فايننشال تايمز تكشف كواليس وأهداف تحطيم السلطات المصرية لشركة (جهينة)
تحت عنوان “كيف قمعت القاهرة واحدا من رجال الأعمال البارزين في مصر”، قدمت صحيفة “فايننشال تايمز” رؤية من الداخل عن الضغط الذي تعرضت له شركة جهينة للصناعات الغذائية وصاحبها صفوان ثابت من جانب الحكومة والجيش في مصر.
وقال كاتب التقرير أندرو إنغلاند إن ثابت ظل يتمتع بسمعته كواحد من أكثر رجال الأعمال نجاحا في مصر، وطور شركة العائلة الصغيرة لكي تصبح من أهم منتجي الألبان رغم الأحداث السياسية والإجتماعية التي ضربت البلاد في العقد الماضي. لكن شركته “جهينة للصناعات الغذائية” اليوم يحيطها الغموض وعدم الوضوح بعد سجن مديرها ومؤسسها البالغ من العمر 75 عاما في سجن طرة سيء السمعة، حيث اعتقل في كانون الأول/ديسمبر واتهم بتمويل والانتماء لجماعة إرهابية. وكانت الشركة المسجلة في السوق المالي بالقاهرة وتعتبر مدراء التمويل الدولي من بين المستثمرين بها تأمل أن يتولى نجل ثابت قيادة الشركة ويعدل دفتها، لكن سيف الدين ثابت اعتقل في شباط/فبراير ووجهت للقائم بأعمال الرئيس نفس الاتهامات بشكل ترك قيادة الشركة في حالة من الغموض.
وكان على مدراء الشركة منذ ذلك الوقت الحديث مع البنوك والمستثمرين والعملاء وتوضيح لهم ما يجري للشركة التي تملك عائلة ثابت نسبة 51% فيما عبر 4.000 موظف عن قلقهم من المستقبل.
وتعبر القصة حسب المحللين عن الوضع الذي يعانيه القطاع الخاص في مصر حيث استخدم نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي اتهامات الإرهاب لاستهداف الناشطين والأكاديميين والصحافيين ورجال الأعمال منذ الإطاحة بالإخوان المسلمين في انقلاب عام 2013. وفي نفس الوقت وسع السيسي، قائد الجيش السابق من بصمات الجيش في الاقتصاد المصري بحيث وجد القطاع الخاص نفسه في منافسة مع مؤسسة الدولة القوية. ويرى فرنسوا كونرادي، المحلل الاقتصادي البارز في شركة أن كي سي أفريكان إيكونوميكس وهي جزء من أوكسفورد إيكونوميكس ” بالنسبة لمستثمري المحافظ فهذا يقترح عدم وضوح في كل المستويات، جهينة هي رصيد مهم والجميع يحب الأرصدة، وهي شركة تدار بطريقة جيدة، ولاعب مهم في سوق استهلاك يتكون من 100 مليون شخص، ولديها كل ما تريد ثم يحدث لها هذا”، و “هو ما يضع علامات استفهام على جاذبية السوق المالي المصري، ولا يهم أنك مستثمر جديد ذاهب إلى مصر تحاول أن تبدأ شيئا”.
وقال أصدقاء وأفراد عائلة ثابت إن الأب والابن هما ضحية لقمع استهدف في البداية أعضاء وأنصار الحركة الإسلامية والتي سيطرت لفترة قصيرة على الحكم عام 2011، لكن القمع توسع ليشمل كل أنواع النقد والمعارضة. ويعترفون أن والد ثابت وجده كانا من الأعضاء البارزين في جماعة الإخوان المسلمين، لكنهم يؤكدون أن علاقة الشركة بالجماعة هي “صفر” و “لا اهتمام لديها في النشاط السياسي”. ولم ترد الحكومة المصرية على أسئلة الصحيفة للتعليق.
وقال صديقان للعائلة للصحيفة إن سيف تعرض قبل أيام من اعتقاله لضغوط من عملاء المخابرات الذين هددوه بمواجهة مصير والده إلا إذا وقع تنازلا عن الشركة كلها.
ورد سيف أنه ليس في وضع للتوقيع نيابة عن والده أو بقية المستثمرين، وبعد 48 ساعة اقتيد معصوب العينين إلى السجن. ويعتقد أن أن “المفاوضات” تجري بين الأب وابنه وأجهزة المخابرات، مما يعني أن الدولة تحاول مصادرة الشركة مقابل الإفراج عنهما. وقال صديق للعائلة “من الناحية النظرية، فقد تنجو الشركة لكن لو قررت الحكومة وقف عمل هذه الشركة فلديها كل الوسائل لعمل هذا”. وأضاف “يجب أن يكون هناك نوع من التسوية، إلا أن طبيعة الصفقة تعود للرجلين خلف القضبان”.
وبعد سيطرة السيسي على الحكم اعتبر منظمة الإخوان إرهابية وصادر مئات الشركات التي زعم أنها مرتبطة بها من منظمات غير حكومية ومستشفيات ومدارس والتي أغلقها، كما واعتقل عشرات الآلاف من أنصار الحركة.
وبدأت مشاكل صفوان ثابت في 2015 عندما جمدت حساباته الشخصية لارتباطاته المزعومة بالإخوان المسلمين لكنه ظل رئيسا لشركة جهينة. وكان قد توصل قبل 3 أشهر لشراكة مع شركة الأغذية الإسكندنافية “أرلا” التي تعتبر أكبر منتج للألبان. وفي نفس الوقت الذي جمدت حسابات قامت أبردين أسيت مانجمنت أكبر مدراء لإدارة الأموال في بريطانيا بزيادة حصتها في الشركة بنسبة 5%. وتولى سيف إدارة الشركة التنفيذية في 2016 وعين كنائب للرئيس. كان الأب وابنه من عضوية نقابات التجارة بما فيها “الفيدرالية المصرية للصناعات” و “غرفة صناعات الأغذية”. ورغم تجميد حساباته إلا أن اعتقال صفوان صدم القريبين منه.
وقال صديق للعائلة “هذا لا يعطي أي معنى، حيث تسمح الحكومة والمخابرات لشخص يزعم أنه قائد وممول لجماعة إرهابية البقاء في منصبه خلال السنوات الستة الماضية ليواصل التجارة ومقابلة الرئيس والمسؤولين الكبار والاستثمار في البلد”.
وبعد اعتقاله أوقفت الشرطة شاحنات جهينة وسحبت تراخيصها وهددت سائقيها قائلة لهم “لو قدت سيارة جهينة فستنتهي إلى السجن” حسب أشخاص مطلعين.
وأضافت الصحيفة أن قيمة جهينة في السوق والتي وصلت إلى 13 مليار جنيه مصري (828 مليون دولار) عام 2019، قد تراجعت إلى 330 مليون دولار، أي انخفاض بنسبة 60%. وخسر السوق المالي المصري الذي لم يكن أداؤه جيدا مقابل الأسواق الصاعدة الأخرى نسبة 30% في نفس الفترة. وقام بعض المستثمرين الأجانب ببيع حصصهم. ولم تعد أبردين ستاندرد إنفستمنت وهذا هو اسمها الجديد بعد اندماجها مع ستاندرد لايف تملك حصصا في جهينة، أما أرلا للأغذية فقد قررت العام الماضي “تخفيض مستوى تعاملنا” مع الشركة المصرية “بسبب الظروف الصعبة للسوق”، لكن صندوق النفط النرويجي لا يزال يملك 4% من الشركة بنهاية العام الماضي. وقال مدير مالي دولي إن مصر كانت “السوق الذي أظهر فرص نمو مهمة وبشركات مدارة بشكل جيد” لكنه أضاف إنه “سوق زادت فيه مظاهر القلق حول الإدارة بشكل واضح خلال السنوات الماضية وبشكل أدى فيه تراجع السيولة في سوق الصرف إلى جعل الاستثمار منظورا محفوفا بالمخاطر”.
وقال مصرفي آخر إن الأمل تزايد بعدما قامت الحكومة المصرية بتطبيق الإصلاحات المؤلمة عام 2016 للحصول على قرض 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، لكن “هناك الكثير من خيبة الأمل من المستثمرين” و “في النهاية فهؤلاء الناس (النظام) لا يريدون التخلي السلطة وليسوا مرتاحين من خلف ظروف محبذة تؤدي لإنعاش القطاع الخاص”.
المصدر: الشادوف+ترجمات