صلاح إمام فرج الله يكتب: في أيام الأمل..أحلام ضيعها الجنرال !
في 25 يناير 2011، ثار أبطال الشعب المصري مطالبين بحريتهم التي كانت غير مكتملة في عهد مبارك، اعتقد الجميع بعد نجاح الثورة أن مصر الجديدة أصبحت على طريق الديموقراطية، لم يكن يتصور أحد ممن كانوا في الميدان أن تكون هذه مصر التي زهقت من أجلها الأرواح وانقطع من أجلها النسل.. في أيام الأمل والنضال كانت أحلامنا بسيطة إلى أن ضيعها الجنرال ورفاقه.
حلم الديموقراطية لم ينته عبر التاريخ حيث تجد أن الطغاة هم من يشحذون همم جيل جديد لن يقفوا أمامه كما فعلوا معنا، حلم 25 يناير الذي بددته قوى الشر سيتجدد، وسيكون حقيقة يوما ما، ولكن الخوف أن تكون مهة البناء أصعب على الأجيال التي ستتحمل مسؤولية بلد تم تجريفه بجنون.
العالم العربي يتابع الانتخابات في أوروبا وأمريكا ويتساءل عن صعود اليمين المتطرف في القارة العجوز، وفوز حزب العمال في بريطانيا، ومحاولة الاغتيال التي تعرض لها الرئيس السابق ترامب، وفي الحقيقية تساءلت أنا وأصدقائي عن ضحايا المشهد الانتخابي في مصر خلال السنوات الماضية.. كم أعداد المسجونين من هؤلاء الذين حاولوا منافسة (الرئيس)، وكم حجم المليارات التي أنفقت هباءا لتزين مشهدا لم ينجح فيه أحد.
في الانتخابات الأمريكية انشغل الحضور باقتحام كاميلا هاريس سباق الانتخابات الرئاسية، وبالأزمة الأوكرانية الروسية، والحرب في غزة وقضايا الإجهاض والتضخم وخلافه من القضايا المؤثرة، أما أنا فتذكرت هؤلاء الذين حاولوا الترشح للانتخابات الرئاسية ومنافسة (الرئيس) السيسي في مصر خلال العام 2018 و2023، تساءلت أين هم الآن ؟!! وقررت أن أبحث عن أبرزهم وإلى أي طريق رحلوا؟!!
كان أحمد الطنطاوي آخر هؤلاء الذين تم التنكيل بهم، إذ حكم عليه بالسجن لمدة عام بعد أن حاول جمع توكيلات لمنافسة (الرئيس) على كرسي الحكم، وحينها شيطنت وسائل الإعلام تلك المحاولة ووصفته بالخائن العميل الذي يسعى لهدم مصر، مما دفع بعض “المواطنين الشرفاء” للتعدي عليه بالضرب في أحد جولاته الانتخابية.
العقيد أحمد قنصوة أعلن في فيديو مدته 5 دقائق اعتزامه الترشح، ولم يمر اليوم إلا وتم القبض عليه، وعوقب بالسجن 6 سنوات بعد جلسة واحدة أمام القضاء العسكري، لم يتمكن خلالها من الدفاع عن نفسه!
كذلك تذكرت المشير سامي عنان صاحب جملته الشهيرة التي قالها كشعار حملته الانتخابية “أيها الشعب السيد في الوطن السيد”، ليختفي بعدها هو وفريق حملته لسنوات طويلة ثم يخرج ليلزم بيته ولم نسمع له رجزا.
أما الفريق أحمد شفيق رئيس وزراء مصر الأسبق الذي كان يقيم في دولة الإمارات وأعلن منها نيته الترشح لمنصب رئيس الجمهورية، عاد في طائرة خاصة ليكمل إجراءات الترشح اللازمة، إلا أنه يجد نفسه في سجون (الرئيس الحالي) يكمل أوراق قضيته التي بموجبها تم القبض عليه وذهب من الطائرة مباشرة إلى السجن.
كل هؤلاء وآخرين من رشحوا أنفسهم لمنصب الرئيس لم ينج منهم إلا القليل، فقد مكنت السلطات المهندس موسى مصطفى موسى من استكمال أوراقه، وكان هو المنافس الوحيد أمام (الرئيس السيسي) في انتخابات 2018 الذي اكتسحها بالطبع، وخرج في مشهد المنتصر على منافسه الشرس موسى مصطفى موسى، أو هكذا كانوا يروجون.
السيسي سمح لمرشحين آخرين بمنافسته ليزين العملية الانتخابية أمام العالم، ففي انتخابات ديسمبر 2023، حصل المنافس حازم عمر حصل على نحو مليوني صوت بنسبة 4.5 %، بينما حصل المرشح فريد زهران على 1.7 مليون صوت بنسبة 4 %، وجاء في المركز الرابع المرشح عبد السند يمامة بحصوله على 822 ألف صوت بنسبة 1.9 %.
وتصدر السيسي في تلك الانتخابات وحصل على نحو 40 مليون صوتاً بنسبة 89.6 %، ليثبت للغرب أن مصر ديموقراطية وبها انتخابات حقيقية فاز فيها بكل شرف ونزاهة، هؤلاء المشاركون الذين تنتقيهم السلطة على عينها وتدفع بهم للساحة عن قصد وتعمد، أولئك لا خطر عليهم ولا هم يحزنون، فهم أدوا أدوارا رسمت لهم ببراعة.. حتى في تصريحاتهم وشعاراتهم الانتخابية، كانت تملى عليهم وهم يقرأونها بكل دقة ولا مجال للارتجال!!
عندما استيقظت في الصباح التالي من المناظرة بين بايدن وترمب، وجدت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية تقول إن الرئيس جو بايدن أثار أدائه المتعثر والمفكك ليلة الخميس فى أول مناظرة فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية موجة من الذعر بين الديمقراطيين وأعاد فتح النقاش حول ما إذا كان ينبغي أن يكون مرشحهم على الإطلاق، وفي النهاية أجبروه على الانسحاب ودفعوا بنائبته كامالا هاريس.
كيف يعيش هؤلاء هكذا؟!، ينتقدون رئيسهم ويصفونه بأوصاف لو نطق بها أحدنا في بلاده لأدخل السجن مدى الحياة، ومع ذلك يعودون إلى ديارهم آمنين، وليس ذلك فقط بل يعدهم الرئيس الموبخ بتحسين أدائه، والعمل على النهوض بالدولة.
الرئيس لديهم موظف يُحاكَم ويُسأَل وربما يُسجن.. لم ينتخبوه ليكون لهم إلها معصوما من الخطأ.. هو يعلم وهم يعلمون، أنه موظف لأربعة أعوام إذا نجح يمنحونه أربعة آخري، وإلا فليذهب إلى حيث لا رجعة ونأتي بغيره، كما فعلوا مع ترمب الذي كان في أوج انتصاره وقوته.
فقط في بلدان بعيدة الرئيس يصبح إلها يحكم حتى يموت، أو ينقلب عليه الجيش، لا مجال لصندوق ولا اعتبار لانتخابات، إذا جلس الجنرال على كرسي الحكم، فلن يغادره طواعية أبدا وذلك ما يحول بيننا وبين النهضة والنمو، والجنرال لا يدري المعنى الحقيقي للنمو أو حتى النهضة !
صلاح إمام فرج الله
صحفي مصري وعضو منظمة العفو الدولية
المقالات الواردة فى باب الرأي تعبر عن أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن الموقع وسياساته التحريرية