شادي عبد السلام… مؤرخ السينما المصرية ومُبدعها الفصيح

0 616

في متحف المخرج المصري شادي عبد السلام في مدينة الإسكندرية، الذي يضم بعض مُقتنياته ولوحاته وقطع من أثاث مكتبة، توجد بعض أوراقه الخاصة، التي دوّن فيها وجهات نظره في الكثير من القضايا المهمة، وبالطبع تأتي قضية الإبداع السينمائي على رأس كل القضايا، وقد استخلصنا من عباراته ما يتصل اتصالاً مباشر بفنه وفكره، ووعيه الخاص بالدور الثقافي وكيفية تفعيله ليكون نواة للتقدم والرقي، وقد جاءت عباراته البليغة على النحو التالي.. قضيتي هي التاريخ الغائب أو المفقود.. الناس الذين نراهم في الشوارع والبيوت.. في الحقول والمصانع.
هؤلاء الناس أغنوا الإنسانية، فكيف نعيدهم للدور نفسه، كيف نستعيد مساهماتهم الإيجابية والقوية في الحياة؟ لا بد أولاً أن نعرف من هم؟ وماذا كانوا، وماذا قدموا؟ لابد أن نوصل العلاقة بين إنسان الأمس وإنسان اليوم لنقدم إنسان الغد.. تلك هي قضيتي.
كانت الكلمات التي ضمتها أوراق المبدع، بوابة الدخول إلى عالمة الفني الواسع، حيث ترتبط كل الصور الإبداعية بهذا المفهوم الذي لخصه، المخرج، وكاتب السيناريو ومهندس الديكور ومصمم الأزياء في جُمل قصيرة شديدة البلاغة والدلالة، وربطها بالمفهوم الإنساني للفن ولغة الحضارات التي لا تعرف فروقاً طبقية، ولا حسابات أيديولوجية ولا حدودا جغرافية.
اللافت والمُبهر في مسيرة المبدع الراحل شادي عبد السلام، ذلك النسق التاريخي في اللقطات الفوتوغرافية لبعض أفلامه السينمائية ذات الطابع الوثائقي الروائي المُختلف، خاصة التي اعتنى فيها بتصميم أزياء أبطالها وملابسهم، ليُحدد المرحلة الزمنية للأحداث، ويضيف بعداً جمالياً للأجواء، تماماً، كالذي تحقق في أفلام مثل «أمير الانتقام» وفيلم و»إسلاماه» و»ألمظ وعبده الحامولي» و»أمير الدهاء»، و»المومياء» و»الفلاح الفصيح».
وهذه المجموعة المُنتخبة من أهم أفلامه كلها إنتاج فترة الستينيات، حيث لم يكن لشادي عبد السلام قبل هذه المرحلة سوى عدد قليل من الأفلام التسجيلية مثل، «آفاق» و»جيوش الشمس» و»كرسي توت عنخ أمون» و»رمسيس الثاني» و»الأهرام وما قبلها»، وهي الإبداعات التي أكدت موهبته، وكانت مقدمات مهمة لبقية إنجازاته، ومن بين ما شارك فيه شادي بالخبرة ووضع عليه بصمته المتميزة فيلم «أنشودة وداع» عام 1970. غير أن للمخرج الكبير تجارب سينمائية بدأ تصويرها ولم يُكملها كفيلم «الحصن» إنتاج 1979 و»الدندراوية» 1989 وسيناريو فيلم «مأساة البيت الكبير» أو «إخناتون» الذي اختار لبطولته الشاعر أمل دنقل ليجسد شخصية إخناتون لتقارب الشبه بينهما، فضلاً عن إحاطة دنقل بتفاصيل القصة التاريخية وإلمامه بها.
ويُحسب لشادي عبد السلام الذي ولد في مدينة الإسكندرية في الخامس عشر من مارس/آذار عام 1930 وتخرج في كلية الفنون الجميلة بقسم العمارة عام 1955، أنه قام بتصميم عشرات الديكورات لأفلام عالمية من بينها فيلم «كليوباترا» عام 1964 للمخرج جوزيف مينكيفيتش، وفيلم «الصراع من أجل البقاء» للمخرج روبرتو روسيلليني، فضلاً عن عمله مستشارا تاريخيا للديكور والأزياء في فيلم «فرعون» للمخرج كافلا يروفيتش.
ومن أقوال المخرج المصري، صاحب الروائع الاستثنائية في تعريفه بنفسه، إنه ابن بيئتين، حيث ولد وعاش في الإسكندرية، وينتسب في الوقت نفسه لعائلة محافظة من عائلات مدينة المنيا، مؤكداً أنه تأثر كثيراً بالتنوع البيئي، جغرافياً ومناخياً، فهذا التنوع هو الذي خلق منه فناناً عاشقاً للإبداع والابتكار، رغم بُعد أسرته التام عن هذه الأجواء وعدم صلتهم بالفن، وبحسب قوله أيضاً إن هذا الانفصال العائلي عن أجواء الثقافة والإبداع قد خلق في داخله مقاومة ذاتية لمعاداة الفن وأعدائه، وجعله أكثر ارتباطاً به، لاسيما أنه لم يكن من المتفوقين في الدراسة، الأمر الذي جعله يعوض ذلك بانتمائه للمجال الإبداعي والثقافي والسينمائي على وجه الخصوص.
ويروي شادي عن والده كراهيته للاحتلال، وانتماءه الوطني الجارف لبلاده، ورفضه لحُكم السرايا إبان المرحلة الملكية، موضحاً تأثره الشديد به في هذا الخصوص، وتأييده لثورة يوليو/تموز، رغم أنه لم يكن يوماً سياسياً بالمعنى المعروف، لكنه كان منحازاً لفكرة العدالة الاجتماعية، ورافضاً للقهر ومؤمناً بحق الفقراء في الحياة الكريمة. ويُستنتج من كلام شادي عن نفسه، أنه كان مُتعدد الثقافات والميول، فنانا بالسليقة مُحباً للسينما وعاشقاً للصورة والشكل الجمالي وتواقاً للتجديد والحرية.

كمال القاضي

كاتب مصري

المصدر: القدس العربي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.