دراسة : صراع مكتوم بين القاهرة والرياض على استغلال غاز البحر الأحمر
تنبأت ورقة استخباراتية إماراتية بإنفجار ما وصفته بــ” الصراع الكامن” بين السعودية ومصر على الاستفادة من مخزونات الغاز الطبيعي فى البحر الأحمر مما سيكون له تداعيات اقليمية ودولية ربما تؤثر على مصالح شركات عالمية كبرى إضافة الى العديد من بلدان المنطقة والعالم ومن بينها الإمارات.
وذكرت الدراسة التي حصلت عليها صحيفة ( الأخبار اللبنانية ) ونشرتها فى عددها الصادر اليوم الخميس إن لجوء الرياض لاستخدام إمكاناتها المالية والفنية لاستخراج الغاز والتلاعب بأسعاره فى الأسواق العالمية كما تفعل فى السوق النفطية قد يقود الى ما وصفته بـ” صراعٌ مفتوح يؤدّي لإلحاق ضرر بالغ بمصالح قوى وشركات عالمية كبرى، ربّما لن ترضى بأقلّ من إسقاط النظام السعودي كما تم إسقاط نظام الرئيس المصري الراحل الدكتور محمد مرسي بعد إقدامه على مناقشة اتفاقية لترسيم الحدود مع قبرص التركية”، مما هدد مصالح اسرائيل واليونان في غاز شرق البحر المتوسط.
وذكرت الدراسة انه في ربيع 2019، رصدت الإمارات العربية المتحدة اهتماماً من وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية السعودية بشأن تقدير مخزونات حقول الغاز على سواحل البحر الأحمر، في أعقاب إعلان وكالة الدراسات الجيولوجية الأميركية في العام 2009 عن وجود مخزونات كبيرة من الطاقة في حوض البحر الأحمر.
وتساءلت الدراسة التي أعدّتها جهة بحثية تابعة للخارجية الإماراتية عن المشتري المفضّل الذي يُفترض أن يحدّده صانع القرار السعودي لما قد ينتجه: هل هي السوق الداخلية، أو السوق الآسيوية، أو أسواق الأردن أو مصر أو إسرائيل، أو السوق الأفريقية، لكي يبني على ذلك مسار الخطط الرامية لتنمية البنية التحتية لمناطق غرب المملكة؟
تشير الدراسة المعنونة: «كيف تنظر السعودية لفرصها في استثمارات الطاقة في البحث الأحمر؟» إلى خلاف مصري – سعودي كامن حول التعامل مع مخزونات البحر الأحمر على رغم ترسيم الحدود البحرية بينهما، وجاء في هذا الصدد حرفياً :
«سياسياً، لا تغيب شبهة اعتزم السيسي تبنّي سياسة الأمر الواقع مع المملكة، والمضي قدماً في مشاريع الغاز، إثر الانتهاء من ترسيم الحدود البحرية، وقبل إقرار الاتفاقية المؤسسة لكيان جديد للطاقة في البحر الأحمر.
وتتزامن تصريحات الطرفين مع عدم خروج اجتماع مسؤولي الدول المشاطئة لحوض البحر الأحمر في القاهرة بنتائج معلنة، أو موعد لقاء جديد في ظلّ اعتراض مصري ضمني على الرؤية السعودية لمشروع الكيان الإقليمي، وسعي القاهرة لتوظيف الكيان كورقة ضغط على إثيوبيا (الدولة غير العضو) ولدعم نفوذها في شرق أفريقيا».
تضيف الدراسة الإماراتية: «ومن شان شروع الجانب المصري في أعمال إنتاج موسعة، قبل إقرار الكيان المؤسسي لدول البحر الأحمر، أن ينتج حالة من التنافس على الطاقة في حوض البحر الأحمر مماثلة لحالة شرق المتوسط. وقد يشجع سلوك القاهرة كلاً من الخرطوم (بدعم صيني، على رغم عدم استقرار الأوضاع في السودان حتى الآن) وجيبوتي (بدعم صيني وفرنسي) وشمال الصومال (بدعم إماراتي) وأسمرا (بدعم إثيوبي وإماراتي وإسرائيلي)، على تطوير إنتاجها، وتحويل الحوض إلى منطقة صراع تستنزف موارد ونفوذ المملكة في حال لم تستعد له منذ الآن».
وتشير الدراسة إلى «عسكرة مجال الطاقة وبروز لاعبين غير تقليديين من خارج الإقليم»، وتنقل عن «تقديرات سعودية» أن اقتصادات الطاقة وخدماتها في البحر الأحمر «قد تشتمل على لاعبين جدداََ من خارج الإقليم، حيث تضم المنطقة قواعد عسكرية لدول غير مطلّة على البحر الأحمر (تركيا والإمارات)، إلى جانب الوجود الإيراني غير التقليدي على السواحل اليمنية، وقواعد قوى دولية صاعدة (الصين) وقد تلحقها (ماليزيا) مستقبلاً، بجانب الوجود التقليدي للدول الغربية (أميركا وفرنسا)، واستمرار الاستحواذ الإماراتي على مرافق موانئ مطلة على البحر الأحمر، مما قد يجعل السعودية خارج المنافسة، ما لم تتبنّ سياسة التمدد العسكري في الإقليم وسياسة الاستثمار الموسع في البنى التحتية لبلدان الساحل».
وفي ملاحظة لا تخلو من دلالة، أشارت الدراسة إلى أن «أية مخاطرة بالمضي قدماً في استخراج غاز البحر الأحمر بغرض التصدير قد تمثّل عواقب سياسية غير مأمونة النتائج على المملكة، في حال تأثّرت الاتفاقيات القائمة بين الدول المنتجة والمستوردة للغاز بدخول معروض سعودي جديد للخارج، وفي ظل عدم وجود سعر عالمي موحد للغاز. كما ستتأثّر اقتصادات عواصم مؤثرة وتكتلات شركات عالمية كبرى بتلك الزيادة.
وأكدت الدراسة انه وفقا لتقديرات استخباراتية متشائمة، فقد تتّجه هذه القوى الدولية والشركات العالمية الكبرى لدعم وتبني سياسة لزعزعة وإسقاط نظام الحكم السعودي، مثلما حدث مع الرئيس المصري المخلوع (محمد مرسي) عند مناقشته ترسيم الحدود المصرية مع قبرص التركية، بشكل هدّد – وقتها – المصالح الإسرائيلية واليونانية، ومشاريع شركات «بي بي» و«شل»، و«موبيل»، بشكل مباشر».
وتمضي الدراسة الإماراتية بالقول: «وهناك حالة من شبه التشبّع لأسواق الغاز والطاقة في مصر والأردن وإسرائيل، والتي تسدّ احتياجاتها من غاز المتوسط في الوقت الحالي، وعلى امتداد السنوات العشرة المقبلة، وبالتالي فإن الدخول لتقديم عرض مغر لأي من تلك الدول، قد يثير توتراً في ترتيبات تم الاتفاق عليها».
وتضع الدراسة إشكالية أخرى أمام استفادة السعودية من ثروات البحر الأحمر، من خلال وضعها أمام المحور السياسي المقابل: «وتمثل مخزونات الطاقة في منطقة البحر الأحمر رأس مال جيو ـ سياسي لبلدان الاعتدال العربي (السعودية ومصر والاردن)، في مقابل مخزونات الطاقة لدى إيران وحلفائها في العراق وسوريا ولبنان.
وبالتالي قد يؤدي أي تحرك متعجل لاستخدام تلك المخزونات، قبل ضمان احتواء بغداد ودمشق وبيروت في الاصطفاف العربي سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، إلى إعادة إحياء مخططات مد الغاز الإيراني إلى السوق الأوروبية، واستدامة النفوذ الإيراني على شمال المنطقة العربية (الهلال الشيعي) باعتراف غربي اقتصادي وسياسي، وإعادة المناخ السياسي الإيجابي بين طهران والغرب لمدة أطول».
وتضاف إلى ذلك كلّه صعوبات تتّصل بالبنى التحتية، إذ تنسب الدراسة الإماراتية إلى خبراء طاقة سعوديين قولهم إن «منطقة شرقي المتوسط تتميّز عن منطقة البحر الأحمر بوجود وفرة في إمكانيات البنية التحتية، والتنوع في شبكات النقل والخدمات وعدد كبير للشركات الصغيرة والمتوسطة التي تتعاقد معها الشركات الكبرى من الباطن، مما يجعل الأولوية الحالية على خرائط استثمار الطاقة لمنطقة شرقي المتوسط وليس لمنطقة البحر الأحمر».
توصيات إماراتية للسعودية.. عليكم بإسرائيل !
وتقدم الدراسة توصيات مثيرة للاهتمام في التعامل مع ملف الطاقة في البحر الأحمر إلى صانع القرار السعودي، وتشير إلى علاقة محتملة يمكن نسجها بين السعودية وإسرائيل في مجال النفط، إذ ورد فيها ما يلي:
«تقع منطقة (نيوم) في موقع استراتيجي يطل على المناطق الشمالية لحقول الطاقة على البحر الأحمر وقد تربط المدينة انتاج الغاز السعودي بشبكة المستهلكين في الأردن ومصر وإسرائيل في المستقبل عبر البحر، إذا ما أراد صانع القرار اقتسام حقوله في منطقة البحر الأحمر بين حقول شمالية وحقول جنوبية مرتبطة بالسوق الآسيوية والسوق الأفريقية في المستقبل، أو السوق الداخلية.
وتظهر فرصة لإنشاء مدينة خاصة بأعمال الأبحاث والتطوير لصناعات الطاقة في (نيوم) تتولى توطين وتطوير تكنولوجيات التنقيب والحفر والتخزين والنقل، والتي قد تستفيد من امتياز حرية الحركة داخل (نيوم) بين المملكة والأردن ومصر، وقد تبرم شراكات في المستقبل مع شركات وجامعات إسرائيلية».
كما تتضمّن التوصيات تحريضاً للسعودية على مصر وصولاً إلى اقتراح ممارسة الضغط على الأخيرة سياسياً واقتصادياً، بموازاة استمرار قيادة الإمارات في لعب دور المُوازن بينهما.
وجاء في هذه التوصيات ما نصه:
1- «يمكن لصانع القرار السعودي أن يعرض على القاهرة تولي شركة أرامكو أعمال حفر واستخراج الغاز في المناطق التي أعلنت عنها الحكومة المصرية في البحر الأحمر، مقابل تمرير الصيغة السعودية لمشروع كيان البلدان المشاطئة لحوض البحر الأحمر (المتعثر سياسياً).
ويمكن لأرامكو أن تعطل المحادثات لاحقاً أو تطيل أمدها، بدعوى دراسات الجدوى ونواقص البنية التحتية، أو أن تتحكم في عملية الإنتاج ضمن إطار تفاهمات إنتاج مستقبلي مشترك تبرمها مع (شل، وبي بي، وإكسون موبيل) المنغمسين في أنشطة الاستخراج بشرق المتوسط، بشكل يمنع تضرر تلك الشركات، ويديم العلاقة الاستراتيجية لها معهم».
2- «يوصى صانع القرار السعودي بالضغط على الرئيس السيسي بكل ما هو متاح من أدوات سياسية أو اقتصادية سعودية لإنهاء دور الجهات القضائية في ملف اتفاقية ترسيم الحدود البحرية، والذي ما زالت تنظره بعض المحاكم الفرعية، وقد تستخدمه جهات قضائية ضد الرئيس السيسي، في حال أي أزمة داخلية، أو قد تلوح به أي حكومة مقبلة في مصر تأتي بعد الرئيس السيسي.
ولذا فإن أي تطور سياسي في القاهرة بخصوص النظام الحالي سيعيد التفكير في عدم استيراد الغاز أو تصديره وتوجيهه للاستخدام المحلي، وقد تجد القاهرة في العوار الدستوري لاتفاقية ترسيم الحدود مع المملكة الفرصة لمناقشة ذلك الأمر».
كما توصي الدراسة بإظهار حرص المملكة على سدّ احتياجات الأردن لضمان عدم توجهه لاستيراد الغاز العراقي أو الإيراني، ويمكن الإقدام في أولى خطوات تحقيق ذلك من خلال توجيه الاهتمام السعودي نحو ميناء العقبة ومحطة الغاز به.
أما الاستفادة المتوقعة لدولة الإمارات من توزيع هذه الأدوار، وفي قلبها دور السعودية، فتلخّصه توصيات رديفة موجّهة إلى صانع القرار الإماراتي، وتنصّ على الآتي:
«من مصلحة دولة الإمارات إبقاء حالة توازن قوى في منطقة البحر الأحمر تحفظ لدولة الإمارات مصالحها العليا من دون تغوّل أيّ قوّة قد تترك تأثيراً سلبياً على محفظة المصالح الاستراتيجية الإماراتية المتنوعة في الإقليم»، ولذا يوصى في هذا الشأن بـ:
1- إبقاء التواصل الإماراتي مع الجانب المصري في أعلى درجاته في ما يتعلق بملف الطاقة في البحر الأحمر، في سبيل تقوية موقف الإمارات في ملف استراتيجي في المنطقة، خصوصاً وأنها لا تطل على البحر الأحمر، وفي سبيل تعزيز حالة التوازن بين اللاعبين الأساسيين في هذا الملف.
2- التواصل الإماراتي مع الجانب الأردني بخصوص الاستثمارات في مدينة العقبة، ودراسة التوجه نحو الشراكة مع الأردن في تقدير احتياجاته من الطاقة، وتحسين «أوراق» الإمارات في هذا الملف.
المصدر: الشادوف+الأخبار اللبنانية