كواليس الإطاحة ب”رجل السيسي” في رئاسة حزب الوفد الليبرالي “المعارض”!
هل كل الأحزاب ( الليبرالية ) المصرية صارت مثل حزب الوفد الجديد؟! الأجهزة الأمنية تخترق كافة مستويات العضوية فى الحزب ابتداء من الرئيس وحتى أصغر عضو في أقصى لجنة حزبية بعداََ عن مركز الحزب فى القاهرة؟!
هكذا تساءل وفديون عصر الجمعة الماضية خلال انتظارهم أمام مقر الحزب في ذلك القصر العتيق بشارع بولس حنا في حي الدقي بالجيزة قبيل السماح لهم بالدخول للإدلاء بصوتهم فى انتخابات رئاسة الحزب.
وعلى الرغم من أن شعار “الوفد”، أكبر وأعرق الأحزاب المصرية الليبرالية، هو “الحق فوق القوة… والأمة فوق الحكومة”، إلا أن رؤساء الحزب في الفترة الأخيرة دائماً ما يضعون أنفسهم وحزبهم في خدمة النظام الحاكم، وهو عكس الدور الوظيفي الذي من المفترض أن تقوم به الأحزاب السياسية، وهو معارضة السلطة، وطرح نفسها للجماهير كبديل للحكومة.
وتعكس الأوضاع التي يعيشها حزب الوفد، الحالة التي وصلت إليها الأحزاب المصرية بشكل خاص، والحياة السياسية في البلاد بشكل عام. فقد باتت الأجهزة الأمنية مسيطرة بشكل كامل على أي نشاط سياسي، لا سيما ما تبقّى من أحزاب مدنية، بشكل لا يسمح بأي حال من الأحوال لأي من هذه الأحزاب بأن تمارس دورها الطبيعي، في بناء كيان سياسي، ذي أيديولوجية معينة، يطرح نفسه كبديل محتمل للنظام الحالي.
وهو ما يؤكد مدى تغلغل الأجهزة الأمنية داخل بنية الأحزاب، بشكل يسمح لها باختيار المرشحين لرئاسة الحزب، ورسم الدور المنوط بهم بعد ذلك في حال نجاحهم.
في الانتخابات التي جرت الجمعة داخل حزب الوفد، حدث ما بدا أنه مفاجأة، بفوز أستاذ القانون، عبد السند يمامة، في مواجهة الرئيس السابق للحزب، بهاء الدين أبو شقة، والذي يتمتع بعلاقات جيدة مع الدائرة المقربة من الرئيس عبد الفتاح السيسي. فلماذا حدث ذلك؟
اللجنة “القضائية” المشرفة على انتخابات رئاسة حزب الوفد، أعلنت فوز يمامة، برئاسة الحزب لفترة تمتد لعام 2026، بعدد حضور بلغ 3 آلاف و293 ناخباً، كان عدد الأصوات الصحيحة فيها 3 آلاف و216 صوتاً، والباطلة 77 صوتاً، وحصل يمامة على 1668 صوتاً، وأبو شقة على 1548 صوتاً.
وأكدت مصادر خاصة لـ”العربي الجديد” أن أبو شقة، لم يقرر خوض الانتخابات على مقعد الرئيس إلا بعد أن حصل على ضوء أخضر من المسؤولين في جهاز المخابرات العامة، إذ إنه لم يكن مطمئناً لنجاحه، لا سيما مع تصاعد المشاكل الداخلية في الحزب، وأبرزها الأزمة المالية، والجدل الذي حدث قبل فترة والمتعلق بفضيحة مطالبة بعض أعضاء الحزب ممن دفعوا أموالاً لكي يتم إدراجهم على قوائم الحزب في الانتخابات البرلمانية السابقة، ولم يحدث، وذلك بالإضافة إلى الآخرين الذين تم إدراجهم على تلك القوائم، ولم يقوموا حتى الآن بدفع مقابل ذلك، وهو ما تسبب في أزمة بين أروقة الحزب.
الأحزاب والنقابات المصرية
وأوضحت المصادر أن ما حدث مع أبو شقة في انتخابات حزب الوفد، مشابه لما حدث في انتخابات النقابات، مثل المهندسين، فالمسؤولون بجهاز المخابرات يجتمعون مع شخصيات بعينها، لكن إدارة عملية الانتخابات نفسها على أرض الواقع، تتم تحت إشراف جهاز الأمن الوطني، من دون تدخل مباشر لرجال المخابرات العامة.
وأشارت المصادر إلى أنه “إضافة إلى تمتع يمامة بعلاقات جيدة مع الأجهزة الأمنية، فهو قام أيضاً بالتنسيق مع أمناء المحافظات، وحرص على استضافتهم في القاهرة قبل الانتخابات بيوم واحد، ووعدهم بضخ أموال في الحزب.
كما أنه نسق المواقف مع المرشح السابق ياسر قورة، الذي انسحب من الانتخابات لصالحه، فلم يعد ينافسه سوى أبو شقة، رئيس الحزب السابق، ووكيل مجلس الشيوخ”.
ولفتت المصادر إلى أن “انسحاب قورة، جاء بعد الاتفاق مع يمامة على توحيد الجهود في مواجهة أبو شقة”. وأكدت المصادر أن “المتنافسين الثلاثة يتمتعون بعلاقات قوية مع الأجهزة الأمنية، لكن أبو شقة، على وجه الخصوص، يحظى بمباركة الدائرة الصغيرة المقربة من السيسي، والذي اختار نجل بهاء أبو شقة، محمد، ممثلاً قانونياً له ومتحدثاً رسمياً في حملته الانتخابية الخاصة بسباق انتخابات الرئاسة في الدورتين 2014 و2018”.
وذاع صيت محمد أبو شقة، بعد مرافعته في قضية رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى في مرحلة النقض، حتى استطاع أن يحوِّل حكم “الإعدام” إلى السجن لمدة 15 سنة، في إدانته بجريمة قتل المطربة اللبنانية سوزان تميم، في دبي عام 2008.
ثم بعد ذلك أصدر السيسي، في 23 يونيو/حزيران 2017، قراراً جمهورياً بالعفو عن طلعت مصطفى. وارتبط اسم محمد بهاء أبو شقة بالسيسي، ففي عام 2014، تولى تقديم التوكيلات الخاصة بالمشير عبد الفتاح السيسي آنذاك إلى لجنة الانتخابات، باعتباره مستشاراً قانونياً للحملة.
كما تمت مكافأة والده بهاء أبو شقة بمنصب رئيس اللجنة التشريعية بالبرلمان قبل استقالته، بعد تعيينه من قبل السيسي بمجلس الشيوخ الذي أصبح وكيله حتى الآن.
وقالت مصادر “وفدية” إنه على الرغم من أن فوز أبو شقة بانتخابات رئاسة الحزب، كان هو الأرجح، إلا أن يمامة سعى لحشد أكبر عدد من الأصوات معتمداً على وعده لقيادات الحزب، بأنه سوف يستعيد أموال الحزب من الأعضاء الذين فازوا بعضوية البرلمان ضمن قوائمه التي تم ضمها لقوائم حزب الأغلبية “مستقبل وطن” (أسسته المخابرات الحربية ويشرف عليه الآن جهاز الأمن الوطني التابع لوزارة الداخلية).
أزمة الوفد المالية
المصادر “الوفدية” أكدت أن “الأزمة الكبرى داخل الحزب الآن هي نقص الأموال، والتي وصلت إلى درجة عدم وجود تمويل للعملية الانتخابية نفسها، والتي قدرت كلفتها بنحو 3 ملايين جنيه (192 ألف دولار أميركي)، إذ رفض المرشحون دفعها، واكتفى أبو شقة (82 عاماً)، بسداد مبلغ 100 ألف جنيه (6380 دولار تقريباً) مساهمة منه (على سبيل التبرع) في مصاريف إجراء الانتخابات، ما اضطر أمانة الحزب إلى تسييل وديعة بنكية لإجراء الانتخابات”. وأشارت إلى أن “برنامج يمامة يعتمد على توفير التمويل المالي للحزب”.
وتراجع أبو شقة، الذي يشغل منصب رئاسة الحزب منذ عام 2018، عن قرار استقالته من منصبه في أكتوبر/تشرين الأول 2020، على وقع الخلافات التي شهدها “الوفد” بسبب اختيارات ممثليه في ما يُعرف بـ”القائمة الوطنية”، المدعومة من أجهزة الأمن لحصد أغلبية مقاعد البرلمان، تحت رعاية حزب “مستقبل وطن”.
وقرر أبو شقة الاستمرار في رئاسة الحزب عقب تسريب اسمه ضمن قائمة التعيينات في مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية للبرلمان)، واختيار نجله محمد أبو شقة عضواً في “اللجنة العليا للإصلاح التشريعي” المشكلة بقرار من السيسي، وكذلك اختيار ابنته أميرة عضوا في مجلس النواب عن “تنسيقية شباب الأحزاب”.
وكان حزب “الوفد” قد شهد خلافات حادة بين أعضاء هيئته العليا وأبو شقة، بسبب تمرير الأخير أسماء بعينها في القائمة الانتخابية المحسوبة على نظام السيسي، ومنها اسم ابنته أميرة، وعدد من نواب الحزب الحاليين في البرلمان، متجاهلاً بذلك ترشيحات الهيئة العليا وقرارها بالانسحاب من القائمة لاحقاً.
وعبد السند يمامة، هو أستاذ ورئيس قسم القانون الدولي الخاص بكلية الحقوق في جامعة المنوفية، وعضو في لجنة الدفاع التي شكّلتها السعودية للدفاع، في الدعوى التي أقامها 15 مكتباً أميركياً للمحاماة، لتعويض أهالي ضحايا 11 سبتمبر/أيلول 2001، والتي أقيمت ضد ألف شخص بينهم أمراء سعوديون، ومنظمات، ومصارف وأشخاص طبيعيون، للمطالبة بمبلغ 13 تريليون دولار أميركي والمنظورة أمام محكمة بنيويورك.
إعادة إحياء حزب الوفد
وقال يمامة في تصريحات قبيل بدء التصويت إنه “يريد إعادة إحياء حزب الوفد ليكون شريكاً في العملية السياسية، لأن حزب الوفد غاب عن المشهد السياسي بتفاصيله كاملة في السنوات الأربع السابقة”.
وتابع: “للأسف أصبح اختيار جميع أعضاء الحزب وفقاً للمزاج والاختيار من دون احترام مبدأ الديمقراطية”. وقال إن أول قرار سيتخذه عقب فوزه هو عودة المفصولين للحزب، لأن فصلهم كان مخالفاً للقانون، مؤكداً أن الحزب في حاجة لقيادة جديدة تجدد الدماء فيه.
وكان نائب رئيس الحزب هاني سري الدين قد أعلن في بيان في اليوم نفسه الذي أعلن فيه أبو شقة ترشحه، رفضه الترشح لرئاسة الحزب، قائلاً “إنني أربأ بالوفد، اسماً وكياناً، وبنفسي أن أشارك في عملية تضليل لقواعد الوفديين، حيث تفتقد العملية الانتخابية لأدنى قواعد النزاهة والشفافية”.
وأضاف سري الدين، الذي يرأس لجنة الشؤون المالية والاقتصادية في مجلس الشيوخ، أن قرار عدم مشاركته في انتخابات الحزب “ليس انسحاباً من معركة الوفد، وإنما احتراماً لكيان منح الدولة المصرية تراثاً وطنياً خالداً”، معتبراً أن “رئيس الحزب أقصى الكثير من الوفديين، وضم آخرين لانتخابه مجدداً، فضلاً عن عدم تشكيل لجنة حيادية للإشراف على الانتخابات”.
وفي فبراير/شباط 2021، قرر أبو شقة اختيار رجل الأعمال المتورط في قضايا فساد مالي، سليمان وهدان، رئيساً لهيئة الحزب في مجلس النواب، بدلاً من النائب المخضرم محمد عبد العليم داوود، الذي اتهم حزب “مستقبل وطن” بتوزيع الرشى الانتخابية على الناخبين للوصول إلى مقاعد البرلمان.
كما فصل أبو شقة 9 قيادات من الحزب فصلاً نهائياً، ومنعهم من دخول مقره، وهم: ياسر الهضيبي (عضو مجلس شيوخ)، ومحمد عبد العليم داوود (عضو مجلس نواب)، وطارق سباق، ومحمد عبده، وحسين منصور، ونبيل عبد الله، ومحمد حلمي سويلم، وحمدان الخليلي، وحاتم رسلان.
وجاء قرار فصل قيادات “الوفد” رداً على انتقاداتهم لبعض سياسات السلطة الحاكمة، الأمر الذي رفضه أبو شقة المتورط في واقعة اعتقال الأجهزة الأمنية لثلاثة من قيادات شباب الحزب بسبب انتقاداتهم له، وهم: راضي شامخ، وأشرف منصور، ومحمد مجدي فرحات، والذين أفرج عنهم في وقت لاحق.
يذكر أن أبو شقة هدد أعضاء الهيئة العليا للحزب في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، بقوله على الملأ: “أنا بتاع الدولة، والأجهزة الأمنية. واللي هيعترض منكم هفصله، وأحبسه”، وذلك على خلفية تصاعد حدة الخلافات داخل الحزب بعد خسارة بعض القيادات في انتخابات الهيئة العليا، وفصل أبو شقة 6 قيادات منهم بمخالفة للائحة الحزب.
تدني رهيب فى الحياة الحزبية المصرية
من جهته، قال قيادي حزبي مصري بارز، لـ”العربي الجديد” إن “الأوضاع التي يعيشها حزب الوفد، وهو أكبر وأعرق الأحزاب الليبرالية المصرية، تكشف عن حالة التدني الرهيب في الحياة السياسية المصرية بشكل عام”.
وأضاف أنه “إذا كانت أكبر الأحزاب المعارضة في البلاد تدار بهذا الشكل ويتم التحكم فيها من قبل الأجهزة الأمنية، ويتم الإعلان عن ذلك صراحة من رئيس الحزب، الذي من المفترض، أن يتركز دوره على بناء كيان معارض يطرح نفسه كبديل للسلطة الحالية، وهي الفكرة الأساسية التي يقوم عليها أي حزب في العالم، فما بالك ببقية الأحزاب الصغيرة التي هي مجرد أسماء وعناوين فقط من دون أي حضور سياسي أو جماهيري؟”.
وأضاف القيادي الحزبي، الذي تحفظ على ذكر اسمه، أن باقي الأحزاب المصرية تحولت إلى مجرد أبواق أخرى تدافع عن النظام، مثل حزب التجمع الاشتراكي الوحدوي، الذي وصل عدد أعضائه في يوم من الأيام إلى مئات الآلاف، ولكنه الآن لا يحظى بأي مصداقية في الشارع، شأنه شأن أحزاب أخرى مثل “الناصري” و”المصريين الأحرار” الليبرالي.
وتابع أن “باقي الأحزاب التي حافظت على الحد الأدنى من احترام الذات واحترام الجماهير، تم التنكيل بقياداتها بالسجن أو بالنفي أو بالإخفاء القسري، مثل “الوسط الجديد” و”التحالف الشعبي الاشتراكي” و”الكرامة” و”مصر القوية”، لصالح أحزاب أخرى تشكلت على يد أجهزة الأمن والمخابرات مثل: “فرسان مصر” و”مستقبل وطن” و”حماة الوطن” وغيرها”.
المصدر: الشادوف+العربي الجديد