رأي الشادوف: تبريد الأوضاع بالقدس..تمهيد للتصعيد العسكري فى غزة
منذ الجمعة الماضية، فرضت التطورات في القدس المحتلة وقطاع غزة نفسها على طواقم المستويات السياسية والأمنية في “إسرائيل” في ضوء تواصل إطلاق الصواريخ من القطاع باتجاه المستوطنات المحاذية له تضامناً مع القدس وأهلها.
ويبدو أن التضامن والمساندة العسكرية التي حظي بها المقدسيون فى مواجهة آلة الاحتلال الاسرائيلي في القدس والمسجد الأقصى، باتت تفرض على المسؤولين السياسيين والعسكريين فى الكيان الصهيوني ” معادلة أمنية غير مسبوقة”.
الاحتلال يعتمد فى سياساته على الاستفراد بمكونات الشعب الفلسطيني كل على حدة، ولكن الأوضاع تغيرت خلال الساعات الاثنتين والسبعين الماضية.
ففي ظل احتدام المواجهات فى باحات الأقصى يوم الجمعة الفائتة، أصدرت كتائب الشهيد عز الدين القسام بياناً ناريا بشأن الاعتداءات الإسرائيلية على المقدسيين، مؤكدةً أنها تتابع “عن كثب الهجمة الصهيونية الإجرامية من قوات الاحتلال وقطعان المغتصبين على المسجد الأقصى وأهلنا”.
وتوجه الجناح العسكري لحركة “حماس” بالتحية “للصامدين المرابطين في القدس والأقصى، وحيا انتفاضتهم المباركة في وجه الاحتلال ووقوفهم سداً منيعاً أمام المغتصبين”.
وتوجهت الكتائب إلى المرابطين وسكان القدس، بالقول: “لتعلموا أيها الأبطال أن من خلفكم مقاومة صلبة ومتأهبة، ستشكل لكم ولأقصانا وعاصمتنا المقدسة سيفاً ودرعاً، فمعركتكم معركتنا ودمكم دمنا ونبضكم نبضنا”.
وتابعت: “الشرارة التي تشعلونها اليوم ستكون فتيل الانفجار في وجه العدو المجرم، وحينها ستجدون كتائبكم ومقاومتكم حيث ينبغي أن تكون في قلب معركتكم، تلقن العدو الدروس القاسية وغير المسبوقة بعون الله”.
ثم توجهت الكتائب إلى الاحتلال الإسرائيلي “الذي يظن أنه يمكن أن يستفرد بأقصانا وأهلنا في القدس بأن لا يختبر صبرنا، فقدسنا دونها الدماء والأرواح وفي سبيلها نقلب الطاولة على رؤوس الجميع ونبعثر كل الأوراق”.
وقد رد المقدسيون خلال مواجهاتهم مع القوات الأمنية الاسرائيلية فى القدس بتحية كتائب عز الدين القسام التابعة لحركة حماس، بل هتفوا باسم قائد الكتائب ( محمد الضيف )، فى إشارة رمزية قوبلت بقدر كبير من الاهتمام من جانب المستويات الأمنية فى دولة الكيان.
لم يقف الأمر عند هذا الحد الرمزي المقلق للاحتلال، بل تجاوزه الى افعال عملية على الأرض، فقد تم عقد اللجنة المشتركة لفصائل المقاومة الفلسطينية، وبدأ إطلاق الصواريخ من قطاع غزة بزخة أولى فجر السبت اعترف جيش الاحتلال بأن القبة الحديدية تصدت لصاروخ واحد من بين ثلاثة سقطت على المغتصبات الفلسطينية.
وتواصل إطلاق القذائف الصاروخية التي بلغت 36 صاروخا ليل السبت/الأحد 13 رمضان الجاري.
وقبيل صلاة المغرب يوم أمس الأحد، قامت قوات الاحتلال بمحاولة تبريد الموقف فى القدس، وقرر المفوض العام لشرطة الاحتلال بتوصية من رئيس جهاز الأمن الداخلي ( الشاباك) برفع الحواجز التي تم وضعها فى باحات المسجد الأقصي حول ساحة باب العمود، وبرز من الجانب الإسرائيلي ملامح اعتماد سياسة “الاحتواء” وعدم الانجرار إلى تصعيد أكبر لا ترى فيه مصلحة لها، ولا قدرة لديها على تحمل تبعاته وأثمانه الباهظة فى تلك المرحلة.
جاء هذا التحرك وسط جلسات تقدير للموقف الأمني عقدها وزير الأمن (بني غانتس) ورئيس هيئة الأركان العامة في الجيش الإسرائيلي، مع الفريق أفيف كوخافي وبمشاركة من رئيس الوزراء بينيامين نتنياهو بهدف دراسة كيفية مواجهة التصعيد ومنع تفاقم الأوضاع.
ولهذه الغاية أعلن كوخافي إلغاء سفره المقرر إلى الولايات المتحدة الأميركية. كما أعلن أنه سيتم عقد جلسة للمجلس الوزاري المُصغّر للشؤون السياسية والأمنية (الكابينت) بعد ظهر اليوم الاثنين لمناقشة الأوضاع في الساحة الفلسطينية.
وأفادت وسائل إعلام اسرائيلية، أن المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون السياسية والأمنية (الكابينيت)، صادق مساء اليوم، الإثنين، على خطة لتوجيه ضربة جوية شديدة ضد ما يزعم أنها أهداف تابعة لحركة المقاومة الإسلامية (“حماس”)، في حال تواصل إطلاق القذائف الصاروخية من قطاع غزة.
وادعى مسؤلون إسرائيليون، بعد اجتماع الكابينيت الإسرائيلي، مساء اليوم، أنه “لا رغبة إسرائيلية في التصعيد، لكننا مستعدون لإمكانية استمرار إطلاق القذائف” معتبرين أن “الكرة حاليا في ملعب حماس”!
وأضاف المسؤولون، في تصريحات نقلها الموقع الإلكتروني لصحيفة “يديعوت أحرونوت”، أن هناك جهودا دبلوماسية من وراء الكواليس وضغوطا على حماس لوقف إطلاق النار من غزة.
وقال مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى إن “كل شيء حساس للغاية والأمور على الحافة، ومن الصعب معرفة كيف سيتصرفون (المسؤولون في غزة) في نهاية المطاف. نحن مستعدون لجميع السيناريوهات”.
وخلال اجتماع الكابينيت، استعرض الجيش الإسرائيلي “خطة عملياتية على عدة مستويات تهدف إلى الإضرار بحركة حماس”، بحسب الصحيفة، مشيرة إلى أن السلطات الإسرائيلية تعتبر أن حركة حماس مسؤولة عن إطلاق النار من قطاع غزة.
وحول الجلسة التي عقدها غانتس، والجلسات السابقة التي حضرها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، كشفت تقارير أنه خلال المداولات، برزت خلافات وسط دعوة عدد من المشاركين فيها، لتشديد القصف في قطاع غزة، ضد حركة حماس وبقية الفصائل الفلسطينية، إلا أن كوخافي أشار إلى أن القدس هي المصدر الأساسي للتصعيد، وليس قطاع غزة وقيادة حماس.
التقارير لفتت إلى أنه على إثر موقف كوخافي، لم تتم التوصية بتشديد الضربات في القطاع، وتقرر تركيز الانتباه على تهدئة الأوضاع في القدس إلى جانب الاستعداد لتدهور الوضع.
أفاد الناطق الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي أن كوخافي، أجرى أيضاً يوم أمس الأحد جلسة تقدير وضع في قيادة فرقة غزة، شارك فيها كبار الضباط، أوعز في ختامها بمواصلة الجهوزية لمختلف السيناريوهات في الساحة الجنوبية، إلى جانب تعزيز الاستعداد للتصعيد.
وإضافة لذلك، التقى كوخافي مع رؤساء السلطات المحلية في محيط غزة، وقال لهم: “نحن نستعد بشكل كامل لاحتمال تصعيد أو توسيع المعركة ونقوم بالتحضيرات المطلوبة لذلك”. ونقل عن كوخافي أنه قال لرؤساء السلطات المحلية إن التوتر مرتبط بصورة مباشرة بالاحتجاجات في القدس.
وفي إجراء عقابي، أغلقت “إسرائيل” مجال الصيد البحري كلياً مقابل قطاع غزة رداً على استمرار إطلاق الصواريخ من قطاع غزة. إلا أنه في المقابل، ومن أجل تهدئة الأمور في القدس، أمر المفتش العام للشرطة الإسرائيلية، كوبي شبطاي، بإزالة الحواجز في “منطقة الغليان”، لفترة تجريبية.
الربط بين التوتر في القدس والتصعيد في قطاع غزة بان واضحاً في المواقف المنقولة عن مسؤولين أمنيين وعسكريين إسرائيليين، حيث دعا مسؤول في هيئة أركان الجيش الإسرائيلي إلى “تبريد القدس، وبسرعة”، بحسب صحيفة “يديعوت أحرونوت”، فيما رأى مسؤولون في المؤسسة الأمنية أنه يوجد صلة مباشرة بين الأحداث في القدس والقصف نحو الأراضي الإسرائيلية انطلاقاً من قطاع غزة.
وأضافت التقارير أن الرأي السائد في القيادة الأمنية هو أنه بشكل عام، في جولات العنف بين إسرائيل وغزة التي حصلت في السنوات الأخيرة وبدأت بإطلاق صواريخ من قطاع غزة، الجولات لم تنته بشكل ناجح بما فيه الكفاية لـ “إسرائيل”. هذا، من جملة الأمور، لأن “إسرائيل” لم تكن المبادرة إلى جولات العنف، إنما نجرت إليها.
وحول التوقعات باستمرار التوتر في قطاع غزة أو عودة الهدوء، ظهرت وجهتا نظر بين المسؤولين الإسرائيليين، حيث توقع مسؤولون في الجيش الإسرائيلي أن يستمر التوتر الأمني في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة في الأسابيع القريبة المقبلة، فيما أشار مسؤولون إلى أن الحلقة الحالية ستنتهي خلال فترة وجيزة.
فهل تتمكن حكومة الكيان المنقسمة من تنفيذ سيناريو: التبريد فى القدس تمهيدا للتصعيد العسكري فى قطاع غزة.. هذا ما سوف تكشف عنه الساعات القليلة المقبلة.
المصدر: الشادوف
كتبه: المحرر السياسي لموقع ( الشادوف ) الإخباري المصري