اختارت الفرقة الوطنية للتراث الموسيقي العراقي الأغنية المحببة للعراقيين “هلا بك” للفنان فاضل عواد في حفل استقبال بابا الفاتيكان فرانشيسكو في صالة الشرف الكبرى في مطار بغداد الدولي، حيث أصبحت الأكثر تداولا عالميا (ترندا) في غضون ساعات قليلة، وفاقت نسبة المشاهدات مئة مليون، فضلا عن نقلها على 380 قناة فضائية عربية وغربية.
“لقد رحبنا بالبابا بلغتنا، لغة الموسيقى العراقية التقليدية”، هكذا يقول قائد الفرقة المايسترو علاء مجيد، ويعبّر عن سعادته لاختيار هذه الأغنية لتغدو خلال دقائق معدودة “ترندا” عالميا محببا، أبهج المتابعين وأعاد إليهم فكرة الحنين إلى العراق الجميل، عراق الفن والحضارة.
يؤكد مجيد للجزيرة نت أن فكرة استقبال البابا كانت في بادئ الأمر مقررة بشكل روتيني، لوضع موسيقى عراقية تراثية فقط، لكنه -حسب قوله- شعر بنقص شيء، وُجوب قول مرحبا بلهجة عراقية صرفة، مما جعله يعيد التفكير في طريقة الاحتفاء كليا.
ويكمل: قبل يوم واحد من زيارة البابا، تذكرت أغنية “هلا بك” فكتبتها على شكل نوتة، وأرسلتها إلى أعضاء الفرقة، وطلبت منهم التدرب على النوتات، وإرسال تمارينهم إلى المجموعة.
“وبالطبع، في اليوم التالي، حيث كان العراق على موعد مع اللقاء الأهم، تمكنت الفرقة عن طريق قائدها من إعادة التمارين في الحافلة المتجهة إلى مطار بغداد لاستقبال البابا، وبهمة تشبه طموح النحل، كان جميع الأعضاء يرددون وبصوت عال كلمات الأغنية داخل الحافلة”.
“تعاملنا مع القصة بعفوية مطلقة ونية صادقة وخالصة، لقد ردد أعضاء الفرقة والموسيقيون منها، كلمات الأغنية المرحبة بالبابا بترحيب حقيقي، لذا نجحنا”.
وعلى الرغم من الانبهار الكبير الذي لحق باستقبال البابا، والمشاهدات التي تخطت حاجز 150 مليون مشاهدة خلال يوم، ومن مختلف أرجاء العالم، وعلى شاشات أكثر من 35 قناة نقلت الترحيب مباشرة، إلا أن البعض انتقد الفرقة، وخاصة القسم الذي أدى رقصة السيوف، باعتبار أن هذه الطقوس الفنية ليست جزءا أو موروثا عراقيا.
وردا على ذلك، يوضح مجيد أنه اختار هذا الجزء وهذه الرقصة لكونها جزءا من تراث عراقي مليء بصنوف من الرقصات، كثيرون لا يدركون أن رقصة السيوف هي فلكلور عراقي بحت، يمارسه أبناء البادية العراقية، وتحديدا بادية السماوة جنوبي العراق والأنبار غربي البلاد، وهذه الرقصة وبالسيف تحديدا تستخدم كنوع من المباهاة والترحيب بالضيف.
الفرقة الوطنية للتراث
أسس المايسترو علاء مجيد الفرقة الوطنية للتراث الموسيقي العراقي عام 1996 تحت اسم “فرقة بابل”، وتمكنت من المشاركة في عدة محافل عالمية لتطرأ عليها الكثير من المتغيرات والتبديلات بعد عام 2003، منها تغيير عدد من المشرفين على إدارتها، لتلغى نهائيا عام 2016 بسبب عدم وجود الدعم وقلة الموارد وعدم وجود شخصية موسيقية مهمة تتبنى استمرارية الفرقة، ليعود إليها مجددا المايسترو علاء مجيد، ويعيد تشكيلها باسمها الحالي، الذي هو -حسب وجهة نظره- الأكثر شمولية وموسوعية للموسيقى العراقية.
وتركز الفرقة في أعمالها وعروضها على الفنون والموسيقى العراقية التراثية فقط، ولا تستخدم غير الآلات العراقية داخل الفرقة، وهي العود والسنطور والناي والقانون والإيقاعات، والغناء العراقي وحده، وللمقام حصة مهمة، إضافة للغناء الريفي والبدوي، حيث تؤسس الفرقة لخلق وتركيب التراث العراقي بطريقة عصرية وألحان شابة، كما يؤكد هندرين حكمت المدير الإداري للفرقة وأستاذ آلة السنطور في معهد الدراسات الموسيقية للجزيرة نت.
ويضيف “للأغاني العراقية السبعينية نكهة وبصمة مميزة لدى جميع العراقيين، وبعد بدء الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) انتهى عصر الأغنية الرومانسية وزمن العاطفة، وبدأ زمن جديد معني بالأغاني الوطنية الحماسية”، مشيرا إلى أن الفرقة تعتمد على إعادة روح الهوية العراقية التراثية من خلال الموسيقى والغناء وحتى الأزياء التي تمثل الشكل الفلكلوري للعراق.
مئة عازف
ويشير حكمت الذي ينتمي للفرقة منذ أكثر من 20 عاما، إلى أن الفرقة عادت للساحة الثقافية تحت إدارة المايسترو علاء مجيد بعد إلغائها بـ35 عازفا تقريبا، بعد أن كانت في تسعينيات القرن الماضي تضم أكثر من مئتي عازف، ليبدؤوا مرحلة جديدة وليواجهوا تحديات أقوى، مشددا على أن غاية المشروع وطنية وإظهار واجهة مشرقة للبلد، وتمت زيادة العدد إلى 57 عازفا بعد إضافة عازفين جدد وطلبة بعد اختبارهم ووضعهم تحت التجربة، حيث يعمل كل منهم بجد ومحبة لتقديم موروثه الشعبي.
ويرى عازف القانون عبد المنعم أحمد أن من الضروري وجود الفرقة لإيصال الموسيقى العراقية إلى العالم، على الرغم من كونهم يقدمون كل هذا، بصورة تطوعية ومجانية، ومن دون أي دعم من جهة رسمية وغير رسمية.
ويكمل حديثه للجزيرة نت أنه خلال فترات قياسية تمكننا من تقديم عروض مختلفة بطعم عراقي وبوجود خيرة الموسيقيين المحترفين، حيث استطاعت الفرقة سابقا تقديم الأغنية والموسيقى العراقية في العديد من المهرجانات الدولية، وأهمها مهرجان الموسيقى العربية في القاهرة، وهي تقف اليوم على قدميها مجددا للعودة إلى سابق عهدها.
وتقارن عازفة العود وطالبة معهد الفنون الجميلة سارة كريم (28 عاما) تمارين الفرقة المستمر بتمارين خلية النحل المكثفة، حيث التدريب المتواصل.
وتقول للجزيرة نت إن هذه التمارين منحتنا كل القوة الممكنة لاستقبال البابا بعشرات الآلات الموسيقية، وبيوم واحد من التحضيرات، وكانت الأجواء حماسية ومفعمة بالسعادة.
أما الشابة زهراء نائل (18 عاما) فقد تمكنت من حجز مقعد لها في الفرقة الوطنية رغم صغر سنها من خلال آلة القانون التي تتدرب عليها منذ أكثر من 3 سنوات، وترى أن نجاح الفرقة الوطنية يكمن في الفئات العمرية المختلفة التي تضمها ويساعدها في الوصول إلى مختلف شرائح المجتمع. وتؤكد أن إعادة إحياء الأغنية العراقية الشعبية مثل “هلا بيك” وغيرها من أبرز أهداف الفرقة. المصدر (الجزيرة نت)