حفل الزفاف الأسطوري للمتحدث باسم وزارة الصحة يكشف لغز (مصطفى قراقيش) ؟!
أثار حفل زفـاف خالد مجاهد، المتحدث السابق باسم وزارة الصحة، الذي أُقيم في فندق “النيل ريتز كارلتون” قبل أيام، ضجّة كبيرة في أوساط النخبة والعامة على السواء، بسبب مظاهر البذخ والترف التي أظهرتها صور الحفل، بما لا يتناسب إطلاقًا مع دخل “العريس”، وهو مجرد طبيب، لا ينتمي إلى عائلة ثرية!
*****************
عن ستة حروف يدور هذا التحقيق الاستقصائي : ( الثروة ).. أو ( السلطة).. لا فرق، كلاهما يتكون من ستة أحرف !!
ربما الأكثر دقة هو ان التزاوج بينهما هو المضمون الأساسي لهذا التحقيق.
باختصار : حفل زفاف خالد مجاهد المتحدث الرسمي لوزارة الصحة هو التطبيق العملي للتزاوج بين السلطة والثروة في مصر خصوصا حين يغطسان معا في مستنقع كبير من الفساد !!
لم تكن الثروة في بلادنا في يوم من الأيام مجرد راقصة باليه تسير على أطراف أصابعها برشاقة وفي خفة ودلع، لكنها دبت بقدميها على الأرض مثل مصارع رياضة السومو اليابانية، في مهمةٍ عنوانُها الإقصاء والانفراد بالمشهد.. فخضعت لها السلطة وانحنت !!
لم تكن الثروة في مصر مجرد وسيلة لتحقيق الترف، بل كانت طرفـاََ في كل شيء : الحروب والمقاومة، الصناعة والزراعة، التحالف والصراع، الفرد والعائلة.. الثورة أو الانقلاب عليها.. وكانت السلطة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها هي مسرحها المفضل.إنه المال، الذي يتصارع عليه الناس، هو الذي يرسم ملامح صورةٍ تستحق التأمل، ولعل مشهد الفرح الأسطوري لخالد مجاهد هو المشهد الأمثل لرؤية تزاوج السلطة والثروة فى أعلى تجلياتها البغيضة!!
تعالوا نشوف:
*************************************
جاء حفل زفاف الدكتور خالد مجاهد مساعد وزير الصحة والمتحدث الرسمي السابق لوزارة الصحة، على مي عبد السلام، ابنة رجل الأعمال مصطفى عبد السلام، على درجة من الأهمية دفعت السفير البريطاني بالقاهرة جاريث بايلي أن يحرص على تهنئة العروسين بنفسه على مسرح الحفل، وسط حضور عدد كبير من الوزراء، والمحافظين والمسؤولين ورجال الأعمال، والإعلاميين، والفنانين.
سبب الضجة التي أثارها الحفل هو حجم المدعوين والمطربين وتجهيزات الفرح التي زادت كلفتها على 10 ملايين جنيه في ليلة واحدة، بعضها كان أجرا للمطربين والراقصات، وهو مبلغ ضخم مقابل ثلاث ساعات هي كل وقت الحفلة.
إذ أحيا الحفل الفنانون عمرو دياب، وهيثم شاكر، ومحمود الليثي، وأنستازيا، في حضور عدد من المسؤولين والوزراء والمحافظين ومشاهير الفن، وكان أبرز الحضور الفريق أحمد شفيق رئيس وزراء مصر الأسبق، واللواء أحمد خليفة رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة، ووزير المالية الدكتور محمد معيط، والدكتورة هالة زايد، والدكتور أحمد زكي بدر، وزير التربية والتعليم الأسبق، والمهندس ياسر القاضي، وزير الاتصالات الأسبق، والدكتور عبدالقوي خليفة وزير مرافق مياه الشرب والصرف الصحي الأسبق، واللواء عادل الغضبان محافظ بورسعيد، واللواء عبد الحميد الهجان محافظ القليوبية، اللواء خالد شعيب، محافظ مطروح، ورجل الأعمال المهندس نجيب ساويرس، ورجل الأعمال ممدوح البارودي، والدكتور أحمد المنظري المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لإقليم شرق المتوسط، والدكتورة نعيمة القصير ممثل منظمة الصحة العالمية في مصر، ونقيب الأطباء الدكتور حسين خيرى، والدكتور محمد الوحش وكيل لجنة الصحة، والسفيرة ميرفت التلاوي.
وهناك شيء ما – بل أكثر من شيء فى الحقيقة- يدعو إلى الريبة، بدا في تلك الصور التي أثارت انتباه المصريين، وهو كونها جمعت بحسب المثل الشعبي المصري “بين الشامي والمغربي”، إذ أظهرت علاقة غير مفهومة جمعت بين “المغضوب عليهم” وبين الغارقين في نعيم السلطة، تحت سقف واحد!
كانت أبرز أسئلة الناس: كيف تسنى لطبيب، أو مجرد موظف عام سابق فى وزارة الصحة، أن يحصل على تلك الثروة التى ينفق منها يمينا وشمالًا بلا مبالاة، رغم أنه عمليا عاطل عن العمل منذ عام تقريبا، بعدما أطاحت فضيحة الرشوة الكبرى فى مكتب وزيرة الصحة هالة زايد بها وبه، معاً؟!
هذه الأسئلة المشروعة أخذت طريقها من صفحات “السوشيال ميديا” إلى قاعات البرلمان، بعدما تقدم النائب محمد سعد الصمودى، عضو مجلس النواب، بطلب إحاطة إلى رئيس مجلس الوزراء، بشأن مظاهر البذخ التي شهدها حفل زفاف “مجاهد” والذى تجاوزت كلفته أكثر من10 ملايين جنيه.
وما أكد شكوك النائب، حسبما صرّح، هو ما تلقاه من رسائل ومستندات فى اليوم التالى لتقديمه طلب الإحاطة، أفادت بملكية “المتحدث السابق” أسهما بمبالغ طائلة فى 4 شركات أدوية، و12 مستشفى خاصة بحسب “الصمودي”، علما بأن راتب “مجاهد” حتى عام 2014 لم يتجاوز 1270 جنيها فقط لا غير!
وتصاعدت مشاعر الريبة لدي المصريين، بسبب حضور نخبة كبيرة من الــوزراء والمحافظين ورجال الأعمال والفنانين، وشخصيات نافذة في مؤسسات طبية دولية فرح “العريس المعجزة”.
وخرجت صور حفل الزفاف التي كان يُنتظر أن تشفي غليل الشائعات والغموض الذي أحاط بالفتي المعجزة، فإذا بها تزيد الغموض غموَضًا في أوساط المصريين، خاصّة بعد ظهور وزير المالية محمد معيط، بجانب وزيرة الصحة السابقة، المتورط زوجها ونجلها فى قضية الرشوة الكبرى بالوزارة، جنبًا إلى جنب مع رئيس وزراء مصر الأسبق الفريق أحمد شفيق، ونجيب ساويرس الذى لم يسبق- ظاهريًا على الأقل- أن تعامل مع وزارة الصحة، فضلًا عن مسئولين دوليين منهم أحمد المنظرى، المدير الإقليمى لمنظمة الصحة العالمية، ونعيمة القصير، ممثل “منظمة الصحة العالمية” فى مصر، والسفيرة ميرفت التلاوي، إضافة إلى طابور طويل من الإعلاميين ضم لميس الحديدى ومحمود مسلم ومصطفى بكري وتامر أمين وعماد الدين حسين، ونشأت الديهي، وعمرو عبد الحميد وبسمة وهبة التي ظهرت بصحبة زوجها النائب علاء عابد، وزميله فى البرلمان عمرو السنباطي.
الإضافة للمحامي خالد أبو بكر، والمستشار أمير رمزي رئيس محكمة جنايات القاهرة وشقيقه النائب إيهاب رمزي عضو مجلس الشيوخ، الدكتور عادل حافظ محافظ المنطقة الروتارية السابق، الدكتور شريف والي عضو نادى الروتاري.
والمدهش فى هذا الحضور، أنه جمع المدرجين فى دائرة المغضوب عليهم أمثال الفريق شفيق، والوزيرة المُقالة هالة زايد، كما جمع عناصر بارزة في النظام، وكوكبة من الإعلاميين القريبين من دوائر القرار، أمثال لميس الحديدي ومصطفى بكري، والصحفى مجدى الجلاد، الغائب عن المشهد الإعلامي منذ سنوات بعد إقالته من رئاسة تحرير جريدة “الوطن”، وانضمامه إلى شلة رجل الأعمال نجيب ساويرس رئيسًا لتحرير منصته الإعلامية “مصراوي”، حتي بات “الجلاد” يحسب نفسه على المعارضة، ولو على استحياء!
الأغرب من ذلك كله، هو ظهور طائفة من كبار المستشارين والقضاة، لا تجمعهم – أو هكذا يفترض- بالعروسين وأهلهما علاقة من أى نوع، على رأسهم المستشار محمد عبد الواحد، نائب رئيس الهيئة الوطنية للانتخابات!
واكتمل مشهد الفرح والمرح بنجوم الفن: عمرو دياب الذى أحيا الحفل مقابل أجر 2 مليون جنيه، ومحمد رمضان، وهيثم شاكر وتامر عاشور ومحمود الليثي، وكلهم تقريبا غنى فى الفرح، ومعهم المدعوة الدائمة لأفراح الكبار حاليا الفنانة إلهام شاهين، بصحبة زميلة جيلها الفنانة نبيلة عبيد.
بلغ من شدّة سخط المصريين على العريس والفرح بعد خروج صور الحفل إلى الرأي العام، أن تصدّت له وسيلة إعلام دولية هي الـ “بى بى سي”، إذ راحت الـ “بى بى سي” تفتش عن إجابات لأسئلة المصريين حول مصادر ثروة المتحدث الرسمي، وأسباب المغالاة في إقامته على هذا النحو الذي ظهر عليه، لكن وسيلة الإعلام الدولية فشلت في إيجاد إجابات تشفي غليل المصريين.
وجاءت أغرب محاولات الإجابة عن تلك الأسئلة هي ادعاء بعض من حضروا الفرح وتربطهم صلات بالعريس، أنه ينتمى لعائلة غنية، كما ادعى مقربون من العروس أن أمها السيدة “شادية” هي ابنة خال الفريق أحمد شفيق، ما برر حضوره حفل الزفاف، إلى جانب عدد من القصص المختلقة.
الحقيقة أنه لا تربط الفريق “شفيق” بأم العروس أى علاقة من أي نوع، سواء من قريب أو بعيد، كما لا تربطها أى علاقة بالفنان الراحل سمير صبري، رغم ادعاء زوجها فى وقت سابق للصحف أن – الفنان الراحل- زوج أخته، ذلك أن “سمير” قطعًا لم يكن له شقيقات.
كما أن ثروة عائلة العريس – أيّاً كان أعمامه أو أقاربه- لم تكن حاضرة ساعة دفع فاتورة الحفل، الذى أقيم فى واحد من أغلى فنادق مصر، فالعريس- بحسب مصادرنا المؤكدة- لم يدفع شيئا بالفعل، لكن عدم دفعه تكاليف الفرح لا ولن يُسكت ألسنة ساخطة، تبحث في إجابة عن الكثير من علامات الاستفهام التي حاصرت المتحدث الرسمي وجمهور النخبة من الحضور.
أمّا الحقيقة، فهي إن لغز هذا الفرح – ببساطة- ليس فى حجم تكلفته، بل فيما هو أبعد من ذلك وأخطر، إنه فى اسم الرجل الذى دفع فاتورة الفرح – وما بعده- من رحلة شهر العسل إلى تركيا، وما وراءها من تفاصيل تصلح لأن تكون رواية مثيرة عن عالم السلطة والمال في مصر. وإن كانت مصادر دخل العريس تستدعى الفحص والتدقيق، فإن من دفع فاتورة الفرح هو الأولى بالتحرى والتفتيش!
يصبح هـذا التساؤل أولـى بطلبات الإحاطة والتحقيق، وتحريات “الرقابة الإدارية”، خاصة إذا علمنا أن هذا الشخص الذى دفع ما يزيد عن عشرة ملايين جنيه فى حفل زفاف، لم يكن قبل سنوات إلا بائع طعمية فى حى شعبى! عن والد العروس مصطفى عبد السلام الشهير باسم “مصطفى قراقيش” نتحدث!
فى منتصف الثمانينيات، كان لدى “مصطفى قراقيش” محل فول وطعمية بشارع جسر السويس، تحديدا في منطقة بجوار عمارات الشرطة، مطعم بسيط، يديره رجل فى جلباب أبيض يقوم بـ “قلي الطعمية”. هذا الرجل – صدّق أو لا تصدّق- هو نفسه الذي دفع فاتورة فرح “النيل ريتز كارلتون”.
وكان من حظ “مصطفى قراقيش” ابن حى عين شمس أن جاره فى أيام الطفولة والدراسة هو سمير رجب، الذى سيصبح بعدها واحدا من أهم رجال نظام مبارك فى بلاط صاحبة الجلالة، فبمجرد أن جلس “سمير” على كرسي رئاسة التحرير في جريدة “الجمهورية”، بدأ صاحبنا فى توسعة المطعم، وتحويله إلى كافيه كبير يحمل اسم “قراقيش”، أصبح زبائنه ضباطًا وشخصيات مسئولة مباشرة بعد انتشار خبر علاقة صاحب الكافيه بسمير رجب، الذى وجد هو الآخر فى “ابن حتته” بوابة خلفية للكثير من نشاطاته.
وصارت “كبسولات” سمير رجب فى “الجمهورية” هي الجناح المسلح للثنائى “رجب” و”قراقيش”، الذى أصبح معروفًا بعدها على نطاق واسع فى معظم دوائر القرار باسم “مصطفى قراقيش”.
يهاجم “رجب” أحد المسئولين فى مقالاته، فيسارع “قراقيش” لقطف الثمار بمقابلة هذا المسؤول، مرة يحصل على قرار تخصيص، ومرات على موافقات، مقابل وعد بـ “تلطيف الأجواء” بين المسئول وسمير رجب.
حدث هذا كثيرا مع محافظ القاهرة الأسبق الذى منح “قراقيش” أرض أول محطة بنزين امتلكها على الطريق الدائرى في التجمع الأول، قبل انتقال تبعية المنطقة لوزارة الإسكان.
حصل “قراقيش” على المحطّة، وقام بتشغيلها ثم بعد ذلك باعها، ليحصل على أخرى من رئيس هيئة الطرق، الذى منحه تراخيص لاستراحات وكافتيريات ومحطات وقود عديدة على طريق القاهرة- الإسماعيلية.. وتوالت العطايا!
تواترت الأنباء عن شراكة بين سمير رجب وقراقيش، لكن جهة تحقيق واحدة لم تفتح ذلك الملف، بعدها تعرف قراقيش على ضياء القبانى رجل صناعة الزيوت، والعقلية الأسطورية، إذ كان “ضياء” يعيش فى أمريكا، وقد بلغ درجة من الثروة فاقت الوصف، حتى أنه كان يمتلك طائرة خاصة فى الفترة التى لم تكن تلك الفكرة قد وصلت إلى ذهن محمد أبو العينين، ولا إلى أحمد عز، وأمثالهما.
أنشأ “ضياء” مصنعا للزيوت فى الاسكندرية، بتمويل من بنوك مصرية، وقتها التقاه مصطفى قراقيش، عبر الطبيب الشهير مصطفى المنيلاوي، وذات مرة خلال لقاء جمعهم على مائدة غداء فى مطعم “سيجال المكس” بالإسكندرية، انبهر قراقيش بحجم علاقات ونفوذ القباني، فطلب منه أن يسهل له جلب شاحنات نقل البترول، لأنه يريد دخول هذا المجال بمساعدة صديقه سمير رجب طبعا.
كان هذا الغداء مصباح علاء الدين لـ “قراقيش” فقد كشف له قبانى عن رسالة شاحنات أمريكية ستسلم إلى الحكومة المصرية ضمن برنامج المعونة “إيد”، وأنه يستطيع تسهيل حصوله على 20 شاحنة، يبلغ طول الواحدة منها 12 مترا، بأسعار رمزية.
لكن شاءت الأقدار أن تأتي نهاية ضياء القبانى مباشرة عقب إتمام تلك الصفقة، في حادث جوي مأساوي، وهو قادم من الولايات المتحدة بطائرته الخاصة التي كان يقودها هذه المرة بنفسه دون طيار أو مضيفات، وكان مقررا له أن يهبط فى مطار برج العرب قبل الطيران إلى القاهرة، لكنه أخطأ فى حساب كمية الوقود، فقرر مواصلة الطيران إلى مطار القاهرة دون الهبوط في برج العرب، وفوق صحراء بلبيس نفد الوقود فجأة فهوت طائرته ليلقى مصرعه فى الحال.
وشكّلت لعبة الشاحنات الأمريكية قفزة في ثروة “قراقيش”، إذ عملت تلك الشاحنات فور تسلمها لحساب هيئة وشركات وزارة البترول، ليل نهار، بعد إبرامه تعاقدات ملزمة معها بفضل علاقته الوطيدة مع سمير رجب، الرجل القوي في نظام حسني مبارك وقتها، فكـانت تُدر عليهما ملايين الجنيهات يوميا.
قبل تلك الفترة بقليل، تعرّف “قراقيش” على توأمه الآخر، عن طريق سمير رجب أيضا، وهو طبيب تخرج فى طب الأزهـر، لكنه لم يعمل بالطب يوما، بل شق طريقه إلى شركات توظيف الأموال التى كانت صيحة ذلك الوقت في مصر.
تقرّب الطبيب من أشرف السعد، وعمل مساعدا له، وذات يوم أمره السعد بنقل 50 سيارة إلى ساحة انتظار فى شارع عباس العقاد بمدينة نصر، خلف مستشفى التوفيقية، وتسليمها هناك.
كان فى انتظار تلك السيارات سمير رجب الـذى يسكن هناك، وقد ضغط على أشرف السعد ليمنحه حملة إعلانية ضخمة، فقال له “السعد” إنه لا يملك سيولة، لكنه سيدفع له السيارات لكي يبيعها، مقابل أن يسانده بدلا من مهاجمته.
وعرفت إدارات الصحف القومية الأخرى اللعبة نفسها، وكررتها مع أمثال حسام أبو الفتوح وغيره، ما خلق رواجا في سوق السيارات، وفتح قناة واسعة لتربّح القائمين على تلك الصحف، وتسبب هذا الأمر بعد الثورة فى محاكمة عدد منهم، ولا ننسى عهدى فضلى رئيس مجلس إدارة “الأخبار” الذي توفى فى السجن، على ذمة واحدة من هذه القضايا، ناهيك عن قضية “هدايا الأهرام”.
دور “قراقيش” كان التصرف فى تلك السيارات بالبيع مع فارق السعر، لحساب “سمير” وحسابه. وكانت تلك الواقعة سبب تعرف قراقيش شريك رجب الخفى على طبيب توظيف الأموال، ومساعد أشرف السعد الخفى أيضا.
توطدت الصداقة بين الاثنين، وسيكون لهذا الطبيب دور فى حفل الزفاف الذى أثار الضجة الأخيرة، فقد كان هو الداعى الرئيسى لحضور كثير من الشخصيات التى لا يجمع بينها أى علاقة، وعلى رأسهم “شفيق”، فقد اصطحب الطبيب “شفيق” من منزله إلى الفندق، واصطحبه أيضا قبل أيام إلى حفل زفاف ابنة شقيقته فى العبور، وظهر معه فى عزاء الفنان سمير صبري.
كما كان الطبيب الغامض هو صاحب دعوة محمد رمضان، الذى جمعته به علاقة قوية منذ تصويره بعض أعماله فى مزرعة الخيول التى يملكها الطبيب الغامض فى كرداسة، كما أن ذلك الطبيب هو الصديق المقرب لـ عمرو أديب وزوجته لميس الحديدى.
والغريب أن الطبيب المقرّب من “قراقيش” وغالبية المدعوين، حرص على عدم التقاط صورة واحدة له خلال الحفل، خوفا من غضب دوائر رسمية، فهو واحد من اللاعبين الكبار على كافة الحبال فى مصر، وربما تعرفونه بقصة زواجـه من الممثلة المشهورة، ثم تطليقه لها بعد ارتدائها الحجاب!
فوجئ المدعوون فى فرح مجاهد أيضا بوجود المنتج الفنى عادل حسنى، الذى طبع قبلة على خد مطلقته إلهام شاهين، فور دخوله، وعندما غمزها الحاضرون قالت: “الطلاق حاجة والصداقة حاجة تانية”!
“حسنى” كان الضلع الثالث فى شلة “رجب وقراقيش”، لدرجة أن سمير منحه بطاقة “صحفى” بالجمهورية، لتسهيل تحركاته فى البيزنس الخاص بينهم، وكانت المؤسسة ترسله فى الرحلات الخاصة للرئيس مبارك، وتدفع نفقات سفره وإقامته، فضلا عن 200 دولار “مصروف جيب” يومي.
وكان “حسني” يوعز لسكرتيرته هدى العرابى، أن تقول لمن يتصل به: “الدكتور عادل مسافر مع سيادة الريس”، لكي يشيع أنه مقرّب من الرئيس!
سهلّت تلك الألعاب لـ “حسنى” إقامة مهرجانات وعقد صفقات دعاية بملايين الجنيهات، كما حصل على قروض من البنوك لم يقم بسدادها حتى صدرت ضده أحكام قضائية بالحبس أكثر من مرة، لكنه لاذ بحماية الشلة!
أصبح “حسنى” غطاء لبيزنس سمير رجب، لدرجة أن شهود عيان رأوه وهو يحمل مناديل “الكلينكس” لـ سمير داخل حمام أحد الفنادق، ليعطيها له بعد تبوله!
وصار بذلك شريكا فى عدد من المشروعات بينها اليخوت والمراكب العائمة، وأساطيل النقل. ورغم هذا التحالف تنكر حسنى لـ “رجب” عقب ثورة 25 يناير وهروب “سمير” إلى الخارج، حيث استولى على جزء كبير من أموال الشراكة بينهما، بمساعدة “قراقيش”.
لم تعد المياه لمجاريها بينهم إلا بعد عودة “سمير”، ونجاته من قضايا الكسب غير المشروع، بل وعودته إلى الأضواء والكتابة مجددا فى صحيفة “الجمهورية” كأن شيئا لم يكن، وكان “سمير” أحد أوائل المدعوين فى فرح بنت “قراقيش”.
كان الوزير الأسبق محمد إبراهيم سليمان أكثر الناس حرصا في عدم التعامل مع مصطفى قراقيش، لأنه كان يعرفه قبل أن يأتى للوزارة، لذا أصدر تعليمات فور توليه منصبه بمنع استقبال “مصطفى” لقضاء أي مصلحة أو إنجاز أي طلب، خوفا من أن يورطه فى مصيبة، إلا أنه سقط في مصيبة كادت أن تحرمه منصبه الوزاري بسبب سمير رجب، حين رشح الأخير نفسه لرئاسة نادى الشمس وطلب مساعدة “سليمان”، فدعمه الأخير بطرح 200 شقة من الوزارة لأعضاء النادي، وهو ما قلب الدنيا فوق رأس سليمان، فاضطر لسحب الشقق، وخرج “سمير” من سباق الانتخابات.
لكن الرجل لم يمانع فى تقديم دعم من نوع آخر بمساعدة رئيس الرقابة الإدارية السابق هتلر طنطاوى، والمدعى الاشتراكي وقتها جابر ريحان، تحت قبة البرلمان، حين قدمت الحكومة بإيحاء من “مبارك” قانونا بمنع تسيير التريلات داخل المدن، ما كان يهدد بفرض تكاليف وغرامات ضخمة على أسطول “قراقيش” الذى زاد في تلك الفترة عن 100 تريلا كانت تعمل على كافة الطرق ليل نهار. ونجح هذا اللوبى فى تعطيل القانون بحجة تنفيذه على مراحل، ومن ثم دفنه نهائيا لحماية مصالح “قراقيش”.
وكان “ريحان” أكثر المتحمسين لدعم “قراقيش”، حيث كان يتلقى رعاية أسرية خاصة فى منزله من السيدة “شادية” زوجة قراقيش أيام مرضه، مثلما كانت تصنع مع سمير صبرى الـذى خصصت له غرفة مريحة فى منزل الأسرة، فى أيامه الأخيرة، نظرا لعلاقته الممتدة بهم، منذ أن ساهم فى توسعة ودعم “كافيه قراقيش” فى مصر الجديدة وتحويله إلى قبلة للمشاهير.
وحاول “قراقيش” أن يقبض ثمن تلك الرعاية فى أيام صبرى الأخيرة، حين أوعز له بطلب التبرعات لعلاجه، واتفق مع عمرو أديب على المداخلة الشهيرة، وجرت تلك المداخلة من هاتف “مصطفى قراقيش” الذى كان يجلس إلى جوار سمير صبري، طمعًا فى جمع أموال تحت لافتة مرض الفنان الراحل فى أيامه الأخيرة، حتى راح البعض يلمح إلى أن هذه الأموال- التبرعات- سيتم الإستيلاء عليها بعد وفاته، ذلك أن “سمير” ليس له أى وريث على عكس ما يشاع.
فرح ابنة “قراقيش” كان ملغوما من البداية، فقبل أن تفوح رائحته على صفحات السوشيال ميديا، استمع أحد المدعوين لهمسات عتاب من سياسى كبير ودبلوماسي سابق للوزيرة السابقة هالة زايد، خلال الفرح، فقد كان هذا السياسى صاحب الفضل فى تعيين “هالة” موظفة بوزارة الصحة منذ وقت طويل، حين زارته فى البيت وشكت إلى زوجته أنها لا تجد فرصة عمل، فقال لها: “انتى خريجة الزقازيق، هشغلك فين”؟! وبعد توسلاتها، اتصل الرجل بالدكتورة صفاء الباز، وتوسّط لديها فى تعيين هالة زايد.
والطريف أن السياسى الكبير حاول الاتصال بها بعد أن صارت وزيـرة خلال أزمة كورونا للحصول على اللقاح، فلم ترد عليه، فما كان منه إلا أن همس فى أذنها خلال الحفل مذكرا إيّاها بأنه لم يدخل الوزارة منذ دخلتها، وقال لها ضاحكا: “انتى قليلة الأصل”!
لا يجب أن تحجب قصة “قراقيش” الأسئلة المشروعة حول مصادر دخل العريس خالد مجاهد، الذى تخرّج في طب عين شمس دفعة ٢٠٠٩، ثم جرى تكليفه بأول وظيفة كطبيب امتياز بعد عامين كاملين، فى مستوصف بإدارة القصاصين الصحية فى الإسماعيلية عام 2011، وظل هناك لمدة عامين، قبل نقله فى ٢٠١٣ للعمل طبيبا مناوبا في “معهد السمع والكلام، وهى بداية شبيهة بكل زملائه تقريبا.
لكن “مجاهد” خرج عن هذا المسار فى العام التالى ٢٠١٤، بتعديل تكليفه إلى شركة “فاكسيرا” للمصل واللقاح، مأوى أكثر المسؤولين وأبنائهم فى وزارة الصحة، ليحصل على راتب أفضل قليلا.
ولم يمر عام آخر، حتى قفز إلى حيث لم يحلم يوما، فاختاره وزير الصحة الأسبق أحمد عماد الدين متحدثا رسميا بالوزارة فى عام 2015، ليبقى في منصبه هذا حتى بعد رحيل الوزير، ومجيء هالة زايد التى لم تكتف بتثبيته، بل قامت بترقيته لدرجة “مساعد وزير للتوعية والإعلام”، وظل ست سنوات كاملة فى موقعه، حتى خرجا سويا هو والوزيرة، التي حرص على أن تكون أول المدعوين للفرح.
وأيـّاً كانت حقيقة زواجــه السابق، أو خطوبته من بنان حسام الشريف، كريمة مساعد رئيس البورصة لتكنولوجيا المعلومات، ثم فسخه الخطوبة بعد استبعاد عمها السيد محمود الشريف نقيب الأشراف، ووكيل مجلس النواب السابق.. أيّا كان هذا الأمر، فإن هناك أحاديث كثيرة عن صعود الفتى المعجزة على أكتاف “الكبار”، وزيجات المصالح، إلى ذلك كله، جاهد مصطفى قراقيش طوال حياته، لأن يكون بعيدًا عن الأضواء، حتى أفلت من ثمّة ملاحقة قانونية عن مصادر ثروته، ليفتح هذا الحفل الباب واسعًا أمام الجهات الرقابية، أن تفتش في مصادر ثروة الرجل الذي لم يكن أكثر من مجرد بائع طعمية في جسر السويس..!
المصدر: الشادوف+البلاغ