بالوثائق: حرمان الموظفين المصريين من مقاضاة الحكومة.. واغتصاب (مجلس الدولة) !

2 836

أصدر مجلس الوزراء المصري كتابا دوريا موجها لجميع الجهات الحكومية من وزارات وهيئات وشركات، يتضمن تعليمات سريّة بفرض عقوبات إدارية على الموظفين الذين يرفعون دعاوى قضائية ضد الحكومة، سواء في مجلس الدولة (الجهة القضائية المختصة بنظر المنازعات بين المواطنين والدولة)، أو أي محاكم أخرى.

وحصل موقع الشادوف على نسخة من الكتاب الدوري ممهورا بتوقيع الأمين العام لمجلس الوزراء المصري،(اللواء أركان حرب) عاطف عبد الفتاح عبد الرحمن، والذي طالب فيه جميع الوزراء بالتنبيه على العاملين التابعين لهم بعدم رفع دعاوى قضائية ضد أي جهة حكومية، وعقاب من يقوم بذلك، فضلًا عن تسوية النزاعات بين الجهات الحكومية عن طريق لجان وزارة العدل دون اللجوء للقضاء، وهو ما اعتبره قضاة ومحامون ومتخصصون في الشأن العمالي اعتداءً على حق موظفي الدولة في التقاضي من ناحية، وبمثابة «موت واقعي» لدور مجلس الدولة القضائي من ناحية أخرى.

وجاء في الخطاب ما يلي: “التأكيد على جميع الوزراء بإنهاء جميع المنازعات القضائية بين الجهات الحكومية وبعضها البعض، وتسوية أي نزاع من خلال لجان فضّ المنازعات الحكومية بوزارة العدل، والتنبيه على المرؤوسين بعدم رفع أي دعوى قضائية ضد جهة حكومية، واتخاذ إجراءات عقابية ضد من يقوم بذلك”.

واتضح من الخطاب أن هذه التعليمات صدرت في الأسبوع الأول من سبتمبر/ أيلول الحالي، بعد اجتماع لمجلس الوزراء ناقش عدداً من القضايا، أبرزها الحملة القومية لتعميم اللقاح ضد فيروس كورونا.

لكن صحيفتا ( مدى مصر) و ( العربي الجديد ) نبهتا الى أن ما دفع رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي لمناقشة مسألة التقاضي هو صدور تعليمات من دائرة (الرئيس المصري) عبد الفتاح السيسي بضرورة التصدي للدعاوى القضائية التي ترفع من المواطنين بشكل عام والموظفين بشكل خاص ضد الحكومة، نظراً للزعم بأنها تتسبب في تراكم أعباء مالية كبيرة على خزانة الدولة، وفقاً لما ذكر مصدر حكومي مطلع لـ( العربي الجديد).

وأضاف المصدر أن التعليمات الصادرة من دائرة السيسي شملت أيضاً سرعة الفصل في النزاعات المعروضة أمام لجان فض المنازعات الحكومية التابعة لوزارة العدل، بصورة تصعّب اللجوء للقضاء، على الرغم من أن اللجوء لهذه اللجان في واقع الأمر مجرد خطوة مبدئية لمباشرة حق التقاضي، بموجب التشريعات ذات الصلة في مصر.

ولا تحرص هذه اللجان على فض ما يعرض عليها من الأساس، لعدم تمتعها بالإمكانيات الفنية التي تؤهلها لذلك، وهو ما حولها فعلياً بمرور السنوات إلى مركز أو بؤرة للقضاة المحالين إلى التقاعد، الذين يتم تعيينهم أعضاءً في تلك اللجان لزيادة دخلهم إلى جانب الرواتب.
الكتاب الدوري، الذي لم تن أو تؤكد الحكومة المصرية صحته من عدمها، أوضح أن القرار الخاص بموقف الوزارات والجهات الحكومية من اللجوء إلى القضاء هو أحد القرارات التي توصل إليها مجلس الوزراء في جلسته رقم 158 المنعقدة في الأول من سبتمبر الجاري.

واعتبر المحامي الحقوقي والعمالي، خالد علي، القرار «في حال صحته» تعبيرًا صريحًا عن فشل إداري وعدم وعي بقيمة الدستور والقانون، مما يستدعي ليس فقط إلغائه، ولكن بالأساس النظر في مدى جدارة من أصدره للبقاء في منصبه.

وأوضح :” من العجب في ظل إصدار الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، التي تدعم دولة القانون، أن يصدر عن الحكومة مثل هذا القرار الذي يهدد العاملين بالدولة بالعقاب لمجرد استخدامهم حقهم في التقاضي”، مشددًا على أنه لا وجود لدولة القانون دون إتاحة حق التقاضي «من غير إرهاق عن طريق زيادة الرسوم أو الترهيب بتخويف الموظفين وتهديدهم بالعقاب».

أما المنسق العام لدار الخدمات النقابية والعمالية، كمال عباس، فقد اتفق مع المحامي خالد علي، وقال إن الحكومة تصادر حق التقاضي، الذي هو أحد حقوق المواطنة، من الموظفين بالدولة، لافتًا إلى أن «الموظف اللي مترقاش في ميعاده أو اللي أخد جزا.. يروح فين؟ هل هيتم إلغاء مجلس الدولة؟»

وأضاف عباس أن الموظف أصلًا يلجأ أولًا إلى اللجان التي يتحدث عنها القرار كبديل للقضاء، وعادة لا تنصفه، ولذلك يذهب بعدها لمحاكم مجلس الدولة المختصة للحصول على حكم قضائي ملزم، ولكن لو افترضنا أن الموظف ذهب إلى لجان إنهاء المنازعات بوزارة العدل للتظلم من قرار خاص برصيد إجازته أو تخطيه في الترقية أو عدم حصوله على علاوة مثلًا، وأنصفته تلك اللجان وأصدرت قرارا في صالحه، فالمفارقة أن هذا القرار تنفيذه مرهون بموافقة طرفي الخصومة على تنفيذه، ومن ثم إذا رفضت الجهة الإدارية تنفيذه يكون قرار اللجنة بلا قيمة”!!

إلى جانب تعدي هذا القرار على حق موظفي الحكومة في التقاضي، اعتبر ثلاثة من قضاة مجلس الدولة تحدثوا لـ«مدى مصر» بشرط عدم ذكر أسمائهم، أن الكتاب الدوري يعلن وفاة مجلس الدولة «بشكل واقعي».

وأوضحوا أن تهديد الموظفين باستخدام «إجراءات عقابية» ضدهم في حال لجوئهم لقاضيهم الطبيعي في محاكم مجلس الدولة المختلفة، سواء الإدارية أو التأديبية أو القضاء الإداري وحتى المحكمة الإدارية العليا، يجب أن يُقرأ في سياق واتجاه عام بدأ بالتوسع في وصف القرارات الصادرة عن السلطة التنفيذية بأنها سيادية أو سياسية، ومنع محاكم مجلس الدولة من الرقابة على مشروعيتها واتفاقها مع القوانين، ثم بإلغاء إلزامية عرض التشريعات على مجلس الدولة قبل إقرارها من البرلمان وإصدارها من رئيس الجمهورية وجعلها سلطة جوازية للبرلمان أو الحكومة في العرض من عدمه.

Image processed by CodeCarvings Piczard ### FREE Community Edition ### on 2017-12-26 18:49:24Z | | ÿvw{ÿvxzÿwx|ÿñÚ¯¬y

ومؤخرًا إعطاء أوامر صريحة للجهات الحكومية بتجاهل سلطة الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع المختصة، بحسب القضاة الثلاثة، بالفصل في النزاعات بين الجهات الحكومية وبعضها، بإصدار قرارات ملزمة للطرفين، واللجوء إلى لجان تابعة لوزارة العدل بدلًا منها من ناحية، وحجب اختصاص الفصل في مظالم العاملين بالدولة عن محاكم مجلس الدولة، من ناحية أخرى.

كما تسمح التعليمات باستخدام وسائل شتى لقمع القضاة والتحكم في إرادتهم وحرمانهم من امتيازاتهم السابقة، وعلى رأسها الانتداب في الجهات الحكومية.

وستؤدي التعليمات إلى انخفاض نسبة لجوء الموظفين إلى محاكم مجلس الدولة بأنواعها المختلفة، وتقلّل أيضاً نسبة المنازعات التي تصل إليه من لجان الفض التابعة لوزارة العدل، وهو ما سينعكس انخفاضاً في كمية المنازعات إلى نحو ثلثي ما تتلقاه محاكم المجلس سنوياً في الوقت الحالي، وفقاً لتقديرات مصدر قضائي رفيع المستوى.

وتتضمن التعليمات ذاتها تصفية المنازعات بين الجهات الحكومية وبين بعضها البعض، وتوجيهها إلى لجان فض المنازعات، الأمر الذي سينعكس أيضاً على مجلس الدولة، بتقليل عدد المنازعات الحكومية الداخلية التي تُعرض يومياً عليه للإفتاء فيها، وفقاً لقانونه وللدستور، ما يعني في النهاية ضرب الاختصاصين القضائي والإفتائي للمجلس.

وربما يسمح تراجع دور المجلس بهذا الشكل باتخاذ إجراءات أخرى ضده مستقبلاً، مثل تقليص صلاحياته أو دمجه مع باقي الهيئات القضائية في مؤسسة قضائية واحدة، وهو ما يحدّ من فرص اشتباك المواطنين مع الحكومة لانتزاع حقوقهم المسلوبة أو تحرير حرياتهم المعطلة.

يذكر أن السيسي عيّن 411 قاضياً جديداً بالمجلس في 6 أغسطس/ آب الماضي. وأجريت للمرشحين دورات تدريبية بالأكاديمية الوطنية التابعة للمخابرات العامة.

وبعد ظهور النتائج، أُعيد إجراء التحريات الأمنية والرقابية على أقارب الخريجين المقبولين، حتى الدرجة الرابعة، في مخالفة لأحكام سابقة من المحكمة الإدارية العليا بحظر قبول المتقدمين بسبب أفعال وجرائم ارتكبها أقارب لهم، أو بتصنيفات أمنية للأقارب. ونتج عن هذه العملية استبعاد نحو 60 شخصاً من المقبولين.

المصدر: الشادوف+صحف

2 تعليقات
  1. مالك الحزين يقول

    الموضوع باختصار
    دائرة السيسى صورت له تقليص عدد العاملين المدنيين بالدولة
    وقد يلجأون إلى فصل تعسفى وقطع الطريق عليهم فى التقاضي

  2. مالك الحزين يقول

    ‏‎يحتمل أن يكون هناك قرار بحل مجلس الدولة
    وهو ما يعد انقﻻب تدريجي على السلطة القضائية

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.