن مؤسسة دار الهلال، صدر عددها الأول في 28 مارس/آذار 1932، بوصفها مجلة أسبوعية تتناول المواضيع الفنية والسينمائية، وهي تمثل أرشيفا ضخما للتاريخ الفني والسينمائي والمسرحي المصري الذي يقترب من القرن.
ويعود إصدارها إلى الصحفي اللبناني جورجي زيدان، مؤسس دار الهلال، ومر على رئاسة تحريرها مشاهير الإعلام بمصر ومنهم محمود سعد وحسن شاه وراجي عنايت ومحمد رجاء النقاش.
وفي بدايات عصر السينما الناطقة في ثلاثينيات القرن الماضي، حملت المجلة على أكتافها تعريف القراء بأول جيل لنجوم الفن السابع، ومنهم نجيب الريحاني وسراج منير وعبد السلام النابلسي وستيفان روستي ويوسف وهبى وأمينة رزق وغيرهم.
وصدر العدد الأول منها في 34 صفحة، ووضع على غلافها صورة للفنانة نادرة، بطلة فيلم “أنشودة الفؤاد” الذي يصنف كأول فيلم عربي ناطق، كما أجرت فيه حوارا مع الكوميديان علي الكسار، وتجربته في كيفية إضحاك الجمهور على المسرح، إضافة إلى نشر تقرير عن كواليس وطرائف فيلم “أولاد الذوات” من بطولة يوسف وهبي وسراج منير وأمينة رزق.
وفي تاريخها الصحفي، اهتمت المجلة بالعديد من القضايا الفنية المرتبطة بحرية الإبداع وترجمة الفيلم الأجنبي للعربية، ودعم السينما والمسرح وغيرها، كما لم تكن منغلقة على الشأن الفني المحلي، بل امتدت متابعاتها منذ طبعاتها الأولى إلى هوليود والسينما الأجنبية عموما.
وتعد مؤسسة دار الهلال من أقدم المؤسسات الثقافية والصحافية المصرية، وصدر العدد الأول منها عام 1892، وطوال تاريخها صدر عنها العديد من المجلات العريقة التي لا يزال بعضها موجودا حتى الآن.
ولا يوجد حصر دقيق لعدد العاملين بالمؤسسات القومية، والبالغ عددها 8 مؤسسات تتولى إصدار 55 إصدارا مختلفا، غير أن بعض التقارير الإعلامية تقدر عدد العاملين في تلك المؤسسات بنحو 30 ألفا ما بين صحفيين وإداريين.
وهذه المؤسسات القومية، يتراوح إجمالي ديونها بين نحو 14 و25 مليار جنيه، وهي تقديرات أسفرت عن جدل تحت قبة البرلمان العام الماضي، حول الرقم الفعلي للديون، التي تراكمت بالتزامن مع تراجع مبيعاتها.
استحواذ جهة سيادية على صحف قومية
من ناحيتها، كشفت مصادر صحافية مصرية مطلعة أنه تقرر نقل ملكية أصول ثلاث من أكبر المؤسسات الصحافية القومية إلى إحدى “الجهات السيادية”، بناءً على توجيهات مباشرة من الرئيس عبد الفتاح السيسي لرئيس الحكومة مصطفى مدبولي، في إطار مخطط استحواذ “المتحدة للخدمات الإعلامية”، المظلة الاستثمارية التابعة مباشرة للمخابرات العامة، على أصول كلّ المؤسسات الصحافية والإعلامية المملوكة للدولة تدريجياً.
وقالت المصادر نفسها، لـصحيفة “العربي الجديد”، إن موافقة الهيئة الوطنية للصحافة على البدء بالإجراءات المتعلقة باستثمار عدد من “الأصول غير المستغلة” المملوكة لمؤسسات الأهرام ودار التحرير وروز اليوسف تمثل إشارة البدء بتنفيذ مخطط نقل ملكية أصول المؤسسات الصحافية الحكومية إلى “المتحدة للخدمات الإعلامية”، في مدة أقصاها 5 سنوات، تحت ذريعة تراكم الديون عليها لصالح هيئة التأمينات الاجتماعية ومصلحة الضرائب، وتجاوز قيمتها نحو 7 مليارات جنيه.
تمتلك المؤسسات الصحافية الثلاث أصولاً ضخمة في عدد من المناطق المهمة والأعلى سعراً في مصر، لا سيما مؤسسة الأهرام الأكبر في البلاد، على غرار مبان وأراض منتشرة في أحياء قصر النيل وغاردن سيتي والمعادي والتجمع الخامس الراقية في العاصمة القاهرة، إلى جانب محافظات أخرى، أهمها الإسكندرية والبحر الأحمر وجنوب سيناء، ومجموعة كبيرة من الشاليهات في قرى سياحية على طريق الساحل الشمالي.
أفادت المصادر بأن المخطط يشمل أيضاً إعادة هيكلة الصحف القومية، عبر دمج إصداراتها ووقف العديد منها، بحجة تقليل حجم الخسائر، ما ظهر واضحاً في قرار الهيئة الوطنية للصحافة، الخميس، دمج مجلتي الكواكب وطبيبك الخاص في مجلة حواء الصادرة عن مؤسسة دار الهلال الصحافية، وإنشاء موقع إلكتروني خاص لكل إصدار، اعتباراً من أول يونيو/ حزيران المقبل.
وأضافت أن حالة من الغضب سادت بين الصحافيين بسبب قرار الهيئة إلغاء مجلة الكواكب الفنية العريقة التي تصدر أسبوعياً منذ 28 مارس/ آذار 1932، فضلاً عن مجلة طبيبك الخاص الطبية الشهرية المتخصصة التي صدر العدد الأول منها في يناير/ كانون الثاني 1969.
المصدر: الشادوف+وكالات+صحف