لا تأكله خارج البيت: سم قاتل في طبق الفول الخارجي..ومن يقدمونه لك لا يأكلونه!! ما السبب؟!
طبق الفول الصغير أو سندويتشات الفول الشهية التي تقدم على العربات المتنقلة في مصر، تعد من أكثر الأكلات شعبية وانتشارا في (المحروسة ).. عفوا ( المخروسة)، لكن تحقيقا استقصائيا كشف معلومات صادمة عن صناعة الطبق الذي يوضع أمامك ولا تدري كيفية صناعته وطهوه وتجهيزه !!
عندما تتناول ساندويتش الفول اللذيذ من تلك العربة المتنقلة أينما كانت وتتذكر الوجه البشوش والكلمات الطيبة التي يرددها على مسامعك صاحب العربة، تذكر أيضا أن صاحب الابتسامة العريضة والكلمات الجميلة ربما لا يأكل مما تأكل، ولا يقترب منه ، وهذا التحقيق الاستقصائي الذي استغرق إعداده أكثر من 10 شهور كاملة حاول أن يفك هذا اللغز ويكشف كواليس صناعة طبق الفول، والمادة البيضاء التي يستخدمونها لتسريع إنضاج الفول ومدى الضرر الذي تلحقه تلك المادة الكيميائية بجسم الإنسان ..
كاتب هذا التحقيق هو شاب جامعي مصري متفوق ومن ثوار 25 يناير 2011 الذين تلاحقهم السلطات الأمنية المصرية منذ الانقلاب العسكري في العام 2013، وأثناء رحلة الهروب والمطاردة يتنقل الشاب من الاسكندرية الى أسوان ويعمل فى مهن يدوية متواضعة، وينام مع العمال الفقراء في شقق ومساكن رخيصة الإيجار.. في احدى جولاته استقر مع عدد من عمال اليومية في الاسكندرية بمنطقة الجمرك، ولاحظ أنهم يصابون بحالات مرضية غامضة أسفرت عن وفاة بعضهم بشكل حير الأطباء.
في إحدى المرات اصطحب عاملا فقيرا للمستشفى بعد أن أصيب بأعراض مرضية مفاجئة، والتقي هناك بطبيب شاب فى هذا المستشفى الحكومي البائس. الطبيب الشاب قال له ان هذه الحالات تأتي اليهم بشكل متواتر ، وابتسم كأنه يقدم اكتشافا، وقال إن الرابط الوحيد بينهم أنهم جميعا يتناولون الفول المدمس من عربات الفول المتنقلة. ظن الطبيب الشاب انه يقدم دعابة، لكن كاتب التحقيق الشاب الذي درس فى كلية العلوم بجامعة القاهرة، وكان حتى العام 2013 يستكمل دراساته العليا فى الكيمياء، لم تمر عليه ملاحظة الطبيب العابرة مرور الكرام. بل تابعها لشهور طويلة، ثم كتب تحقيقا استقصائيا لتعميم الفائدة وتحذير هؤلاء الغلابة من مخاطر تلك المادة الكيميائية الضارة بالانسان. تعالوا نقرأ هذا التحقيق المثير.
*************************************************************************************
بعد مراقبة دامت لمدة أسبوع كامل كزبون، وجدت أن عمال (عربة الفول) في المنطقة التي أعيش فيها بعيدا عن أسرتي وأولادي خشية من الملاحقات الأمنية، لا يأكلون مما يصنعون، بل أنهم يشترون طعامًا من الخارج، الأمر الذى أثار دهشتى، وبالتالي لم يكن أمامى سوى العيش وسط هؤلاء العمال لمعرفة السبب الذى يمنعهم من تناول طعام يصنعونه بأيديهم، وأيضًا لمحاولة كشف اللغز في إصابة كثير من المترددين على تلك العربات بأمراض خطيرة.
قررت العمل على عربة الفول، اتخذت القرار خلال لحظات قليلة وبعدها توجهت إلى أحد العاملين على عربة الفول، وسألته عن فرصة عمل، فقال: اذهب إلى المعلم ج. م ، صاحب عربة الفول.
قابلت المعلم، وسألنى: اشتغلت فى الفول قبل كده؟ فجاوبته: لا، فقال: خلاص هتغسل اطباق وهتاخذ 25 جنيه فى اليوم، وافقت على الفور، موضحًا له أننى مغترب، وليس لدىّ مسكن، فقال: يبقى هتنام فى المخزن مع العيال.
بعد يوم شاق من العمل عدنا إلى المخزن، حيث وضع الصنايعى القدر، وبها كمية من الماء على النار، ثم أتى بجوال فول ووضعه مباشرة فى هذا القدر الضخم، وبعدها بدقائق مد يده فوق الرف الصغير، وأمسك بعلبة تحوى مادة بيضاء، وأضاف منها 5 ملاعق كبيرة إلى القدر، ثم أغلق فوهة القدر جيدا، وتركها على النار، وبعدها وضع كمية من الفول المدشوش مع كمية من الأرز فى إناء به ماء، وتركه لمدة ساعة كى يتخمر، وبعد مرور نصف ساعة توجه إلى قدر الفول الموجودة على النار حاملًا فى يده كبشة طويلة، وقام بغرف عدد من حبات الفول، ثم وضع حبة فول تحت إصبعه، وضغط عليها فوجدها قد استوت.
على الفور وضع خلطة المدشوش والأرز ، وبدأ فى التقليب لمدة عشر دقائق، ثم أطفأ النار.
في هذا الوقت كنت أجلس فى مدخل المخزن، أراقب تحركات زميلى وأتولى تعبئة الطحينة والزيت الحار والزيت الحلو فى زجاجات بلاستيكية، وبعد أن انتهينا من تجهيز البضاعة ذهبت للنوم، وأنا أفكر فى تلك المادة البيضاء، التى وضعها على الفول، وشعرت أن هناك أمرًا غريبًا فى الموضوع، خصوصًا أن القدر التى تحمل بداخلها عشرين كيلو تقريبا من الفول الناشف نضجت فى أقل من ساعة !!
مستوقدات وسط القاهرة
فى اليوم التالى تكرر نفس السيناريو السابق لمدة شهر كامل، مهمتى الوحيدة كانت تجهيز عبوات الطحينة، وغسل الأطباق، وفى أثناء وقت العمل كان الصنايعى يطلب منى شراء طعام من الخارج لنأكله، وعندما سألته مازحًا: بقى إحنا اللى بنأكل الناس نشترى أكل من بره، ده اسمه كلام؟!!! رد ضاحكا: يا عم ابعدنى أنا عن الفول، وبلاش تاكله انت كمان مش ناقصة مرض !
وفى أثناء عملى كنت أضع تلك المادة البيضاء على الفول دون أن أعرف ماهيتها أو مصدرها، وعندما سألته عن اسمها ووظيفتها قال إنها بودرة بيضة تعمل على تسوية الفول بطريقة سريعة جدا، فتوقعت أنها هى المادة الخطيرة، التى أشار إليها الطبيب، وراح ضحيتها عدد كبير من العمال الفقراء.
ولما ذهبت إلى أحد المستوقدات الكبيرة بوسط القاهرة كى أسأل عن اسم المادة المطلوبة، وأين تباع رفض عمال المستوقد الإدلاء بأى معلومات، وعندما سألت أحد المارة عن مكان بيع الفول، الذى يتم تسويته فى هذا المستوقد دلنى على المكان فذهبت، وهناك سألت: مش محتاجين صنايعى معاكو ، فرفض البعض، لكن وافق أحد أباطرة السوق، ويدعى ع.ع ، الأخير يمتلك 8 عربات فول فى ميدان رمسيس، وعملت معه صنايعى .
بعدها بدأت العمل، وكان ع.ع صاحب عربة الفول يأخذ القدر بنفسه لتسويتها فى المستوقد مقابل 20 جنيها على القدر الواحد، وبعد أذان الفجر مباشرة جاء صاحب المستوقد بـ15 قدرة فول، وفى أثناء عملى تعرفت على صاحب المستوقد، الذى كنت أمزح معه دائمًا، ومن هنا طلبت من صاحب عربة الفول، التى أعمل عليها أن أذهب أنا إلى المستوقد لتسوية قدر الفول الخاص بى.
المستوقد، مكان قديم للغاية يقع فى حى الجمالية بمنطقة باب البحر فى رمسيس، هناك تجد عددًا كبيرًا من أسطوانات البوتاجاز الكبيرة، وعلى الجانبين يوجد حامل معدنى ضخم مئة عين نارية تشبه البوتاجاز المنزلى، لكنها كبيرة للغاية، كما توجد كميات كبيرة من العلب البلاستيكية بها ألوان صناعية مثل الكركم ومواد أخرى تضاف إلى الفول.
بعدها وضعت القدر الخاص بى على النار، وبعد خمس دقائق، جاء عامل المستوقد، وفى يده علبة بيضاء، وأضاف كميات كبيرة داخل كل قدر، وقتها عرفت أنها المادة البيضاء، التى أبحث عنها، ولما سألته عنها قال: دى يا سيدى اسمها بودرة بيضة، بتتباع عند العطار أو فى شركات الكيماويات، ووظيفتها تسوية الفول بشكل سريع بسبب ارتفاع سعر أسطوانة الغاز والإقبال الشديد على المستوقد من قبل أصحاب عربات الفول ، مؤكدا أن معظم بائعى الفول يستخدمون تلك المادة فى عملية التسوية، نظرا لقدرتها الكبيرة على تسوية الفول فى وقت قصير جدا.
الفنكوش القاتل
لكى أتأكد من انتشار هذه المادة عملت فى 3 محافظات، ودخلت قرابة الـ12 مستوقدًا للفول، وكذا عملت على 15 عربة فول بين الجيزة والقاهرة والشرقية، وحيلتى الوحيدة هى أننى أجيد العمل على عربات الفول، لذا اكتشفت أن هذه المادة منتشرة بكثرة فى مستوقدات الفول، وكل منطقة تطلق عليها اسمًا مختلفًا، هناك من يسميها إديتا أو البودرة البيضة ، وغيرهم ممن يطلقون عليها الفنكوش ، وعدد قليل جدا يطلقون عليها كربوناتو .
وفى محافظتى القاهرة والجيزة تجلب هذه المادة من شركات إنتاج الكيماويات، أما باقى المحافظات فيتم جلبها من محلات العطارة الكبرى، والأخيرة تشتريها من شركات إنتاج الكيماويات أيضًا. وبالفعل توجهت إلى مركز بيع منتجات شركة النصر لصناعة الكيماويات بميدان العباسية، ولم أجد أى صعوبة فى شراء عبوة إديتا ، وكذا لم يسألنى مسؤول المبيعات عن سبب الاستخدام، وكان سعر العبوة 45 جنيها.
نتيجة صادمة
فى اليوم التالى توجهت إلى محل عطارة كبير فى شارع باب البحر بوسط القاهرة، وسألت عن إمكانية شراء المادة المذكورة، فأنكر صاحب المحل فى البداية، وقال: أنا ماببعش الحاجات دى ، وبعدما أقنعته أننى بالفعل صاحب عربة فول، وأريد تلك المادة لأضيفها إلى الفول، وافق وطلب من أحد العمال أن يحضر كيس فنكوش الفول ، وهى مادة الإديتا ، وقال: ما تأخذنيش أنا افتكرتك حد من بتوع التموين . حملت المادة وتوجهت إلى قسم علوم الأغذية بكلية الزراعة جامعة عين شمس، لعمل بحث على تلك المادة، وهناك قابلنى أحد أعضاء هيئة التدريس بالقسم، وطلب منى ترك العينة على أن أتسلم نتيجة البحث بعد 90 يومًا من موعد التسليم. وبعد مرور ثلاثة أشهر توجهت إلى قسم علوم الأغذية لاستلام التقرير ومعرفة نتيجة البحث، وهنا كانت المفاجأة الكبرى، التى تُعد كارثة صحية تهدد حياة 90 مليون مواطن مصرى.
ووفقا لما ورد فى نتيجة التقرير، قال الدكتور يسرى أحمد عبد الدايم، أستاذ بقسم علوم الأغذية كلية الزراعة جامعة عين شمس، إنهم قاموا بإضافة مادة الإديتا بنسبة 2.5 مللي جرام فى غذاء فئران التجارب مقارنة بجسم الإنسان الذى يتناول 10 مللي جرامات يوميًّا داخل طبق الفول، واستمرت هذا العملية لمدة 90 يومًا، وفى أثناء التجربة وجدوا أن جسم الفأر يبدو عليه الهزال، وحالته الصحية منخفضة، لأن المادة توقف نشاط إنزيمات الكبد، وتؤدى إلى ارتفاع نسبة الكرياتين واليوريا فى الدم، مما يسبب الفشل الكلوى، مضيفًا أنه بعد عمل قطاعات استلوجية للكبد والكلى والرئتين والبنكرياس والخصيتين، وجدنا أنها أثرت سلبًا على كل القطاعات وكانت النتيجة مذهلة، حيث وجدنا أنها بالفعل أصابت فئران التجارب بـ الكديما ، بداية تليف فى الكبد، كما قللت عدد الحيوانات المنوية، وكذا أثرت على الصفات الوراثية والكروموسومات فى جسم الفأر، كما أدت إلى تلف فى الرئتين أيضا خلال 90 يومًا من التجربة.
أستاذ الأغذية، تابع قائلا: النتيجة كارثة صحية خطيرة وظاهرة جديدة لم نكن نتوقعها، وعلى الحكومة أن تقف بكل قوة ضد انتشارها، لأنها سبب رئيسى فى ارتفاع نسبة الإصابة بالفشل الكلوى وأمراض الكبد والضعف الجنسى وتشوّه الأجنة المنتشر بشكل كبير.
وحول هذه المادة وتركيباتها قالت الدكتورة أميرة سعد، باحثة بقسم الكيمياء كلية العلوم جامعة القاهرة، إن الإيديتا تدخل فى عديد من الصناعات الغذائية والدوائية، وكذا تستخدم مع الصوديوم والكالسيوم كمادة حافظة، وتضاف كمحسن للطعم واللون والشكل بمقادير بسيطة جدا حسب النسب المقررة عالميا، مضيفة أن هذه المادة تدخل فى عديد من التراكيب الدوائية لعلاج حالات التسمم بالمعادن الثقيلة كالرصاص والنحاس والزئبق، وذلك لتقليل مستوى السكر أو تقليل ضغط الدم، والجرعة المسموح بها عالميا حسب منظمة الصحة العالمية (WHO) تتراوح من 3 إلى 5 مللي جرامات خلال الأسبوع الواحد للجسم، الذى يزن 100 كيلوجرام حسب النسب المقررة عالميا.
هشاشة العظام والضعف الجنسى
وعن الأضرار الصحية الناتجة عن استخدام الإيديتا فى صناعة الفول المدمس قالت الدكتورة هبة سعد، طبيب بمركز السموم الإكلينيكية بقصر العينى، إن استخدام الـ EDTA فى طهى الفول بطريقة مفرطة يسبب عديدًا من المشكلات الصحية، أبرزها اضطراب الحالة الصحية لمرضى القلب والكبد والكلى والصرع، إضافة إلى أنها تؤدى إلى الموت المفاجئ.
د.هبة أضافت: هذه المادة حال تركيزها فى الجسم بكميات كبيرة تزيد من سيولة الدم للمرضى ممن يعانون من مرض سيولة الدم، كما أنها تتفاعل مع الأنسولين، فتعوق التحكم فى مستوى السكر فى الدم، لذا يقل بصورة كبيرة.
كما أكدت أنها تتحد مع العناصر المهمة فى الجسم مثل الكالسيوم والماغنسيوم والنحاس والزنك والحديد والكوبلت، وتقلل من مستوى هذه المواد فى الجسم، مما يسبب هشاشة العظام، والضعف الجنسى والعديد من الأمراض والمشاكل الصحية الأخرى.
المصدر:الشادوف+تحقيقات