هشام كمال يكتب: نظام السيسي كنز استراتيجي للكيان الصهيوني
بعد تشكيل السلطة الجديدة للكيان، سارعت بعض مراكز الأبحاث المرموقة هناك في تقديم رؤيتها وتوصياتها لقيادات الكيان، وعلى رأس تلك المراكز كان “معهد دراسات الأمن القومي (INSS)”، التابع لجامعة تل أبيب، و”معهد القدس للاستراتيجية والأمن (JISS)”، اليميني المتطرف، والذي يعمل به عدد من القيادات الأمنية السابقة بالكيان، والذي يصدر في بعض الأوقات أوراقا ناقدة لأوراق “معهد دراسات الأمن القومي”.
توصيات “معهد دراسات الأمن القومي”
ذهب وفد من “معهد دراسات الأمن القومي” لرئيس الكيان إسحاق هيرتزوج، وسلمه دراسة تلقي الضوء على التحديات الاستراتيجية الرئيسية التي تواجه الكيان، ووضعت تلك الدراسة توصيات سياسية لمجابهة هذه التحديات، وقدمها المعهد بشكل رسمي لرئيس الكيان في 27 يوليو 2021، ونشر مقتطفات منها على موقعه الرسمي في مطلع أغسطس الحالي.
أشارت الدراسة إلى أن هناك جهودا متواصلة تبذلها بعض الأطراف لإعادة تشكيل الشرق الأوسط في إطار أربع معسكرات؛ معسكر بقيادة إيران، ومعسكر بقيادة تركيا، ومعسكر الجهاديين، ومعسكر “الدول المعتدلة”.
وفيما يتعلق بمصر، أوضحت الدراسة أن عملية “حارس الجدران” أبرزت الدور الدولي والإقليمي للنظام المصري، وأوصت الدراسة بتعزيز العلاقات مع ما أسمته “محور الدول المعتدلة”، والتي من بينها مصر والأردن، وتشجيع المبادرات المتعلقة بالاقتصاد والطاقة الخضراء والمياه والبنية التحتية مع الأنظمة الحاكمة لدول ذلك المحور. وأبدت الدراسة القلق حيال المشكلات الاقتصادية التي تواجه دول ذلك المحور.
على ناحية أخرى، أوصت الدراسة بتقليل الاحتكاكات مع تركيا، وإبراز الانفتاح الحذر تجاه الإشارات الإيجابية التي ترسلها أنقرة للكيان.
توصيات “معهد القدس للاستراتيجية والأمن”
من جهتهم، صاغ باحثو “معهد القدس للاستراتيجية والأمن (JISS)” 11 توصية سياسية ودبلوماسية ودفاعية لحكومة الكيان الصهيوني رقم 36 على ضوء التحديات التي تواجهها. ونُشرت تلك التوصيات على الموقع الرسمي للمعهد يوم 2 أغسطس الحالي.
وأكد الباحثون بشكل مجمل على أن الكيان يتعين عليه الاستفادة من الفرص الدبلوماسية الحالية، مثل اتفاقيات التطبيع المبرمة مؤخرا “اتفاقيات إبراهيم”، وتوسيع تحالفاته في الشرق الأوسط وفي شرق المتوسط لمواجهة الطموحات الإقليمية التركية والتهديدات الإيرانية.
وفيما يتعلق بالنظام المصري، أكد المعهد على أن النظام يعتبر شريكا استراتيجيا مهما للكيان، واستقراره يعتبر أولوية قصوى له. ويتعين بناءً على ذلك تعزيز العلاقات معه، ومنحه الأولوية في حالة إبرام الكيان لتحالفات عربية جديدة، وتعزيز المحور الاستراتيجي المشكل من الكيان واليونان وقبرص الرومية لمواجهة تركيا، في نفس الوقت الذي يجب أن يحافظ فيه الكيان على العلاقات التجارية مع تركيا، إضافة إلى فتحه قنوات تطبيع مباشرة مع الشعب التركي.
نظرة على توصيات المعهدين غير المتناغمين فكريا
اشترك المعهدان في التوصية بضرورة تعزيز العلاقات مع نظام السيسي، والذي اعتبراه مهما للكيان، وشريكا استراتيجيا له، واعتبرا استقراره أولوية قصوى للكيان، مع التوصية بتشجيع المبادرات الاقتصادية معه.
اشترك المعهدان كذلك في رؤية تركيا كغريم، مع ضرورة مواجهتها، باعتبارها تشكل محورا يثير قلق الكيان، ولكن “معهد دراسات الأمن القومي” أبدى لهجة أقل حدة، مع التوصية بضرورة تقليل الاحتكاكات مع تركيا، وإبراز الانفتاح الحذر تجاه ما ترسله من رسائل إيجابية للكيان، بينما شدد “معهد القدس للاستراتيجية والأمن” على ضرورة تعزيز المحور المناهض لتركيا في شرق المتوسط، مع الإبقاء على العلاقات التجارية معها، وهي تعتبر نظرة براغماتية واضحة، كما أوصى بفتح قنوات تطبيع مباشرة مع الشعب التركي، والذي أعتبره على المستوى الشخصي اتجاها عدوانيا، لأنه مبني على تغيير القناعات الشعبية، وربما اللعب على وتر الهوية، وهو ما يجيده الكيان في الناحية التطبيعية. والتجربة المصرية شاهدة على ذلك بعد اتفاقية “كامب ديفيد” التي وقعها السادات مع الكيان في عام 1979، والتي نشأت بعدها عدة أجيال في مصر تؤمن بضرورة التعايش مع الكيان، وتنظر لمقاومته على أنها “إرهاب”، مع قناعة تلك الأجيال بضرورة تعزيز العلاقات مع الكيان، بل والترويج لذلك.
الخلاصة
يتضح من خلال ما أوصى به هذان المعهدان المهمان بالكيان الأهمية الاستراتيجية لنظام السيسي لدى الكيان ولدى نخبه الثقافية والأمنية، لاسيما مع دوره الذي مارسه منذ عام 2013، وما أكده السيسي مرارا من أنه يعمل على “أمن المواطن الإسرائيلي”، واستمرار النظام في حصار قطاع غزة والتضييق على حركات المقاومة فيه، وتبني سياسة احتواء أمنية للفصائل الفلسطينية، في ظل التنسيق رفيع المستوى مع قيادات الكيان.
والمتصور، بعيدا حتى عن تلك التوصيات، أن الكيان يسعى، وسيظل يسعى لتعزيز العلاقات مع نظام السيسي، وتقوية موقف النظام على المستويين الإقليمي والدولي، لاسيما وأن الكيان يضغط بالفعل على إدارة بايدن كي تتساهل مع النظام في ملف حقوق الإنسان، وأن تستمر في دعمه، على خلفية دور النظام الأمني في المنطقة، وفقا لما أشار إليه موقع أكسيوس الإخباري الأمريكي في 11 أغسطس الحالي.
الدكتور هشام كمال
كاتب وباحث مصري
المتحدث السابق باسم الجبهة السلفية المصرية
@@@@@@@@@@@@@@@@@
مقالات الرأي تعبر عن آراء أصحابها، ولا تعبر بالضرورة عن الموقع أو سياساته التحريرية