حسن فحص يكتب: الحوار الايراني السعودي بلا قفازات عراقية !
في الوقت الذي تتقاذف فيه واشنطن وطهران كرة التعطيل، او تأخير العودة الى طاولة التفاوض واحياء الاتفاق النووي، يبدو ان الاجواء توحي بين الطرفين بوجود تفاهم شبه ضمني وغير معلن باستمرار التعليق لمدة تصل الى شهرين او تزيد قليلا، لكي يتسنى من الناحية الايرانية تشكيل فريقها المفاوض الجديد وتحديد الاستراتيجية والآلية التي تريدها لتفعيل المفاوضات واعادة ترتيب اوراقها النووية والسياسية والاقليمية التي يمكن ان تشكل عاملا مساعدا في الضغط على الامريكي للحصول منه على التزام بعدم تقسيم العقوبات او توزيعها بين نووي وانساني، مستغلة ما يبدو انه ارباك امريكي نتيجة الاحداث والتداعيات التي رافقت عملية الانسحاب من افغانستان.
ومن الناحية الامريكية التعامل مع رغبة الحكومة الايرانية الجديدة باعتماد نهج واسلوب جديدين في التعامل مع موضوع المفاوضات والحوار مع واشنطن، خصوصا محاولة اعادة التوازن الى هذا الخطاب وتأكيد صعوبة التخلص من العقوبات من دون العودة الى طاولة التفاوض، اي ان رفع العقوبات لن يكون منفصلا عن المفاوضات كما يرغب الرئيس الايراني الجديد ووزير خارجيته وعبرا عنه بوضوح.
في ظل لعبة شد الحبال النووية بين الطرفين، تحاول طهران العمل على تفعيل مسارات موازية لمسار التفاوض النووي، خاصة مسار الحوار الذي بدأ مع المملكة العربية السعودية في ابريل/ نيسان الماضي، وعدم ربطه بملف التفاوض حول الاتفاق النووي. اي اعتماد سياسة فصل المسارات في التعامل مع الملفات المطروحة امام القيادة الايرانية (النفوذ الاقليمي والبرنامج الصاروخي) والتي تضغط واشنطن للحصول على تنازلات من طهران فيها.
وتعتقد طهران ان العقدة الاساس في ملف النفوذ الاقليمي او الضغوط التي تتعرض لها في موضوع التدخل في الشؤون الداخلية لدول منطقة الشرق الاوسط، تكمن في التوتر السائد في علاقتها مع السعودية. لذلك يعتبر قرار الذهاب الى طاولة الحوار مع الرياض على الاراضي العراقية في نيسان الماضي، لم يكن قرارا اتخذته حكومة حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف، بل نتاج قرار استراتيجي اتخذه المرشد الاعلى للنظام مباشرة وقامت المؤسسات المعنية التي تمثل القيادة العليا للنظام ببلورته وترجمته بخطوات عملية.
قرار المرشد بالتعامل بايجابية وتلقف التغيير او الليونة الحاصلة في خطاب القيادة السعودية يصب في اطار سحب الذرائع الاقليمية من المفاوض الامريكي وحرمانه من ورقة ضغط اساسية استخدمها في حشد دول المنطقة خصوصا الدول الخليجية في حربه السياسية والاقتصادية والثقافية ضد ايران وما تشكل طموحاتها باعادة احياء امبراطوريتها الفارسية التاريخية من خطر على استقرار ومصالح هذه الدول.
لذلك يمكن القول، بان طهران ستحاول وتسعى لتأمين استمرارية هذا الحوار مع الرياض الذي بدأ مع روحاني ومن المفترض ان يستكمل مع الرئيس ابراهيم رئيسي في المرحلة المقبلة. وقد لا يكون مستغربا ان يلجأ رئيسي الى اعادة تفعيل الحوار مع الرياض قبل العودة الى طاولة المفاوضات في فيينا، وذلك انسجاما مع ما أكده منذ اليوم الاول لرئاسته على اعطاء العلاقات مع دول الجوار الاولوية في سياسات حكومته الخارجية، وبدأ في ترجمتها عمليا وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان واعتمدها كاستراتيجية للدوائر المعنية في هذه الوزارة التي يرأسها.
هذه الرغبة الايرانية في احياء علاقاتها مع دول الجوار، وتحديدا السعودية، هي نتيجة فهم ايراني بان دوائر القرار السعودي ايضا لا تنظر او تتعامل مع الحوار القائم من منطلق سياسة تكتيكية، بل من منظور بعيد المدى ويحمل بعدا يلامس الرؤية الاستراتيجية، ليس في بناء علاقة مع ايران، بل في التعامل مع الملفات الاقليمية والدفع بها نحو التهدئة ومحاولة استيعاب المتغيرات التي تشهدها، وتخفيف التوتر مع ايران يدفع باتجاه بناء علاقة متوازنة بين البلدين تأخذ بعين الاعتبار مصالح الطرفين في العلاقة الثنائية وفي المصالح الاقليمية.
وعلى الرغم من تمسك الجانب السعودي بالتعامل مع موضوع الحوار مع ايران انطلاقا من مبدأ “الغموض البناء”، وعدم التأكيد او الكشف عن طبيعة الفريق السعودي المشارك في حوارات بغداد، وفي الوقت نفسه لم تنف ما سرب من معلومات عن اقتصار المشاركة على شخصيات أمنية من كلا الطرفين. الجانب الايراني يحاول من خلال التسريبات التي ارتفعت وتيرتها في الايام الاخيرة الى احراج الجانب السعودي من خلال الحديث عن تعدد مستويات الفريقين المتحاورين، وعدم اقتصارها على الجانب الامني والعسكري، وأن الفريق السعودي كان يمثل مختلف المستويات السياسية والامنية والعسكرية وحتى الاقتصادية، على غرار الفريق الايراني. وان البحث في الجلسات التي عقدت تطرق لمختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك او التي تشكل مساحات خلاف وصراع بينهما.
الانفتاح الايراني وتمسكه باقامة حوارات اقليمية مع دول الجوار، يفترض ان يبلغ الحد الاقصى، ويمكن لمس هذا التوجه ايضا لدى الجانب السعودي حسب القراءة الايرانية بوضوح، ويعبر عن ارادة قيادة البلدين في تطويره نحو نتائج ايجابية والتوصل الى تفاهمات حقيقية تؤسس لنمط علاقة جديد بينهما على العكس من كل المحاولات السابقة.
وتؤكد طهران ان العلاقة مع السعودية لا تحتاج الى وسطاء، والبلدان قادران على التواصل المباشر، الا ان ما مرت به العلاقة بينهما من صعود وهبوط، وانتقال من البرودة في التعامل الى قطع العلاقات نهائيا بعد تعرض السفارة السعودية وقنصليتها في مدينة مشهد شرق ايران للحرق والاعتداء من قبل جماعات متشددة محسوبة على التيار المحافظ خصوصا رئيس البرلمان الحالي محمد باقر قاليباف، ما ساعد او سمح للعراق باقتناص الفرصة والاستثمار في رغبة الطرفين بانهاء صفحة التخاصم والتوتر، وان يلعب دور قناة الاتصال والتي اننهت الى كسر الجمود وعقد اول لقاء بين الجانبين.
وتعتبر طهران ان هذه الحوارات والمفاوضات تقوم على بعدين،
الاول؛ ازالة سوء التفاهم والتقليل من التوتر وازالة العوائق القائمة بين الطرفين
الثاني؛ رفع مستوى التعاون وفتح افاق جديدة وواسعة لتطوير الاهداف المشتركة.
ويبدو ان كلا الجانبين ليس لديهما أي أزمة في تحقيق هذين الجانبين ويؤكدان على بذل الجهود لازالة اي عراقيل امام ذلك، خصوصا وان طهران تتمسك بقدرتها على الحوار المباشر مع السعودية من دون الحاجة الى وسيط لذلك.
حسن هاني فحص
كاتب صحافي لبناني
مختص في الشأن الإيراني والقضايا العربية والإقليمية
@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@
الآراء الواردة فى المقال تعبر عن صاحبها، ولا تعبر بالضرورة عن موقع الشادوف أو تمثل سياساته التحريرية