عبد العظيم حماد يكتب : جنة العبيط !!

0 559

جنة العبيط.. عنوان كتاب لأستاذ أساتذة الفلسفة الراحل زكي نجيب محمود يصف المستريحين لضلالاتهم الفكرية. واستعيره لأصف الحالمين بدخول الصين طرفا في مواجهة عسكرية مع الولايات المتحدة والغرب عموما مباشرة حول تايوان أو بتوكيل لبوتين. إما موثق بتحالف رسمي وإما عرفي بخطوط إمداد مفتوحة. وذلك لإنهاء الهيمنة الأمريكية علي العالم أو تكريس نظام عالمي متعدد الأقطاب
فهذه ضلالة فكرية. لأن الصين اقتربت من مكانة القطب الثاني دون حروب ، ولن يمنعها من تبوء هذه المكانة الا الحرب فكيف ترتكب هذه الحماقة ؟
الصين بعد ثورتها لم ترث فقط مشكلة تايوان مع الولايات المتحدة والغرب. ولكنها ورثت أيضا مشكلة مكاو وكانت تحت الحكم البرتغالي منذ الكشوف الجغرافية. وهونج كونج وكانت تحت الحكم البريطاني. وورثت أيضا الحرب الكورية ثم الحرب الفيتنامية. فضلا عن مشكلة عدم اعتراف الغرب والولايات المتحدة بها واستمرا شغل تايوان للمقعد الصيني دائم العضوية في مجلس الأمن باسم الصين الوطنية .
الآن تذكروا كيف حصلت الصين تباعا علي كل ماتريد دون حرب
البرتغال جلت عن مكاو في موعد انتهاء عقد تأجيرها وذلك في سبعينيات القرن الماضي. الذي جاء الرئيس الإمريكي نيكسون في بدايته يسعي الي بكين متعهدا بالاعتراف و بحلول الصين (الشعبية ) محل الصين الوطنية في مجلس الإمن ، وفي نهاية ذلك القرن سلمت بريطانيا هونج كونج بانقضاء الأجل القانوني لحكمها للاقليم
في الحرب الكورية لم تنخرط الصين الا من خلال المتطوعين. وعندما تأكدت استحالة سقوط كوريا الجنوبية في يد النظام الشيوعي في كوريا الشمالية وأن واشنطن لا تريد مواصلة الحرب حتي استيلاء الجنوب الكوري علي الشمال قبلت بكين الهدنة ولم تخرقها الي يومنا هذا
وفي فيتنام كان الدور الصيني هو الامداد والتموين دون أية مشاركة فعلية في القتال رغم أن خبر الإنذار الصيني للولايات المتحدة بالعواقب الوخيمة كان بابا ثابتا في صحف ذلك الزمان. ومن كثرة تكراره كانت الصحف تنشره تحت رقمه المسلسل وقد تجاوز عدد تلك الانذارات رقم ٨٠٠ علي ما أتذكر
إنها حكمة الصبر الصيني والرهان علي الزمن دون اندفاع ولكن دون استسلام . أو حسب الصياغة الصينية. انتظر جثة عدوك حتي تأتيك طافية علي مياه النهر الذي تجلس عليه مترقبا
ثم ماهي المصلحة الصينية في حرب مع الغرب تغلق أسواقه أمام منتجات الصين (مصنع العالم ) وتهدر الموارد الطائلة التي خصصت لمشروع الحزام والطريق المتجه أولا وإخيرا نحو تلك الأسواق ؟
نعم تحتاج الصين لبترول وغاز روسيا ولكن أوروبا نفسها لم توقف بعد وارداتها من غاز وبترول روسيا ولن توقف هذه الواردات قبل عدة سنوات. وإن كانت أمريكا قد فعلت لعدم حاجتها الماسة لموارد الطاقة الروسية ومن ثم فليس واردا البتة فرض عقوبات علي الصين لاستقبالها الصادرات الروسية من الطاقة. أي ليس واردا نشوب أزمة أمريكية صينية حادة تنذر بتصاعد يمهد بدوره لتحالف حربي بين بكين وموسكو واما تحذيرات بايدن الإخيرة فهي تتعلق بالسياسة والدبلوماسية والنظام المالي والمصرفي أكثر من تعلقها بموضوع البترول والغاز.

خريطة لجزيرة فرموزا سابقا- تايوان حاليا- أرشيف

خلفية تاريخية عن مشكلة تايوان ( بقلم محمد عبد العاطي ):

جزيرة تايوان (فورموزا سابقا) هي جزيرة صينية تبعد أقل من 200 كلم عن البر الصيني، وتبلغ مساحتها 36 ألف كيلو متر مربع، وعدد سكانها 24 مليون نسمة.
في النصف الأول من القرن العشرين كان ثمَّة تحالف بين أكبر حزبين في الصين هما الحزب الشيوعي والحزب القومي الصيني (الكومينتانغ)، وكان الحزبان يحكمان البلاد وفقا لهذا التحالف، ثم حدث خلاف بينهما تطور إلى صراع مسلح من أجل التفرد بالسلطة، وهو ما عرف بـ”الحرب الأهلية الصينية”، وقد استمرت تلك الحرب لما يربو على العشرين عاما (1928 – 1949) وانتهت بهزيمة الحزب القومي ( الكومينتانغ) وفرار قادته إلى تايوان، وادعى كل حزب أنه ممثل للشرعية الصينية، وانه هو الحاكم الشرعي لعموم البلاد، وسرعان ما انتهزت الولايات المتحدة الأميركية – المعادية للشيوعية – الموقف، فتدخلت وقدمت كافة أشكال الدعم لقادة الحزب القومي الذين سيطروا على تايوان، ثم وقَّعت معهم معاهدة للدفاع المشترك عام 1954، وأعلنت حمايتها لهذه الجزيرة، وبمرور السنين أصبحت تايوان دولة متقدمة اقتصاديا، يحكمها نظام ديمقراطي موالي للولايات المتحدة، وتعمقت خلال تلك الفترة الهوية التايوانية، خاصة لدى الأجيال الجديدة مقارنة بالأجيال القديمة التي لا تزال تنظر لنفسها على أنها صينية وليست تايوانية.
الآن لا تريد أغلبية التايوانيين أن تحكمهم الصين نظرا لما يتمتعون به من حرية ورفاه، ولهذا يقاومون النفوذ الصيني ويعارضون السياسة الصينية تجاه جزيرتهم.
الصين بنفوذها السياسي الدولي حالت دون اعتراف أغلب دول العالم بتايوان دولة مستقلة، ومن اعترف بها سحب اعترافه حتى لا تتأثر سلبا مصالحه مع الصين، ولا يعترف بها حاليا من القارة الأوروبية سوى دولة الفاتيكان التي لا يزيد عدد سكانها عن 850 نسمة فقط!
تطالب الصين باستعادة تايوان وتعتبر ذلك مسألة “كرامة وطنية” فضلا عن كونها تأمينا لأمنها وإبعادا للنفوذ الأميركي من حديقتها الخلفية، وتحاول في الوقت نفسه طمأنة التايوانيين بالقول إنَّ مصيرهم سيكون كمصير هونج كونج ومكاو (دولة واحدة بنظامين)، وبالتالي يعيشون وفق نظام الحكم الذي يختارون وطريقة العيش التي يرتضون، لكن وبالتوازي تعود السيادة على جزيرتهم إلى الدولة الأم.
يرفض أغلب الشعب والنخبة الحاكمة في تايوان ذلك ويتخوفون من المستقبل.
الرئيس الصيني الحالي، شي جين بينغ، أعلن صراحةً “أنه لم يَعِدْ في يوم من الأيام بعدم استعمال القوة وأن كل الخيارات مفتوحة”.
هذا هو أصل مشكلة تايوان وتطورها، ولو قررت الصين استعادة هذه الجزيرة بالقوة وفكرت الولايات المتحدة الأميركية في التصدي لها فربما تنشب حرب بين هاتين القوتين تكون تكلفتها عليهما وعلى العالم باهظة للغاية، ولهذا فقد قيل بحق إن المسألة التايوانية هي الأخطر في العالم. ( انتهت الخلفية)

عبد العظيم حماد

كاتب صحافي مصري مخضرم

رئيس تحرير صحيفتي الأهرام والشروق سابقا.

عمل مديرًا لتحرير الطبعة العربية للأهرام،

ومراسل الأهرام في ألمانيا ووسط أوروبا (٢٠٠٠ – ٢٠٠٥) 

*********************************************************************

الآراء الواردة فى المقال تعبر عن صاحبها، ولا تعبر بالضرورة عن موقع الشادوف أو تمثل سياساته التحريرية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.